رحل المخرج الكبير توفيق صالح اليوم الأحد بعد صراع طويل مع المرض عن عمر يناهز87 عاما. ومن المقرر أن يدفن جثمان الفقيد بعد ظهر غد "الإثنين" في مقابر الأسرة على طريق القاهرة- الفيوم بجوار مقبرة الراحل الكبير نجيب محفوظ، بعد أن كان من المقرر دفنه بعد ظهر اليوم. ورحل صالح عن عالمنا، بعد رحلة من الأعمال السينمائية المتميزة على رأسها "درب المهابيل" لشكرى سرحان، و"السيد البلطى" لعزت العلايلى، و"يوميات نائب في الأرياف" وغيرها. ورغم أن أعمال صالح السينمائية لم تتخط السبعة أفلام، فهو يعتبر من أهم المخرجين الذين مروا بتاريخ السينما المصرية، وأعماله كانت تميل ل"سينما الواقع". ولد توفيق صالح في 27 أكتوبر 1926 ويعتبره البعض أحد رواد السينما الواقعية المصرية، كان والده طبيبا يعمل في الحجر الصحي في الموانئ وبحكم ظروف عمل والده فقد قضى طفولته المبكرة متنقلا بين عدة عدة مدن ساحلية مختلفة إلى أن استقرت العائلة في الإسكندرية. تعلم في كلية فكتوريا حيث كان يوسف شاهين زميله على مقاعد الدراسة، وبعد تخرجه في المدرسة درس الأدب الإنجليزي في جامعة الإسكندرية وحصل على البكالوريوس عام 1949. في سنته التعليمية الأخيرة قام بإخراج مسرحية "رصاصة في القلب" وتم عرضها في جمعية الصداقة الفرنسية وعلى إثرها عرض عليه رئيس القسم الفرنسي في كلية الآداب بعثة لدراسة المسرح في فرنسا لكنه طلب أن يدرس السينما وكان له ذلك. وقد كان يعمل قبل سفره مساعدا للمخرج حسين فوزي إلا أن خلافات بينه وبين نعيمة عاكف، زوجة حسين فوزي- حالت دون استمراره في عمله هذا. غادر توفيق صالح إلى فرنسا عام 1950 لدراسة السينما في باريس، والتقى هناك عالم الجمال "ايتان سوريو" فتغيرت حياته حيث ترك السوربون ودرس الرسم والفوتوغرافيا وذهب إلى اللوفر وتعرف على الأدب الفرنسي فسحبت منه المنحة بعد سنة واحدة لعدم انتظامه في الدراسة لكنه عاش في باريس لسنتين إضافيتين قام فيها بتثقيف نفسه بالقراءة ومشاهدة الأفلام وحضور المعارض المختلفة. وعمل مساعد مخرج في ثلاثة أفلام فرنسية، ويقول عن هذه الفترة: "تعرفت في السنة الثانية -من الإقامة في باريس- على مدير إنتاج يعمل في أفلام درجة ثانية، قلت له إني جئت لأتعلم السينما فأخذني معه وحصل لي من النقابة على (مخرج تحت التمرين)، وأول فيلم عملت به كان اسمه (صحبة فرح) بطله كان شارل ترنييه وكان مهما جدا في تلك الفترة". عاد إلى القاهرة في ديسمبر 1953، وعقب عودته تعرف على نجيب محفوظ الذي عمل في تلك الفترة مؤلفا للسينما وعرض عليه معالجة سينمائية كان قد ألفها أثناء إقامته في باريس فنصحه محفوظ بعدم تنفيذها "لئلا يتهم بالشيوعية" وقام محفوظ بإعادة صياغتها، مغيرا موقع الأحداث إلى حارة قاهرية وأعطاها عنوان "درب المهابيل" ثم عملا معا على كتابة سيناريو الفيلم الذي أنتج عام 1955. بعد ذلك لعبت الصدفة دورها بعد مرض المنتج والمخرج عز الدين ذو الفقار فانتقلت إليه مهمة إخراج فيلم "صراع الأبطال"، فقام بتعديلات على السيناريو وأخرج الفيلم سنة 1962. ثم راح يناقش الحالة السياسية في مصر في فيلم "المتمردون"، الذي أنتج عام 1966 - أي قبل نكسة 1967 - وإن اضطر لتكثيف عملية الترميز هروبا من القيود الرقابية التي لم ينج منها وأوقف الفيلم وطلبوا منه حذف بعض المشاهد وتعديل البعض الآخر وأجبر على إضافة نهاية جديدة للفيلم ولم يشفع له أن أحداثه -على الشاشة- تدور قبل الثورة. ولم يصرح بعرض الفيلم إلا عام 1968 أي بعد نكسة يونيو 1967، أما فيلم "يوميات نائب في الأرياف" فقد أجيز عرضه كاملا دون حذف بأمر جمال عبد الناصر نفسه بعد أن كان أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي قد اقترحوا 16 حذفا. تلك هى الحالة العامة التي عمل في ظلها توفيق صالح خاصة بعد تعرض أفلامه المنتجة من قبل الدولة نفسها للتعسف، يقول: "أحسست بالغصة تزداد مرارة في حلقي، شعرت بالاغتراب والنفي وأنا في بلادي، فقررت الرحيل". في عام 1972 أخرج فيلم "المخدوعون" من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق عن رواية غسان كنفاني" رجال في الشمس" والذي يمثل طفرة في دعم القضية الفلسطينية، ونال الفيلم العديد من الجوائز، ويقول عنه توفيق صالح: إنه كان يحمل شحنة من الغضب والحزن خاصة بعد وفاة جمال عبد الناصر والتي عبر عنها في الفيلم. انتقل بعد ذلك إلى العراق في عام 1973 حيث سافر لتدريس السينما، وآخر أعماله السينمائية كان عام 1980 وهو فيلم "الأيام الطويلة" من إنتاج عراقي، ويستثنيه الناقد محسن ويفي من أفلامه الجيدة قائلا: إنه أخرجه في ظروف استثنائية ويكاد يمثل علامة فارقة بالسلب من ناحية الصياغة والرؤية السينمائية الفكرية في مشوار توفيق صالح الفني، ثم عاد إلى مصر عام 1984 ليستقر بها قبل أن توافيه المنية صباح اليوم.