بعد الكثير من المعاناة في عمله كمخرج في صناعة السينما, رحل عنا منذ ايام قليلة المخرج السينمائي والمعلم الكبير توفيق صالح عن عمر يناهز87 عاما بعد صراع قصير مع المرض وقد لقب بمخرج المثقفين في مصر نظرا لما كانت تحمله أفلامه من أفكار ورموز للهروب من الرقابة حتي ان العديد من افلامه تم منعها ولم تعرض إلا بعد تدخل عبدالناصر شخصيا رغم قلة عددها, فعلي مدي يصل إلي ستين عاما أخرج توفيق صالح سبعة افلام روائية طويلة وستة افلام تسجيلية قصيرة, فقد كان مخرجا من نوع خاص وقامة كبيرة كما كان يوسف شاهين, كان أول افلامه( درب المهابيل) عام1955 عن سيناريو لنجيب محفوظ ورغم روعة الفيلم إلا ان توفيق صالح أصبح بلا عمل لمدة خمس سنوات حتي حصل الفيلم علي جائزة الدولة عام1960 مناصفة مع أهم أفلام تلك الفترة( رد قلبي) اخراج عز الدين ذو الفقار رغم أنه فيلم وطني وملون وسكوب, ولكن هذه الجائزة كانت السبب في صداقة بين توفيق صالح وعز الدين ذوالفقار الذي أنتج له فيما بعد فيلم( صراع الابطال) عام1962 وهو عن قصة لعز الدين وعبدالحي أديب ومحمد أبو يوسف, ولد توفيق صالح في27 أكتوبر عام1926 في رمل الاسكندرية لأب يعمل طبيبا ودرس في كلية فكتوريا وتربي علي اغاني عبدالوهاب وموسيقي سيد درويش, والتحق بكلية التجارة لكنه مكث بها عاما فقط لينتقل بعد ذلك إلي كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية وحصل علي الليسانس بدرجة امتياز, وبعد انتهاء دراسته سافر إلي فرنسا لدراسة السينما في معهد السينماتيك, وفيه تمرن علي الإخراج في ثلاثة أفلام فرنسية وعند عودته بدأ يشاهد الافلام العربية التي لم يرها خلال اقامته في فرنسا حتي انه شاهدها في سينما الدرجة الثانية منها( لك يوم ياظالم) ومن خلاله أعجب بنجيب محفوظ ككاتب سيناريو ومتمرس فبحث عن افلامه ليشاهدها وسأل عنه وتعرف عليه دون ان يعرف أنه روائي كبير حتي اصبحا رفيقي العمر وكانا نواة شلة الحرافيش وكانت بداية التعاون من خلال فيلم درب المهابيل ونظرا لقوة وروعة الفيلم, تم وضع توفيق صالح في القائمة السوداء من قبل المتحكمين في صناعة السينما آنذاك( كانت قطاعا عاما) ليصبح لمدة خمس سنوات محروما من عمل افلام روائية طويلة حتي أنه اضطر إلي بيع قصة( إحنا التلامذة) اخراج عاطف سالم, والذي حصل عنه علي ميدالية مجلس رعاية الشباب وفي هذه الاثناء قام باخراج عدد من الافلام التسجيلية القصيرة هي: العرائس, نهضتنا الصناعية, طريق المستقبل, اللاجئين, إلي أن حصل علي جائزة الاخراج عن درب المهابيل, والذي اعلن فيه توفيق صالح عن نفسه كمخرج يعشق الصورة أكثر من الحوار كما في مشهد الحفلة التي اقامها عادل بك.. وأيضا اتبع اسلوبا في التصوير خاصا جدا.. فالتحايل علي عدد الكادرات في الثانية الواحدة, وفي العام التالي أخرج الفيلم التسجيلي( القلة) والذي منع عرضه ليس لسبب سوي ان مصر اصبحت تنتج ثلاجات كهربائية علي الرغم أنه من انتاج قطاع عام, اي ان الفكرة مفروضة عليه!. وبعد أربع سنوات عاد ليصور فيلمه الثالث( المتمردون) الذي تعطل عمله ما يقرب من عامين ومنع من الاشتراك في المهرجانات السينمائية بل وحاولوا منع عرضه حتي في سينمات الدرجة الثانية لأنه تنبأ بنكسة1967 وفي عام1967 كان فيلمه( السيد البلطي) قصة صالح مرسي الذي سحب من السينمات بعد عرضه وعندما عرض مرة أخري كان قد شوه تماما من مقص الرقيب لدرجة ان الاستاذ توفيق صالح نفسه حينما شاهده لم يفهم شيئا كمشاهد وفي عام1968 أخرج توفيق صالح فيلمه الجديد من كل النواحي في طريقة سرده للأحداث والذي كان عن قصة الكاتب الكبير توفيق الحكيم واشترك في كتابة السيناريو مع توفيق صالح, الفريد فرج( يوميات نائب في الأرياف), ولم يكن احسن حظا مما سبق حيث منع عرضه نهائيا إلي ان شاهده الرئيس عبدالناصر, وطالب بعرضه وقال عنه( لو انتجتم أربعة أفلام من هذه النوعية فسنكون افضل دولة في السينما). ثم ترك مصر ورحل إلي سوريا وبدأ العمل علي تحقيق حلمه الذي يراوده منذ عام1965 وهو اخراج قصة غسان كنفاني( رجال في الشمس) والذي كتب لها السيناريو بعنوان المخدوعون وقام باخراجه عام1972, وهو من بطولة محمد خير حلواني وبسام أبو غزالة, وحينما عرض( المخدوعون) أثار ضجة كبيرة في أوروبا وأمريكا بل وصف من أهم100 فيلم سياسي في العالم, وحصل عنه المخرج توفيق صالح علي جائزة الطانيت الذهبي في مهرجان قرطاج1972, والجائزة الأولي من مهرجان ستراسبورج لأفلام حقوق الانسان, والجائزة الأولي من المركز الكاثوليكي الدولي في بلجيكا1973, وجائزة لينين للسلام من مهرجان موسكو1973 ثم ترك سوريا وتوجه للعراق لتدريس السينما هناك, وفي عام1981 اخرج فيلم الأيام الطويلة الذي اسقطه من ذاكرته وكان حلمه الذي لم يتمه لتكلفته الكبيرة فيلم( عرس فلسطيني) الذي كتب له السيناريو حتي عاد إلي مصر مرة أخري1984 ويبدأ في التدريس في معهد السينما ليقوم بتعليم أجيال من السينمائيين. رحل توفيق صالح ولكن ابناءه وبناته وتلاميذه لن ينسوه فقد كان معلما من طراز نادر ومخرجا كبيرا رغم قلة اعماله إلا ان حلم الكبير يوسف شاهين قالها قبل وفاته بعدة سنوات( نفسي اتعكز علي توفيق صالح ونعمل فيلم سويا) رحل يوسف شاهين ورحل توفيق صالح.