تعود للانخفاض.. أسعار الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الخميس 30 مايو بالصاغة    أسعار رغيف العيش الجديدة وحصة الفرد على بطاقات التموين.. هل يتغير الوزن؟    الحرس الوطنى التونسى ينقذ 17 مهاجرا غير شرعى بسواحل المهدية    كرة طائرة.. كارلوس شوانكي يقود فريق رجال الزمالك    كهربا: الأهلي غير حياتي وأنا رقم 1    عاجل.. كهربا يكشف حقيقة وجود أزمة مع شيكابالا    توخوا الحذر.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 30 مايو في مصر (حرارة شديدة)    تقوية المناعة: الخطوة الأساسية نحو صحة أفضل    الجيش الأمريكي يعلن تدمير مسيرتين ومنصتي صواريخ للحوثيين في اليمن    الجزائر تدعو مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته إزاء الجرائم المرتكبة فى غزة    أوكرانيا: ناقشنا مع تركيا التعاون فى مجال الطاقة الداخلية فى البلاد    حركة فتح: نتنياهو يستغل حرب غزة لخدمة مصالحه الشخصية في الانتخابات    هيئة الدواء تعلن بدء تفعيل بنود مذكرة التفاهم بين مصر وكوبا (تفاصيل)    المركز المصري للفكر والدراسات: زيادة 60 مليار جنيه في باب الأجور بموازنة 2024    عضو جمعية الاقتصاد السياسي: يمكن للمستثمر الاقتراض بضمان أذون الخزانة    مجدي طلبة: حسام حسن قادر على النجاح مع منتخب مصر    بيبو: التجديد ل معلول؟ كل مسؤولي الأهلي في إجازة    اللواء أحمد العوضي ل"الشاهد": سيناء تشهد طفر غير مسبوقة وتنمية كبيرة    ضبط سيدة تبيع السلع المدعومة بالسعر الحر.. نصف طن سكر مدعم و203 زجاجة زيت و800 كيلو عسل    تضامنًا مع غزة.. رامي صبري يطرح أغنية «القضية مكملة» (فيديو)    «البوابة نيوز» تهنئ قناة القاهرة الإخبارية على حصدها جائزة التميز الإعلامي العربي    ياسمين صبري: أتمنى أمثل مع توم كروز وليوناردو دي كابريو    ما حكم التأخر في توزيع تركة المتوفى؟.. «الإفتاء» ترد    وقع في اليابان.. كوريا الشمالية تطلق صاروخا باليستيا    وزير الصحة يبحث مع سكرتير الدولة الروسي تعزيز التعاون في مجال تصنيع الدواء والمعدات الطبية    عاجل.. الأهلي يفاجئ الجميع في رحيل علي معلول    وزيرة الاقتصاد التونسي تؤكد ضرورة توفير المناخات الملائمة للقطاع الخاص في البلدان الأفريقية    مواجهات عنيفة بين فلسطينيين وقوات الاحتلال في قرية حوسان غرب بيت لحم    «فقدت عذريتي وعاوزة حقي».. مأساة لا تصدق لفتاة اغتصبت على يد خطيبها 11 يومًا متواصلة (فيديو)    دون خسائر بشرية.. السيطرة على حريق محل لعب أطفال في الإسكندرية    أحمد عبد العزيز يكتب // الإدارة ب"العَكْنَنَة"!    بعد مراسم مماثلة ل"عبدالله رمضان" .. جنازة شعبية لشهيد رفح إسلام عبدالرزاق رغم نفي المتحدث العسكري    مع زيادة سعر الرغيف 4 أضعاف .. مواطنون: لصوص الانقلاب خلوا أكل العيش مر    وفاة الفنانة التركية غولشاه تشوم أوغلو    الحكومة: أي تحريك للأسعار لن يأتي على حساب المواطن.. ومستمرون في دعم محدودي الدخل    73.9 مليار جنيه قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة الأربعاء    كهربا: لن ألعب فى مصر لغير الأهلي وبإمكانى اللعب على حساب مرموش وتريزجيه فى المنتخب    مدير تعليم الإسكندرية يجتمع مع مدربي برنامج استراتيجيات التدريس التفاعلي    كهربا: لم أقصر في مشواري مع الزمالك    "الصحة الفلسطينية" تعلن استشهاد مسعفين جراء قصف الاحتلال سيارتهما في رفح    استغل غياب الأم.. خمسيني يعتدي جنسيًا على ابنتيه في الهرم    حظك اليوم برج الجدي الخميس 30-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة عمل مناسبة    تعزيز التعاون بين الإيسيسكو ومركز الحضارة الإسلامية بأوزبكستان    حظك اليوم برج القوس الخميس 30-5-2024 مهنيا وعاطفيا    في ذكري رحيله .. حسن حسني " تميمة الحظ " لنجوم الكوميديا من الشباب    مدير "تعليم دمياط" يتفقد كنترول التعليم الصناعي نظام الثلاث سنوات "قطاع دمياط"    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    حصري الآن..رابط نتائج الرابع والخامس والسادس الابتدائي الترم الثاني 2024 بالسويس    محافظة القاهرة تشن حملات على شوارع مدينة نصر ومصر الجديدة لرفع الإشغالات    تخصيص 65 فدانًا لصالح توسعات جامعة الأقصر بمدينة طيبة    هل يجوز التحري عند دفع الصدقة؟.. عميد كلية الدعوة يوضح    صحة الدقهلية: 7 عمليات بمستشفى المطرية في القافلة الطبية الثالثة    مدير مستشفيات بنى سويف الجامعي: استقبال 60 ألف مريض خلال 4 أشهر    واجبات العمرة والميقات الزماني والمكاني.. أحكام مهمة يوضحها علي جمعة    ما هو اسم الله الأعظم؟.. أسامة قابيل يجيب (فيديو)    رئيس جامعة المنوفية يعلن اعتماد 5 برامج بكلية الهندسة    هيئة الدواء: تسعيرة الدواء الجبرية تخضع لآليات محددة ويتم تسعير كل صنف بشكل منفرد بناء على طلب الشركة المنتجة    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس للعام الدراسى المقبل.. تعرف على الأوراق المطلوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رائحة الأمهات!
نشر في فيتو يوم 21 - 03 - 2023

في كل عام يذكرنا العالم بأن هناك اختراعا إنسانيا جميل اسمه عيد الأم وكأننا نحتاجه كل عام مرة لنجدد الإحساس بالأمومة، وكأن الأمومة إحساس يمكن أن يغيب، أو دافع يمكن أن ينطفئ، أو رغبة يمكن أن تموت.. فقد كتبت في مقالة سابقة عن الأمومة وكيف أن مشاعرنا نحوها مخلوقة وليست مكتسبة، فهي مشاعر لا تصنعها المواقف والمصالح، بل تصنعها طبيعة التكوين والفطرة الإنسانية السليمة.. والدليل على ذلك أن الذين يفتقدون القدرة على التفكير والتدبير والاستنباط والاستنتاج لا يفقدون مشاعرهم الفطرية تجاه الأم..
ففي التجارب التي أجراها علماء النفس لاختبار العوامل التى تربط الإنسان بأمه.. أحضروا ثلاثة هياكل رمزية لأمهات الشمبانزي.. ووضعوا في الهيكل الأول ضِرعًا به لبن يشبه إلى حد كبير صدر الأم. ووضعوا في الهيكل الثاني صوت دافئ يحمل إلى حدٍ كبير بعضا من حنان الأم.. بينما وضعوا في الهيكل الثالث قلبًا ينبض بانتظام لا يختلف أبدًا عن دقات قلب الإنسان.. وأحضروا شمبانزي صغيرًا وعرضوه لصدمات كهربائية مرعبة.

لاختبار إلى أي هيكل سوف يلجأ طفل الشمبانزي حين يشعر بالخوف وعدم الأمان والتهديد بفقدان الحياة. فهل يلجأ صدر الأم الذى يعبر عن العلاقة النفعية التي تربط الطفل بأمه والتي يشعر فيه بأن صدرها هو مصدر الحياة.. أم يلجأ إلى صوت الأم المليء بالدفء والحنان والذى يعبر عن الوّنس الاجتماعي والقوة إذا لزم الأمر.. ام إنه سوف يلجأ إلى القلب النابض الذى يشعر فيه الطفل برائحة الأم حتى وأن كانت في هيكل عظمي ليس فيه حياة "..

وفى كل مرة تعرض فيها طفل الشمبانزي وجدوه يفر مهرولًا إلى حضن الأم الذى يخبئ بداخله القلب النابض وكأنه يحتمي في دقاته الموسيقية المنتظمة، حتى وإن كان خاليًا من الطعام والقوة.. ولكن به القلب الذى اعتاد الطفل على سماعه تسعة أشهرٍ، داخل غرفة ظلماء كانت تشكل بالنسبة له الحياة الكاملة!
رائحة الحياة
يبدو أن لرائحة الأم تأثيرًا أقوى من قدرة العقل على التفكير، وأكبر من قدرته على استنباط الحقائق والأفكار وترتيب المشاعر.. تأثير لا يضعف مع الزمن بل يزداد قوة وتأثيرًا حتى بعد الموت.. وفي إحدى المصحات العقلية كتبَ مريضٌ لأُمه رسالة خطية، قال لها فيها: مساء الخير يا أمي... إنهم في المصحة لا يضعون لي الملح في الطعام، ولا يسمحون لي بفتح النوافذ، لم أعد أحتملُ كل هذه القسوةِ في المعاملة، أنا فقط أريد رائحتكِ في وسادتي بدلًا من الأدوية!

يعدونني بعدَ كل نوبةٍ أنك ستأتينَ غدًا، وفي كل غدٍ أكون وحدي.. أعلمُ أنني أتعبتك معي كثيرًا، وأنّ البيتَ أصبح هادئًا بدوني، حتى الأبواب لم تعد تغلق بإحكام، والجيران لا يشتكون أصواتي الصاخبة، وأنَّ الصحون رغم ضعفها باتت تعمّر طويلًا.. لكنني أنا ابنك الذي يموتُ هنا.. ولا يحتاج سوى قليل من الملح في طعامه، أو بعضًا من رائحتك كي يعيش!
رائحة الموت
من أعنف ما كُتبَ في الأدب الروسي حكاية الزوج الشاب الذى داهمه الموت كعادته بالبشر يأتي دون سابقة إنذار، ودون أن يمهل صاحبه بعضًا من الوقت لترتيب أوضاعه، والتخلص من الأشياء التى ربما تقلقه بعد الموت – حسب ظنه - وخاصة الأشياء المتعلقة بمستقبل الأولاد ومشاكل الزوجة التى ربما لا تنتهي..

وكتب من داخل مقبرته رسالة قال فيها: لقد توفيت منذ دقيقتين.. وجدت نفسي هُنا وحدي معي مجموعة من الملائكة، وآخرين لا أعرف ما هم، توسلت بهم أن يعيدونني إلى الحياة، من أجل زوجتي التي لا تزال صغيرة وولدي الذي لم يرَ النور بعد، لقد كانت زوجتي حامل في شهرها الثالث، مرت عدة دقائق اخرى، جاء أحد الملائكة يحمل شيء يشبه شاشة التلفاز أخبرني أن التوقيت بين الدُنيا والآخرة يختلف كثيرًا، الدقائق هُنا تعادل الكثير من الأيام هناك.
"تستطيع أن تطمئن عليهم من هنا".
قام بتشغيل الشاشة فظهرت زوجتي مباشرةً تحمل طفلًا صغيرًا! الصورة كانت مسرعة جدًا، الزمن كان يتغير كل دقيقة، كان ابني يكبر ويكبر، وكل شيء يتغير، غيرت زوجتي الأثاث، استطاعت أن تحصل على مرتبي التقاعدي، دخل ابني للمدرسة، تزوج اخوتي الواحد تلو الآخر، أصبح للجميع حياته الخاصة، مرت الكثير من الحوادث، وفي زحمة الحركة والصورة المشوشة، لاحظت شيئًا ثابتًا في الخلف، يبدو كالظل الأسود..

مرت دقائق كثيرة، ولا يزال الظل ذاته في جميع الصور، كانت تمر هنالك السنوات، كان الظل يصغر، ويخفت، ناديت على أحد الملائكة، توسلته أن يقرب لي هذا الظل حتى اراه جيدًا، لقد كان ملاكا عطوفًا، لم يقم فقط بتقريب الصورة، بل عرض المشهد بذات التوقيت الأرضي، ولا أزال هُنا قابعًا في مكاني، منذ خمسة عشر عام، أُشاهد هذا الظل يبكي فأبكي، لم يكن هذا الظل سوى أمي..
فيبدو أنه لم ير صورة أمه بل شم رائحتها في كل حدث.. فدموعها لم تجف مع طول فترة الرحيل.. وظلت تترقب أحداث رائحته عن قرب وفى سكات حزين.. لم يرى صاحبنا صورتها في الشاشة ولكن رائحتها كانت لديه أقوى من الحدث كما كانت أقوى من الزمن!

رائحة الخبز
فلا أنسى أبدا حين جاءت أمي من الصعيد لزيارتي في القاهرة.. وفى جلسة دافئة كالعادة قالت.. هل تذكر كيف كان طعم خبزي حين كنت شابة عفيّة.. نظرتها لها في تعجب وقلت: ربما لم أذكر طعم الخبز فقد جعلتني الأطعمة الجديدة بالتي جاءت بعده قدرًا كبيرًا من طعمه.. لكنني حتمًا لم أنس أبدًا يا أمي رائحة الخبز.. فقالت أمي: أعرف أنك كنت دائمًا تفضل البعد رغم أنك القريب..
صدمة الوعي!
الدولة وتنمية الصعيد
قلت لها: هذه دعوتك منذ كنت صغيرًا بألا يكتب الله لي عيشًا بالصعيد. وأنا هنا أنفذ قدر الله الذى استجاب لدعوتك.. قالت كنت أخاف عليك من حريتك وعقلك الذى كان يسبق الزمن الذى كنا نعيش فيه.. فقلت لها: وأنا هنا ليس سوى دعوتك. فلما إذًا تتعجبين يا أمي.. قالت: لم أكن أتخيل أن الله سوف يستجيب دعوتي وأنا على قيد الحياة، ويمتد عمري ونعيش غريبين فى الحياة، أنا الأن أعيش فقط على رائحة فراشك التى لم تذبل منذ رحت عن الصعيد.. فقلت لها باكيًا.. وأنا الآن أعيش فى العاصمة على رائحة خبزك التى لا تغيب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.