مازال اسم صلاح الدين الأيوبي، محفور فى عقول ووجدان المصريين والعرب والمسلمين كقائد عظيم، هزم الصليبيين في "حطين"، وحرر بيت المقدس بالجندية والعسكرية المصرية، بعد أن خلف عمه أسد الدين شيركوه في وزارة مصر في 26 مارس عام 1169، وكان عمره لا يزيد على 32 عاما، وتولي حكم مصر منفردًا بعد وفاة الخليفة العاضد، ولقب بالسلطان الناصر صلاح الدين وحكم مصر 22 عامًا تقربيًا. وقد شكلت معركة "حطين" نقطة تحول بارزة في تاريخ الحروب للناصر صلاح الدين الأيوبي، وكانت معركة فاصلة بين الجيوش الإسلامية وجيوش الصليبيين، مما يؤكد أن العسكرية المصرية كانت تقف بكل أصالتها خلف هذا النصر، وكان جند النيل عنصرًا واضحًا ومؤثرًا في هذا الجيش الإسلامي الكبير، والذي كان يضم جند مصر وسوريا وحلب والجزيرة العربية وديار بكر. وتألفت القوة الضاربة لصلاح الدين من نحو 25 ألفًا منهم 12 ألفًا من الفرسان والباقى من المشاة، وانقسم الجيش إلى 3 فرق، وكان ابن أخيه "تقي الدين عمر" قائد الميمنة والقائد مظفر الدين كوكبري للميسرة وتولي صلاح الدين قيادة القلب، ووقعت معركة "حطين" عام 1178 وكانت القوات الصليبية تحتل جزءًا من المناطق الساحلية بفلسطين وكانت تحصيناتهم تعتمد على الصراع القوى في الدفاع والهجوم، وحشد الصليبيون عشية حطين جيشًا يتألف من 50إلى 70 ألفًا من الفرسان والمشاة، ولكنهم هزموا أمام صلاح الدين والعسكرية المصرية. وقاد صلاح الدين بنفسه جيوش المسلمين في المعركة وذلك يوم الجمعة الموافق 3 يوليو 1178 في اتجاه طبرية، وفى فجر السبت 4 يوليو 1178 ألتحم فرسان صلاح الدين مع فرسان "جي" ملك الصليبيين وتقدم صلاح الدين وحطم محاولات الصليبيين، ونجح في عزل مؤخرتهم عن بقية الجيش، وبعد معارك طاحنة أصيبت قوات الملك "جي" بخسائر فادحة، انسحب على إثرها من جميع المواقع، وتم النصر المؤزر على الصليبيين في معركة حطين الخالدة. وبعد هزيمة الصليبيين في "حطين" جاءوا مدعومين بالفرسان والمدافع والآلات ليهاجموا مصر ويستوطنوا فيها، إلا أن قوى الشعب وقفت لهم بالمرصاد ولقنوهم درسًا في مدينتي "المنصورة ودمياط" ليتم القضاء نهائيًا على حملاتهم، وعاد من تبقي منها إلى بلادهم، وقد انكسرت القوة الضاربة للجيوش الصليبية بعد معركة المنصورة في فبراير 1250. ويذكر التاريخ أن مصر كسرت الروح الصليبية التي سادت القرن الثالث عشر الميلادى، ذلك أن المملكة الصليبية في الشام وبيت المقدس، ما لبثت بعد فترة وجيزة من تلك المعركة الفاصلة أن تقلص ظلها ثم زالت، بفضل المقاومة الباسلة التي أبدتها مصر، وروح القتال العظيمة التي قاد بها المصريون الحرب في هذه الغزوة الصليبية الشرسة التي استهدفت القضاء على العرب والإسلام، وبعد مرور نحو واحد وأربعين عاما على انتهاء معركة المنصورة الخالدة قام سلطان مصر باحتلال عكا في 18 مايو 1291 م وبذلك قضت مصر على البقية الباقية من الوجود الاستعماري في بيت المقدس. وأكد المؤرخون أنه في العصور الوسطى واجهت مصر مؤامرات وتحالفات مسلحة خطيرة، لكن أخطر ما واجهته في هذه الفترة كان الخطر الصليبى، فالصليبيون كانت قواتهم تتكون من جيوش من كل أوربا تقريبًا، ومصر في هذه الفترة- كما يقول المؤرخ أرنولد توينبى- كانت حصن جنوب البحر المتوسط وترسانته العسكرية. وكان الجيش المصرى العمود الفقرى لجيش صلاح الدين الأيوبى ومصدر قوته، ودون الجيش والأسطول المصرى، ما كان لصلاح الدين أن تكون له قيمة عسكرية، وما كان يمكن له تحقيق انتصار في معركة حطين ضد الصليبيين. وقد فهم الصليبيون تلك النقطة فحولوا مسرح عملياتهم العسكرية من الشام لمصر، فقد ايقنوا أن مصر هي الحصن الذي يخرج منه السلاح والعتاد والجيوش، وأنه من الصعب أن يستولوا عليه، وأن يستقروا في الأراضى المقدسة دون السيطرة عليها أو على الأقل تحييدها، ومن هذا المنطلق هجمت الحملة الصليبية الخامسة على مصر (1218 - 1221 ) وانتهت هي الأخرى بهزيمة الصليبيين. بعدها أدرك صلاح الدين جيدًا أهمية بناء قلعته الشهيرة، حيث شرع صلاح الدين الأيوبي في تشييد قلعة فوق جبل المقطم في موضع كان يعرف بقبة الهواء، ولكنه لم يتمها في حياته، وإنما أتمها السلطان الكامل بن العادل، فكان أول من سكنها هو الملك الكامل واتخذها دارًا، واستمرت كذلك حتى عهد محمد على. وقد حفر صلاح الدين في القلعة بئرًا يشرب منها الجيش وسكان القلعة، إذا مُنع الماء عنها عند حصارها، وهي أعجب ما تم من أعمال لأن البئر محفور في الصخر بعمق 90 مترًا من مستوي أرض القلعة، وهذا يتطلب جهدا كبيرا في ذلك الوقت. وتعتبر قلعة صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة من أفخم القلاع الحربية التي شيدت في العصور الوسطى فموقعها إستراتيجي من الدرجة الأولى بما يوفره هذا الموقع من أهمية دفاعية؛ لأنه يسيطر على مدينتى القاهرة والفسطاط، كما أنه يشكل حاجزًا طبيعيًا مرتفعًا بين المدينتين، كما أنه بهذا الموقع يمكن توفير الاتصال بين القلعة والمدينة في حالة الحصار، كما أنها سوف تصبح المعقل الأخير للاعتصام بها في حالة إذا ما سقطت المدينة بيد العدو. المصدر: الهيئة المصرية للاستعلامات كتاب "تاريخ العسكرية المصرية"