1500 ضابط وأمين وفرد "أمن دولة" يعودون إلى عملهم في كل المحافظات إلغاء الأمن الوطنى يفقد الدولة ربع قدرتها على مواجهة الإرهاب حبيب العادلى سخَّر "الجهاز" لخدمة ملف التوريث ولابد أن يعود بكامل قوته حقوقيون: مطلوب تشريعات جديدة تضمن عدم ظهور "زوار الفجر" مرة أخرى مطالب بمنح منظمات المجتمع المدنى والقضاء حق مراقبة الأجهزة الأمنية ثورة 30 يونيو أحبطت مخطط "الجماعة" لأخونة "الأمن" مع تزايد حدة التوتر في الشارع المصرى بعد ثورة 30 يونيو، والدعوات المتكررة التي يطلقها قيادات في جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية الموالية للرئيس المعزول محمد مرسي، لقطع الطرق ومهاجمة المصالح الحكومية والمنشآت الحيوية، والتهديد باغتيال بعض الشخصيات السياسية، تعالت الأصوات المطالبة بضرورة عودة جهاز الأمن الوطنى بكامل قوته ليعمل على ردع هؤلاء وإلقاء القبض عليهم قبل أن يغرقوا البلاد في فوضى لا يعلم نهايتها إلا الله. وفى المقابل يرى قطاع كبير من المصريين أن عودة جهاز الأمن الوطنى للعمل بكامل طاقته، لابد أن تكون وفق معايير محددة تضمن عدم عودة الممارسات القمعية، من تعذيب واقتحام للمنازل وتلفيق الاتهامات للأبرياء، مع وضع تشريعات جديدة تخضع الجهاز للرقابة القضائية الكاملة. محقق "فيتو" يرصد في الملف التالى طبيعة هيكلة الأمن الوطنى المطلوبة، ويناقش الخبراء والمختصين في طبيعة عمل الجهاز وكيفية الاستفادة منه في تحقيق أمن البلاد دون تفريط في كرامة المصريين أو الاعتداء على حرياتهم الشخصية. في البداية التقى المحقق بأحد مصادره الخاصة في جهاز الأمن الوطنى وسأله عن حقيقة ما يجرى داخل الجهاز حاليًا من عمليات لإعادة الهيكلة، فأجاب المصدر بتحفظ: "جهاز الأمن الوطنى يضطلع بمهامه وأعماله في خدمة البلاد وتحقيق الأمن للمواطنين، وبعد زوال حكم الإخوان وتوقف تدخلاتهم في شئون الجهاز، تقرر إعادة عدد كبير من ضباط أمن الدولة السابقين إلى عملهم، ومن المنتظر أن يتسلم "50" ضابطا منهم عمله خلال الأيام القليلة المقبلة، ثم ينضم إليهم نحو 1450 "ضابط وأمين وفرد شرطة"، ليصل عدد العائدين إلى الأمن الوطنى إلى 1500. المصدر أضاف أن الضباط العائدين كانوا يتولون ملفات حساسة وخطيرة، ولهم خبرة طويلة في التعامل مع التهديدات الإرهابية التي يطلقها البعض من آن لآخر، أيضًا من المقرر إعادة فتح مقار مباحث أمن الدولة المنحل في كل المحافظات ومديريات الأمن، ليمارس ضباط الأمن الوطنى أعمالهم من خلالها". المصدر شدد على أن جماعة الإخوان كانت تمثل عقبة شديدة أمام عمل الأجهزة الأمنية، وبعد أن زالت ستعود للعمل بكامل طاقتها مع وضع مصلحة البلاد العليا على قمة أولوياتها، فضلًا عن احترام خصوصية المواطنين الشرفاء، والابتعاد عن كل الممارسات السلبية التي كان جهاز أمن الدولة السابق يتبعها. المصدر أشار إلى أن بعض الضباط العائدين إلى الأمن الوطنى، كانوا قد التحقوا بالعمل في المخابرات العامة، وهؤلاء كانوا من العاملين في ملفات حساسة وتمس الأمن القومى للبلاد وكان من الصعب نقلهم إلى أي مكان ىخر نظرا لخطورة المعلومات والملفات التي كانت بحوزتهم. اللواء حامد عبد الله، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن الوطنى سابقا، قال للمحقق: "جهاز الأمن الوطنى واحد من أهم أجهزة وزارة الداخلية، وهو يمارس عمله في خدمة الوطن وحماية أمنه من أي أخطار قد تهدده، غير أن بعض ضباط الجهاز في السنوات التي سبقت ثورة 25 يناير، انحرفوا عن مهمتهم الأساسية واستغلوا وظائفهم ومناصبهم لتحقيق منافع شخصية أو مصالح خاصة لآخرين، وكانت النتيجة أن ظهرت بعض المخالفات الفادحة مثل التعذيب، وإلقاء القبض عشوائيا على المواطنين وتلفيق الاتهامات لهم، واقتحام المنازل فجرا وتفتيشها بهمجية واضحة، ومن ثم ساءت صورة أمن الدولة في أذهان المصريين بل تحول إلى كابوس يؤرق منامهم، ولكن كل هذا لا يعنى أن الجهاز كله كان فاسدا، بل كان فيه ضباط شرفاء وطنيون يؤدون مهمتهم بتفان شديد في خدمة بلدهم وحققوا إنجازات عديدة وأحبطوا مخططات داخلية وخارجية للنيل من استقرار وسيادة الوطن". اللواء عبدالله أضاف: "العملية الأمنية في أي بلد من بلدان العالم لا يمكن أن تتم على الوجه الأكمل، دون وجود أمن الدولة أو الأمن الوطنى، ومن يطالب بإلغاء هذا الجهاز لا يدرك أنه يطالب بحرمان الدولة من ربع قوتها الأمنية، ومن المؤكد أن له أغراضًا خاصة أو له نشاطا إجراميا يهدد الدولة ويخشى من السقوط في قبضة الأمن"، وعن مستقبل الأمن الوطنى والضمانات التي يجب توافرها حتى لا يعود إلى ممارسات أمن الدولة المنحل القمعية قال: "الأمن الوطنى حاليا أصبح دوره الأساسى هو جمع المعلومات وإجراء التحريات الدقيقة، عن الخلايا الإرهابية والعناصر الخارجة على القانون والتي تخطط للإضرار بالمصالح العليا للبلاد، ولضمان عدم انحرافه عن هذه المهمة، لابد من وجود إشراف قضائى كامل على عمله حتى لا يفكر أي ضابط في استغلال نفوذه أو سلطته في إيذاء المواطنين الأبرياء". انتقل المحقق إلى اللواء فؤاد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة سابقا وسأله عن سبب انحراف الجهاز عن مهمته الأساسية وتحوله مصدر رعب وفزع لجميع المصريين.. فأجاب: "تجاوزات مباحث أمن الدولة بدأت في عام 1981 مع تطبيق قانون الطوارئ في أعقاب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، ثم ازدادت تدريجيا إلى أن وصلت ذروتها في عهد وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى الذي حاد به عن اختصاصاته، وحوله من جهاز يعمل على حفظ أمن الوطن إلى جهاز "ملاكى" لحفظ أمن أشخاص بأعينهم، وأقحمه في أمور سياسية لا علاقة له بها لخدمة ملف التوريث".. علام أضاف: "في أعقاب ثورة يناير ووصول الإخوان إلى الحكم وضعوا جهاز أمن الدولة نصب أعينهم وراحوا يحرضون على اقتحامه وتدمير ملفاته، وعندما فشلوا حاولوا السيطرة عليه واختراقه وكادوا ينجحون في ذلك لولا يقظة ضباطه الشرفاء، وثورة 30 يونيو التي أطاحت بالجماعة من الحكم وأحبطت مخططاتها لأخونة الدولة كاملة". عاد المحقق يسأل اللواء علام عن كيفية أداء الأمن الوطنى دوره في حماية البلاد دون المساس بحرية الأشخاص وبعيدا عن القمع.. فقال: "الأمن الوطنى جهاز جمع معلومات في الأساس وعلى جميع الضباط والأفراد والأمناء العاملين به أن يتفهموا طبيعة عملهم جيدا وأن يدركوا أن هدفهم هو حماية الوطن من أي اخطار تهدد أمنه، أيضا لابد من تغيير ثقافة ضباط أمن الدولة وتأكيد أنهم في خدمة الشعب والشعب وحده دون الانحياز لأى فصيل.. ومن الضرورى إعادة تدريب وتأهيل العاملين بالجهاز على كيفية جمع المعلومات والتحريات، وإجراء التحقيقات مع المتهمين بصورة تحفظ كرامتهم والإبتعاد عن العنف معهم بكافة صوره، ومن المهم كذلك وجود رقابة من النيابة العامة والقضاء على عمل الجهاز حتى يدرك كل ضابط أنه سيخضع للعقاب في حالة تجاوزه ومخالفته لمقتضايات عمله، وبالطبع اختيار أكفأ العناصر للانضمام للعمل في هذا الجهاز". أما عن دور الأمن الوطنى في حماية البلاد، فقد أكد اللواء علام ضرورة أن يعود الجهاز إلى عمله بكامل طاقته في أقرب فرصة، وأن يكثف من تحرياته حول الخلايا الإرهابية الممولة من الخارج وتوجيه ضربات استباقية لها قبل أن تنجح في تنفيذ مخططاتها الإجرامية، وهذا لن يتحقق إلا بالانتشار المكثف في الشارع المصرى لرصد تحركات تلك الخلايا أولا بأول وعدم التفاوض أو تقديم أي تنازلات مع أعضاء الخلايا الإرهابية مهما كانت الظروف، لأن ذلك يضعف القبضة الأمنية للدولة ويجعلها تربة خصبة لنمو التنظيمات المتطرفة، ويجب أن يكون للأمن الوطنى دور فعال في إعادة المساجين المحكوم عليهم في قضايا إرهاب إلى السجن مرة أخرى بعد أن اطلقهم الرئيس المعزول، ومن أهم شروط نجاح الأمن الوطنى في مهمته، التعاون مع الشعب والجيش في مواجهة الخارجين على القانون، وعلى الجميع أن يدرك أنه لا مجال للحديث عن نهضة اقتصادية أو تجارية، إلا بعد عودة الأمن كاملا إلى الشارع المصرى". من جانبه أكد اللواء هانى عبد اللطيف، رئيس قسم الإعلام والعلاقات بوزارة الداخلية، أن جهاز أمن الدولة السابق بكل مخالفاته وممارساته القمعية ومخالفاته القانونية، سقط بسقوط نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وحل محله جهاز الأمن الوطنى، الذي يعد واحدا من أهم قطاعات الوزارة، وقد تمت إعادة هيكلته بعد ثورة يناير، وتضمنت إجراءات إعادة الهيكلة: "وضع قانون يحدد ضوابط واختصاصات لرجال الشرطة في هذا الجهاز، وتمت إحالة الضباط الفاسدين والمتورطين في جرائم تعذيب إلى التقاعد، واختيار آخرين للعمل بدلا منهم في الجهاز وفقًا للكفاءة وحسن السلوك والتعامل مع المواطنين، أيضًا تم نقل ضباط إلى إدارات وأجهزة أخرى داخل وزارة الداخلية، ومؤخرا تمت إعادتهم إلى عملهم في الأمن الوطنى للاستفادة بما لديهم من خبرات ومعلومات، خصوصا في ملف الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية".. وأضاف أن عملية الهيكلة لم تقتصر فقط على تغيير الأشخاص، وإنما شملت الاختصاصات نفسها والتي انحصرت فقط في جمع المعلومات والتحريات عن أي خطر يهدد الأمن القومى المصرى، دون التدخل في أي أمور أخرى، كما كان يحدث في السابق".. اللواء عبد اللطيف أشار إلى أن مصر تعرضت لمؤامرة خارجية، كانت تهدف إلى إحداث الفوضى والقلاقل في البلاد، وكسر الأجهزة الأمنية كاملة وفى مقدمتها الأمن الوطنى. على جانب آخر انتابت العاملين في الوسط الحقوقى المصرى حالة من القلق الشيد، بعد أن علمت بعودة عدد كبير من ضباط أمن الدولة السابقين والمخبرين التابعين لهم، للعمل في جهاز الأمن الوطنى، وعبروا عن مخاوفهم من أن تكون هذه هي الخطوة الأولى لإعادة إنتاج أمن دولة جديد هدفه قمع وإذلال المصريين.. حازم منير عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان سابقا قال لمحقق "فيتو": "بعد أن قام المصريون بثورتين في مدة زمنية وجيزة، لا يمكن أن يسمحوا أبدا بعودة جهاز أمن الدولة المنحل في صورته القمعية، ولن يقبل أحد أن يعود زوار الفجر مهما كانت الظروف، ولضمان عدم انحراف الأمن الوطنى عن وظيفته الأساسية، لابد من وضع تشريعات قانونية صارمة ومعلنة، تحدد اختصاصات الجهاز وتخضعه لرقابة فعلية من القضاء، ووضع عقوبات شديدة تطبق على أي ضابط يعتدى على حرية أي مواطن دون وجه حق". أما محمد زارع، أمين المنظمة العربية للإصلاح الجنائى، فأكد أن الظروف السياسية في مصر تغيرت كثيرا في أعقاب ثورة يناير، ولم يعد من المعقول أو المقبول أن يعود "بعبع أمن الدولة" للظهور من جديد وقال: "لا أعتقد أن هناك ضابطا في الأمن الوطنى، من الممكن أن يعود إلى ممارسة العنف ضد المصريين، وما جرى ويجرى من عمليات إعادة هيكلة للجهاز، دليل على وجود رغبة قوية لدى قيادات الداخلية على تغيير إستراتيجية العمل في الأمن الوطنى، وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان فوق أي اعتبار.. والمطلوب حاليا هو توسيع نطاق الرقابة على عمل هذا الجهاز، ولتكن من وزارة العدل والسماح لمنظمات المجتمع المدنى الحقوقية بالمشاركة في هذه الرقابة، ومنحها سلطة المتابعة الفعالة لنشاط المؤسسات الأمنية.