دخلت جماعة «الإخوان المسلمين»، في مصر مرحلة جديدة كلياً يتقرر فيها مصير علاقتها بالسلطة كحزب إسلامي من جهة، ومن جهة أخرى تتقرر فيها طبيعة مشاركتها في السلطة. لم تكن الجماعة في مصر، أول حزب إسلامي يصل إلى السلطة أو يشارك فيها في المنطقة العربية، لقد سبق تجربتها قبل الربيع العربي، انقلاب الجبهة الإسلامية في السودان ووصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عبر الانتخابات، كما شارك الإسلاميون اليمنيون في السلطة على أكثر من مستوى. ونالت حركة النهضة الإسلامية في تونس مع الربيع العربي، غالبية حملتها إلى الحكم وقيادة الائتلاف. لكن كل هذه التجارب الإسلامية في الحكم، وعلى رغم ما شابها من نزعات إلى الاستفراد وفرض الرأي الواحد والدفع في اتجاه أسلمة قوانين ومواد دستورية، ظلت رهينة تحالفات مع أطراف أخرى سياسية أو مناطقية أو قبلية، ورهينة مراعاة الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية التي تتعامل معها، ولم تكن قادرة على توطيد سلطة الحزب الواحد، حتى لو أن بعضها كان قد تسلل إلى المؤسسة العسكرية، وتالياً فرض ديكتاتورية مطلقة. وفي خضم نزاعاتها وتحالفاتها كادت سمتها «الإخوانية» أن تختفي لمصلحة ضرورات البقاء في السلطة. تجربة جماعة «الإخوان» المصرية، وإن عقدت بعض التحالفات لتوسيع قاعدتها الانتخابية، بقيت وفية لأيديولوجيتها الداعية إلى فرض حكمها وسلطتها المطلقة. أي أن تجربتها في الحكم هي تجربة الحزب الإسلامي وليست تجربة الحزب المشارك في السلطة. لقد كانت جماعة «الإخوان» المصرية وفية للمناخ السياسي الذي نشأت فيه مطلع العقد الثالث من القرن الماضي، مناخ الأحزاب التوتاليتارية والعسكريتارية، مناخ صعود الأحزاب الشيوعية والفاشية والنازية، ومناخ القيادة المركزية وسلطتها المطلقة. والفشل الذي انتهت إليه التجربة «الإخوانية»، عبر رئاسة محمد مرسي يكمن في بقاء الجماعة في هذا المناخ، وعجز عن فهم التطور الهائل الذي حصل في مصر والعالم، منذ إطلاق دعوة حسن البنا وتركيبة الحزب الذي أراده، قبل ثمانية عقود تقريباً، وعن فهم التطلعات التي تراكمت في المجتمع المصري منذ أن اعتبر سيد قطب أن العنف والقوة قبل نصف قرن، هما وسيلة فرض سلطة الجماعة. هذا العجز هو الذي دفع ملايين المصريين إلى الشارع لرفض حكم «الإخوان»، أي رفض استخدام الأفكار النمطية البالية لمعالجة مشكلات حديثة ومستجدة ورفض الخضوع لقيادة مركزية مطلقة يمثلها المرشد. وجاء عزل مرسي والبدء بمرحلة انتقالية نتيجة لهذا الرفض الشعبي الواسع. لقد عرف «الإخوان» في مصر مراحل عدة من العمل السياسي، من السري إلى المتسامح معه إلى العلني إلى الشرعي وصولاً إلى السلطة. لكنّ أياً من هذه المراحل لم تكن المناسبة، بالنسبة إلى الجماعة، إلى إعادة قراءة المتغيرات وإعادة تكييف نفسها كحزب سياسي معها. هذا الجمود الفكري والسياسي هو الذي كان وراء فشل الجماعة في أن تكون جزءاً عضوياً من حياة سياسية طبيعية في مصر، خصوصاً عندما باتت هذه الإمكانية واقعاً مع رحيل النظام السابق وتولي عضو فيها الرئاسة. وربما هذا الفشل الأخير هو الأكبر لها والكاشف عن طبيعة الخلل الكبير الذي تعانيه. ولم يكن هذا الفشل في إدارة البلاد ومشكلاتها المعقدة والقضايا الخارجية المطروحة عليها فحسب، وإنما كان فشلاً ذريعاً في الانخراط في النسيج المصري، واعتبار نفسها صاحبة رسالة خاصة تفرضها على الجميع، أحزاباً وهيئات ومؤسسات. والسؤال اليوم، هو عن المشروع السياسي للجماعة فهل لاتزال قادرة على إعادة قراءة تجاربها السابقة كلها، خصوصاً الفترة القصيرة من حكمها؟ لتعيد صوغ خطّها وهيكلها التنظيمي بما يتكيف مع الظروف الراهنة؟ أم أنها ستظل متمسكة بتاريخها المتكرر من الفشل؟ مؤشرات ذلك ستظهر من خلال موقفها في الأيام المقبلة، فإن قبلت الإعلان الدستوري الجديد وانخرطت في العمل السياسي في إطاره ربما تتمكن من أن تستعيد وضعها بين الأحزاب المصرية. أما إذا تمسكت بالنهج الذي أطلقه مرشدها بعد عزل مرسي، فيمكن توقع تكرار ما حدث في دار الحرس الجمهوري، وصولاً إلى تعميم العنف في البلاد، فتكون بذلك قررت الخروج نهائياً من النسيج المصري. نقلا عن الحياة