في أَحد المواقع الإِلكترونية 10 صُوَر لمحطّات بارزة من حياته، بينها صورةُ زنزانة قضى فيها 18 سنة، هي أَضْيَقُ من أَن يحتملَها سجينٌ أَكثر من 18 ساعة. مع ذلك، احتَملَ وقاسى القهر والضغط لأَجل قضيةٍ تُطالب بالحرية، وشعب يُطالب بالعدالة من حُكْمِ أَقليَّةٍ بيضاء في جنوب أَفريقيا تتحكَّم بأَكثرية سوداء عانت طويلًا من حُكْم التمييز العنصري. لم يكن غريبًا أَن يُحِبّ لقب "ماديبا" - اسم قبيلته، ويعني "الاحترام" - ويفضّله على اسمه الأَصلي "روليلاهْلا" قبل أَن أَعطتْه المعلّمة أَولَ يومٍ مدرسيٍّ في طفولته اسمًا إِنجليزيًا: "نِلسون"، فبات نِلسون مانديلا رمزًا عالميًّا للسلام والتحرُّر. مذهلٌ أَمرُ هذا الرجل: أَوَّلُ سبعين سنة من حياته قضاها بين السجن فتراتٍ طويلة والحرية فتراتٍ قصيرة. وبمثابرته الدَّؤُوبة ونضاله العنيد وثورة حقٍّ قادَها، انتقل من تُهمة الخيانة العظمى محكومًا بالسجن مدى الحياة إِلى جائزة نوبل للسلام إِلى رئاسة جمهورية بلاده. بَشرَتُه الداكنة لم تكن عائقًا بل حافزًا. كان يؤْمن بأَنّ قضيتَه عادلة فناضَل بإِيمان، منذ أَسس أَول مكتب محاماة لسُودِ البشَرة إِلى انتخابه أَول رئيس أَسْوَد لجنوب أَفريقيا. وفيما هو مُسَجى على سرير المستشفى إِلى الغيبوبة الأَخيرة، كانت الجموعُ في الخارج تتهيَّأُ لاسقتبال وفاته شافعةً له أَلا يتأَلّم أَكثر، بعدَ الذي عاناه في حياته من قهر وعذاب وأَوجاع. والأَولاد الذين أَطلقوا 94 بالونًا (سنوات عمره) في ساحة المستشفى، طيَّروها احتفاءً بِحُريّة أَمَّنها لهم هذا العجوزُ الذي يصارع ساعات الموت القليلة الأَخيرة بعدما صارع سنواتٍ أُولى طويلة، ولا مرة من أَجل أَمرٍ له شخصيّ بل من أَجل كرامة شعبه. أَن يقولَ عنه الرئيس الأَمريكي باراك أُوباما إِنه "بطلٌ من أَجل العالم كلِّه، سَيمتَدُّ إِرثُه لأَجيالٍ طويلة مقبلة"، فهو اختَصَر عمرًا من كفاحٍ عنيدٍ مؤْمن بتحرير شعبه من التمييز العنصري، وهو ما يعرفه أُوباما الأَفريقيُّ الجذور، ويعني به تمامًا ما يقول. وأَن يَقطعَ رئيس جنوب أَفريقيا جاكوب زوما زيارةً رسمية خارجية ويعود ليكون إِلى سرير مانديلا في ساعاته الأَخيرة، فدليلٌ على تكريس البلاد قائدَها التاريخي الذي حقَّق لها كرامةَ الأَفارقة السُّود شعبًا وزعماء ورُؤَساء. من المَهَاتْمَا غاندي إِلى مارتن لوثر كينغ إِلى قادةٍ تاريخيين انتفَضوا ضدّ الظُّلم والتمييز لأَجل الحرية والحوار والعدالة وحقوق الإِنسان، يَطوي نيلسون مانديلا عمرَه التاريخيّ تاركًا في ذاكرة العالم أَثَرًا ساطعًا غير عاديّ لرجُل دولةٍ غير عاديّ. نقلا عن النهار اللبنانية