كنت مدعوا فى مؤتمر "مؤمنون بلا حدود" فى بداية الأسبوع الجارى، والذى كان عنوانه " الخطاب الإسلامى وإعادة تأسيس المجال العام" . وكانت إحدى محاضراته مخصصة للدكتور فؤاد الحلبونى، والذى أشاد فيها " بالأب متى المسكين" الذى يعتبره مثالا يحتذى به للرموز الكنسية التى كانت ترفض انشغال الكنيسة بأى من الأمور الدنيوية وتحيد عن هدفها الأصلى كونها مؤسسة روحية ودينية فقط. وهنا كانت مداخلة لحسام أبو البخارى أحد أقطاب الأصوليين فى مصر، حول تأكيده للإشادة بالأب متى المسكين، ورفضه لدور الكنيسة الذى رسمه شنودة " هكذا دعاه " بتحويل الكنيسة لمؤسسة سياسية واقتصادية ودولة داخل دولة. وهنا كانت لنا وقفة....التحذيرات التى تخرج علينا يومياً من تيارات الإسلام السياسى ورموزه، أجدنى أتفق معها.. ولا يمكننى أن أرى نفسى شخصا علمانيا أحلم بدستور ومؤسسات علمانية لوطنى، دون أن أُقر بأن المؤسسات الدينية، أيا كان الدين الذى تعبرعنه كنيسة كانت أو أزهر، لا يجوز أن تتدخل من قريب أو من بعيد فى المشهد السياسى.. وأتخطى ذلك قائلا.. ولا حتى الاجتماعى أو الاقتصادى. ولكن.. وبعيدا عن الازدواجية التى يمارسها الأصوليون ومواقفهم السياسية المتكررة على مدار سنتين من بعد ثورة 25 يناير.. لن أتحدث عن هؤلاء الذين حولوا مساجد مصر إلى أبواق انتخابية ومراكز سياسية على مدار السنتين " ومن قبل الثورة " ولكن خطورة هذا الاستغلال اتضحت جليا بعد سقوط نظام مبارك، لن أسهب فى الحديث عن قنواتهم الدينية التى لا تتحدث إلا فى السياسة.. ولا هم لها إلا الانتخابات وعمليات الاقتراع متحدثة عن القوى السياسة "ليبراليين كانوا أو يساريين، أكثر من التحدث عن رموزهم الدينية.. الازدواجية هنا لا تقف فقط عند استخدام دور العبادة والتى وصلت الفجاجة بأحدهم وهو مرشح سابق مستبعد من انتخابات الرئاسة بسبب جنسية والدته عندما قال " إيوه هسنتخدم بيوت ربنا فى الدعاية الانتخابية.. والمساجد مش بس مكان للصلاة!!". وهو ما اتضحت آثاره لاحقا فى مشاهد عدة أبرزها ما حدث عند القائد إبراهيم ولكن.. بعيدا عن كل هذا.. ماذا عندما مارس المسيحيون السياسة من قنواتها الشرعية؟ ذكرونى بحزب المصريين الأحرار وكمية السب والهجوم الذى تعرض له لمجرد أن أشهر رجال الأعمال المصريين" مسيحى الديانة " هو أبرز مموليه، ومن أكبر رموزه.. هل نسينا عبارات التشويه والإهانة التى تعرض لها وتعرض لها الحزب لمجرد خوضه الانتخابات البرلمانية وسمى تحالفه الانتخابى "الكتلة الصليبية" فى انتخابات برلمان 2011 . هل نسينا حملات التشويه لمصطفى النجار فى انتخابات الإعادة " وهو بالمناسبة إخوانى سابق، ولا يزال يعتبر من التيار المحافظ، وبعيد كل البعد عن أى نهج علمانى"، والبعض أطلق عليه مرشح الكنيسة لمجرد أن المنافس له هو محمد يسرى أحد رموز التيار السلفى!!. هل نسينا جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة بين أحمد شفيق ومحمد مرسى، وحملات التشويه التى طالت المسيحيين واتهامهم بأنهم فلول وأذناب النظام السابق لمجرد ممارستهم حقهم الدستورى فى اختيار المرشح الذى وضعوا ثقتهم به، فى مرشح اقتنعوا أنه لن يجور عليهم أو يضيع هوية مصر ويرسخ لتمييز دينى. هل كان عليهم أن يدلوا بأصواتهم لمرشح كان محسوباً على جماعة متطرفة تاريخها ملوث وحاضرها يغنينا عن النبش فى ماضيها، لمرشح يعتبر من صقور الإخوان... قطبى الهوى.. الجميع يعلم تشدده ومواقفه المتطرفة تجاه الأقليات الدينية كل هذا ولم نتحدث عن كارثة منع الأقباط من الإدلاء بأصواتهم فى مناطق متفرقة من الصعيد. وعند أزمة الإعلان الدستورى واحتكار الإسلام السياسى لتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، نزل قطاع عريض من الشعب المصرى للشوارع لكى يثنى الديكتاتور ونظامه الغاشم عما اقترفه وبالطبع كان المسيحيون نسبة كبيرة من هؤلاء المعارضين . كل تهمتهم أن خانة الديانة ببطاقتهم الشخصية مسيحى.. أوليسوا مصريين من حقهم التعبير والرفض والقبول والمشاركة فى أى موقف سياسى؟، وكلنا نتذكر المشاهد المؤلمة التى تعرض فيها أحد المواطنين المصريين للسحل والضرب من قبل شباب تلك الجماعة الإجرامية، وخشى من ذكر اسمه أثناء استجوابه من قبل بلطجية الجماعة لأن اسمه " مينا " والمشهد الآخر لأحد شباب التيار الإسلامى، وهو يتحدث بفخر عن صيده " لمسيحى وأخيه من المعادى" ! وكانت أكثر المشاهد كوميدية واستفزازا فى نفس الوقت اتهام جورج إسحاق أنه من الفلول هذا المناضل الذى عارض مبارك بكل قوة وكان من أوائل من هتفوا فى شوارع القاهرة فى 2004 "، يسقط يسقط حسنى مبارك " أصبح من الفلول لمجرد مشاركته فى الاحتجاجات التى طالت مرسى الرئيس المحسوب على الإسلام السياسى.. وبالعودة لانتخابات الرئاسة.. ماذا لو أن جورج إسحاق ومحمد حسان كان طرفى جولة الإعادة.. هل كانت التيارات الإسلامية تدعم مرشح الثورة جورج إسحاق أمام أحد رموز الفلول المادحين ليل نهار لنظام مبارك " محمد حسان"؟ إنها ازدواجية وعنصرية وتطرف الأصوليين... الذين لن يحيدوا مطلقا عن نهجهم إلا تحت وطأة مد علمانى قوى وواضح يُحجم من تطرفهم وعنصريتهم . كل هذه الممارسات السياسية الشرعية لمواطنين مصريين عملوا على التحرر من سلطة الكنيسة عليهم سياسيا، والتى جاءت رغبة منهم بالمشاركة فى كتابة مصير ومستقبل وطنهم تم وأدها من قبل الإسلام السياسى ولا تزال أبواق الأصوليين تحذر وتتوعد تدخل الكنيسة فى السياسة. يا أيها الناس... قبل أن تطلبوا من الكنيسة عدم تدخلها فى السياسة، ارفعوا أيديكم عن أقباط مصر.. كفاكم اضطهادا .. كفاكم تمييزا بين أبناء الوطن.. رسخوا لقيمة المساواة واسعوا لبناء نظام علمانى يتعامل بحيادية مع كل أبناء الوطن.. حينها ستخرج الكنيسة وغيرها من المشهد السياسى وستبقى مؤسسة روحية تخدم رعايها على المستوى الدينى فقط.