بينما كانت اللجنة العليا للانتخابات تستعد لإعلان نتيجة المرحلة الأولى للتصويت انتشر بشوارع أسيوط منشور مجهول الهوية تحت عنوان «صوتك في الإعادة لمن.. لمرشح الكنيسة والفلول أم لأتباع الرسول» وتضمن المنشور مطالبة المسلمين بعدم التصويت للأقباط معتبرا أن دخول أحدهم جولة الإعادة يعتبر عاراً عليهم وان التصويت لصالحهم سوف يعطي قيادة الدولة لهم، واشار المنشور إلى أن اجتاز النصارى بامتياز انتخابات المرحلة الأولى وتحقيق للكنيسة لما أرادت ودبرت له حيث سمع وأطاع النصارى لأوامر البابا شنودة وصوتوا لأتباع (الكتلة المصرية). وفي المقابل وتحت شعار «أعط صوتك لمن يرعى الصليب» وزج بالكنيسة المصرية في هذا الفخ والترويج بأنها أعدت قائمة بعدد من المرشحين الذين ينتمون لحزب المصريين الأحرار والكتلة المصرية ووزعتها على مختلف الكنائس بالمحافظات حتى يلتزم بها الاقباط باعتبارها خطاً أحمر لهم ولا يمكن تجاوزه. وأثير جدل بسبب هذه القوائم من جانب سياسيين ومفكرين كصورة من صور الصراع الطائفي بين التيارات الدينية الإسلامية والكنيسة القبطية، وكشفت وسائل الإعلام المقروءة والعنكبوتية عن قوائم قيل أن لجنة من قيادات الكنيسة وزعتها على المواطنين الأقباط بغرض انتخابها، ومرفق معها رسالة نصها «برجاء مبايعة هذه الأسماء والقوائم بعينها حتى لا يتم تفتيت الأصوات». وتم نشر القوائم التي نسبت الى الكنيسة عبر العديد من المواقع الإلكترونية وتم تداولها بين النشطاء، وتضمنت أسماء 56 مرشحا عدد كبير منهم مرشحون على قائمة الكتلة المصرية، ومرشحي الحزب الوطني المنحل المعروفين ب «الفلول»، وتضمنت القائمة التوصية بالتصويت للناشط السياسى جورج إسحاق المرشح عن دائرة بورسعيد الذي أعلن رفضه لهذه التوصية مشدداً على أن هذه القوائم وإن صحت، فإنها تعد تدخلاً غير مقبول، وأنه لا يوافق بأى حال من الأحوال على مثل هذا التدخل، سواء جاء من مسجد أو كنيسة وأكد أنه يخوض الانتخابات كمواطن مصرى فقط، وليس كمسيحى، مجدداً رفضه لخلط الدين بالسياسة. ونفس الموقف اتخذه حافظ أبو سعدة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الذي أعلن رفضه لهذا التوجه وقرر انسحابه من الكتلة المصرية بعدما ورد اسمه ضمن القائمة المزعومة، قائلا « أرفض ورود اسمي في قائمة للكنيسة أو أي تيار ديني، كما أرفض أن يكون اسمي مدعوما ضمن قائمة تتضمن أعضاء من الحزب الوطني الذي قامت الثورة بسبب ما أفسده في مصر وحياة المصريين». ورغم الغموض الذي يحيط بتصويت المصريين في الخارج هناك أصابع تشير إلى أن اصوات أقباط المهجر وجهت أيضا لصالح الكتلة المصرية ورمزها «العين»، بجميع الدوائر في المرحلة الأولى، ما عدا الدائرتين الثانية والثالثة بالإسكندرية، حيث تم فيها دعم التحالف الشعبى رمز الهرم وقائمة حزب الحرية فى الدائرتين الأولى والثانية بكفر الشيخ رمز نفرتيتى وهى نفس القائمة التى اختارتها الكنيسة القبطية. والتصويت الطائفي لم يهب على مصر صدفة ومن ثم لا ينبغي أن نتعامل معه كعادتنا على أنه مجرد رياح عابرة، فهناك العديد من الدوائر السياسية ووسائل الاعلام الاجنبية رصدت قبيل الانتخابات مؤشرات هذا التصويت ونبهت اليه، من بينها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي سلط في ورقة تقدير موقف الضوء على حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي التي نمت في الشارع المصري منذ واقعة ماسبيرو. بل إن مراسل صحيفة «واشنطن بوست» في مصر ذهب الى أبعد من ذلك عندما طير تقريرا عما اسماه منطقة « الزبالين» الفقيرة بالمقطم، وخلص فيه إلى رسالة بسيطة مفادها: «لحماية عائلاتكم لابد أن تذهبوا للتصويت فى الانتخابات البرلمانية وإلا ستقع مصر تحت حكم الإخوان الذين يحشدون أنصارهم» حسب وصف من التقاهم بالمنطقة. ووسط مخاوف الأقباط إزاء ما سيئول إليه مستقبل مصر يذهب الكاتب الأمريكى في تقريره الى أن التوتر الطائفى يقبع وراء الحملة الانتخابية التى تدور رحاها فى جميع أنحاء مصر. فالناس قد لا يتحدثون عن ذلك مباشرة لكنها نفس المخاوف التى تضرب معظم البلدان التى هزتها موجة الربيع العربى. وبصرف النظر عن دقة البيانات المتواترة هنا وهناك من عدمه فإن الشىء المؤكد الذي لا يقبل النفي أو التشكيك هو أننا مسلمين ومسيحيين تورطنا في فخ التصويت الطائفي وأننا بهذه الورطة لا نعمل لصالح مصر الجديدة وانما نرهن مستقبل بلادنا لحساب الاهداف والبرامج الأجنبية. علينا أن نراجع أنفسنا أولا ثم نراجع تقرير الخارجية الامريكية عن الحريات في مصر والصادر قبل اندلاع الثورة المصرية بأسابيع ويقسم مصر الى فسيفساء مذهبية ويرفع التقرير شعار «الحرية على أساس ديني ومذهبي» ويعتبر هذه المسألة جزءا هاما من الحوار الثنائي الامريكي المصري.. فهل نعي الدرس أم سنتحول الى أمة تندب حظها على صوتها ولكن بعد فوات الأوان؟!