لا أجد ما أعيبه على الكنيسة في اختيارها للكتلة المصرية أو لحزب "المصريون الأحرار" وحثها الأقباط على التصويت لهم. بل أرى فيه انفراجا كبيرا في علاقتها بالدولة والمجتمع واختيار ملعب السياسة بديلا عن الحشد الطائفي. عندما تخرج الكنيسة من عزلتها وعن مجرد كونها راعيا روحيا للمسيحيين.. فهذا انفراج كبير ينبغي أن نسعد له، ومن توابع الديمقراطية والثقة في شفافية الانتخابات والنتائج. كانت الكنيسة تعتمد على الدولة كنظام سياسي تجسد في مبارك ومن حوله.. فقد ادعى طويلا أنه يحميها من الأصوليين والإخوان. وربما دبر ونفذ مؤامرات ضدها لكي يبرر أهمية وجوده. فحتى الآن هناك دلائل قوية على تورط داخلية حبيب العادلي في تفجير كنيسة القديسين قبل نحو عام. أدى ذلك لاحتقان الطرفين.. المسلمون ظنا بأن السلطة تنحاز للطرف الآخر مخافة الضغوط الأمريكية والأوروبية.. والمسيحيون تولدت لديهم عقدة الاضطهاد والاحساس بمشاعر الأقلية، وهو إحساس لم يكن موجودا إلى نهاية حرب 1973. ومن نتائج ذلك.. انسحاب المسيحيين إلى داخل الكنيسة وتخليهم عن الشارع والسياسة والتفاعل الاجتماعي مع مؤسسات الدولة وبقية الشعب.. واللجوء إلى ما أسميه مجازا "البرلمان" الخاص بهم وإن كان عبارة عن مجموعة منظمات أسسها أقباط المهجر في الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. من المفيد أن يكون للكنيسة صوت سياسي قوي داخل مصر. ولا عيب أن تبحث عن مصالح المسيحيين في ساحة البرلمان بتأييد مرشحين وأحزاب بعينها. هذا يسحب الغطاء من منظمات أقباط المهجر.. ومن أولئك الذين يدعمون ما يسمونها الدولة القبطية بحجة أنه لا مكان للمسيحيين داخل وطنهم الأم. وهنا لابد من النظر بموضوعية إلى قوائم الكنيسة وحتى إلى "البوستر" الذي يطالب بانتخاب "من يرعون الصليب".. فهي أولا كانت سلاحا ذا حدين. شجعت المسيحيين على الخروج لصناديق الانتخابات وكسر الجيتو الذي فرضوه على أنفسهم، واستفادت الكتلة وحزب المصريون الأحرار تحديدا من ذلك.. لكنها ثانيا – أي القوائم - حشدت لا إراديا كثيرا من البسطاء المسلمين على التصويت لأحزاب التيار الإسلامي! ومع ذلك لم تتأثر كثيرا اختيارات المسيحيين في دوائر ذات كثافة مسيحية كما في شبرا و محافظتي الأقصر وأسيوط.. والأخيرة حصد التيار الأسلامي أكثر مقاعدها. حشد الكنيسة للمسيحيين ساعد على انقلاب المشهد من مواطنين منعزلين إلى مواطنين مشاركين.. ومن تجاهل لقراءة الخريطة السياسية للوطن إلى شغف بها وسعة صدر. استمعت مثلا إلى مايكل منير مؤسس حزب "الحياة" متحدثا من واشنطن لإحدى القنوات، فكان أقل عصبية وأكثر انفتاحا وموضوعية. نعم أظهر بعض القلق وهو أمر مشروع. ستجني الساحة السياسية والاجتماعية فائدة كبيرة من دخول أحزاب الكتلة المصرية إلى البرلمان سواء في صفوف المعارضة أو الحكم.. فالمسيحيون سيطمئنون إلى وجود من يمثلهم في البهو الفرعوني ومن يحرص على مصالحهم أثناء وضع القوانين والتشريعات. الهند بقومياتها ودياناتها الكثيرة ولغاتها المتعددة انصهرت تحت قبة البرلمان وقدمت للعالم مثلا حيا في تعايش المجتمع بسلام.. وعلاقات المسلمين بالمسيحيين في مصر كانت شبيهة بذلك خلال برلمانات ما قبل الثورة. انهزم جورج اسحاق زعيم كفاية سياسيا أمام أكرم الشاعر مرشح الإخوان في بورسعيد وليس وراء ذلك أسباب طائفية فاسحاق رجل علماني.. وفاز عمرو حمزاوي رغم ورود اسمه على قوائم الكنيسة.. على منافسه الإخواني محمد سعد في دائرة تضم مصر الجديدة والنزهة والشروق وبدر، في حين أن أغلب سكان الدائرة مسلمون. إنها معادلات جديدة.. ومشاهد انتخابية تبشر بأجواء أكثر انفتاحية. [email protected]