الأخبار التي تواترت عن "تعليمات" صدرت للأقباط ، بضرورة استخراج بطاقات انتخابية ، استعدادا للانتخابات المحلية و مجلس الشورى القادمة .. كانت بلا شك أخبارا سارة .. و لكنها بالقدر ذاته كانت تبعث على الحذر .. و تقلل من مشاعر التفاؤل . كلنا يأمل في أن يتخلى المسيحيون المصريون عن عزلتهم عن الحياة العامة التي فرضوها على أنفسهم ، و أن يتحرروا من هيمنة الكنيسة على كامل تفاصيل حياتهم العامة و الخاصة حتى باتت بالنسبة لهم هي "الوطن" و ليس مصر .. و هي الملاذ و المرجعية التي يُحتكم إليها في المنازعات و الخلافات و ليس مؤسسات الدولة القانونية و الدستورية .. و هي مناط الولاء و البراء و ليس مصالح مصر العليا و أمنها الوطني ! و لا شك في أن هذه العزلة ، كانت تضر بعامة المسيحيين وبمصالحهم .. إذ أصلت من ظاهرة الغياب القبطي الطوعي عن المشاركة في صناعة القرار و مناقشة قضايا مصر الوطنية ، تحت أقبية المؤسسات الدولة الرسمية .. فيما كانت تعزز من مصالح رجال الدين المسيحيين .. و من نفوذهم ومن سلتطهم الأبوية على كامل النصارى .. و التي بلغت حد قيامهم بدور الزعماء السياسيين ، و تحديد أجندة المواطن المسيحي اليومية من ألفها إلى يائها .. و تكفير من يعارض أو حتى ينتقد من باب النصح و الارشاد !. عدد من المفكرين المسيحيين المخلصين ، التفتوا إلى خطورة هذه المكانة المركزية للكنيسة ، في حياة المسيحي المصري . و التي عرضت عليه أن تكون بديلا له عن الدولة .. و طالبوا بضرورة اعادة الكنيسة إلى مكانها الطبيعي ، كمكان للتعبد و اقامة الشعائر الدينية ، و أن يعود المسيحييون إلى حضن الوطن يشاركون اخوانهم المسلمين معاناتهم و نضالهم من أجل الحرية و الديموقراطية. لا شك في أن حضور الكنيسة كطرف في تحديد شكل الحضور القبطي في الحياة العامة في مصر ، سيجعل هذا الحضور ، حضورا "طائفيا" و ليس وطنيا .. إذ لم يتكلم عن "كوتة" للأقباط في مجلس الشعب و الوظائف ذات المكانة الاجتماعية .. إلا الكنيسة .. و قلة من المثقفين الأقباط الذين يستقوون بالخارج لانتزاع بعض المكاسب الطائفية و هم معروفون بالاسم ! فيما يرفض المسيحييون الوطنييون مثل هذا الوعي الطائفي ... و يرون أن مشاكل المصريين عامة مسلمين و أقباطا مع النظام هي مشاكل واحدة .. و أن النظام يضطهد و يستضعف الجميع بل يضهد المسلمين أكثر .. و أن التمثيل في البرلمان يعتمد على "الولاء للنظام" و ليس على الانتماء للطوائف الدينية .. بدليل ان النظام قتل 14 مسلما من أجل اسقاط مرشحين مسلمين .. كما أن التعيين في الوظائف المهمة يعتمد على "الواسطة" و الانتماءات الطبقية و العائلية و ليس على الكفاءة أو الانتماءات الدينية .. فالمواطن المصري "محمد شتا" الذي أنتحر بالقاء نفسه في النيل بسبب شطب اسمه من قوائم المقبولين في إحدى المصالح المهمة رغم تفوقه في الدراسة و تفوقه في اجتياز اختبارات القبول في تلك الوظيفة .. كان شابا مسلما و ليس قبطيا ... و رفض قبوله كان بسبب أن والده فلاح .. و هي ذات المعايير التي يحتكم إليها النظام مع الجميع ولا يهمه ما إذا كان المواطن مسلما أو مسيحيا . وإذا كان ثمة قيود على العمل السياسي العام في مصر ، فإن هذا التضييق على الجميع ايضا .. فقانون الطوارئ أحال الاحزاب السياسية الشرعية إلى مجرد شقق ، لاتستطيع حتى سداد فواتير الايجار و التليفونات و الكهرباء .. و جميعها أحزاب علمانية و ليست دينية .. فضلا عن القيود على تأسيس الأحزاب و حرية اصدار الصحف . ما نريد قوله : إن تحديات الاصلاح الداخلي في مصر .. هي مسئولية الجميع و على كل مكونات الأمة المصرية أن تتحمل مسئوليتها .. وأن على المسيحيين أن يدركوا خطورة رضاهم بهذه العزلة .. خطورة ذلك على المسيحيين و المسلمين معا . و لذا كان تواتر الاخبار بتعليمات صدرت للأقباط بضرورة اصدار بطاقات انتخابية .. امرا يبعث على السرور بالتأكيد .. و لكن مالا يبعث على الارتياح أن التعليمات صدرت من الكنيسة و من أقباط المهجر .. ما يعني أن الدوافع لا زالت طائفية "لوجود الكنيسة" طرفا في الموضوع .. أو لدواع انتهازية لدخول اقباط المهجر طرفا فيه أيضا . و أيا كان الأمر فإن هذا التحول رغم عدم ارتياحي له بسبب الاطراف التي تحركه و تقف ورائه .. يعد منعطفا مهما يستحق الاهتمام و المتابعة و ترشيده و حمايته من دعاة الفتنة و الطائفية [email protected]