أكدت مصادر سياسية وقانونية أن مهرجان " البراءة للجميع " والذى تشهده مصر هذه الأيام ، بطولة رموز وقيادات الحزب الوطنى المنحل ، يأتى استكمالا للمسرحية الهزلية التى بدأت بمحاكمات هذه القيادات أمام محاكم جنائية طبيعية، ودفعت بأدلة ضعيفة وقضايا فضفاضة لا تستند على أدلة دامغة وتهم واضحة، مما اضطر القضاة لإصدار أحكام بالبراءة وإخلاء سبيلهم بكفالة تراوحت بين 5 آلاف وخمسين ألف جنيه. فعلى سبيل المثال أنهت نيابة وسط القاهرة الكلية اليوم، إجراءات إخلاء سبيل "أنس الفقى" وزير الإعلام الأسبق، ليلحق برفاقه من قيادات ورموز الحزب الوطنى، التى بدأت بالمتهمين فى موقعة الجمل مثل صفوت الشريف والدكتور فتحى سرور وعائشة عبد الهادى ، ورجل الأعمال محمد أبو العينين، مرورا بعدد من الوزراء وقيادات الحزب الوطنى. ومن جانبه ، أوضح المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، أن المحاكمات التى تمت لرموز النظام السابق هى محاكمات طبيعية وليست ثورية أو سياسية، وبالتالى يحكمها قواعد القانون ، وما يتضمنه من إجراءات إثبات وأدلة مطروحة أمام القاضى. وقال الخطيب فى النهاية تخضع المحاكمة لتقدير القاضى بحسب ما تستقر عليه عقيدته وكفاية الأدلة المطروحة أمامه، فالقضاء الطبيعى ليس مطلوبًا منه إصدار أحكام بالإدانة لمجرد أن المتهمين من رموز النظام السابق ، فمحل ذلك المحاكمات الثورية والسياسية. وأضاف الخطيب، أن المحاكمات الثورية تكون فيها عقيدة القاضى من حيث الإدانة أشد ، ويدخل فى تشكيلها عناصر طبيعية ، ولكن المحاكمات التى تمت اعتمدت على تحقيقات أجهزة الأمن وإحضار أدلة ضعيفة ، وبخاصة أن عناصر النظام السابق ومن ينتمون إليه لديهم القدرة على العبث بتلك الأدلة وإخفاء معالمها عن أعين العدالة، لا سيما أن الدولة كانت فى حالة انهيار تامّ، وتعانى من انعدام الأمن وضعف سيطرتها وقدرتها على جمع الأدلة الكافية للمحاكمات. وبدوره أكد عصام شيحة المحامى وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد، أنه من الصعب إعادة محاكمة رموز النظام السابق ، الذين حصلوا على أحكام بالبراءة ، موضحا أن هذا الأمر يحتاج إلى تطبيق قوانين العدالة الانتقالية . وقال شيحة: "إعادة هذه المحاكمات تعنى فتح أبواب جهنم ، وسنظل فى المرحلة الانتقالية إلى ما لا نهاية"، مشيرا إلى الاستناد إلى الشرعية الدستورية، والتى بموجبها تمت محاكمة رموز النظام السابق فى محاكمات طبيعية ، تعتمد على الأدلة والقرائن ، وهو ما لا يتوافر فى هذه المحاكمات. أضاف عضو الهيئة العليا لحزب الوفد : "منذ اللحظة الأولى وأنا أتوقع أحكاما بالبراءة لكل القضايا التى حكم فيها على رموز النظام السابق خلال ال 24 شهرا الماضية ، وبخاصة أنها قدمت للمحكمة بدون أدلة جنائية دامغة، معتمدة فقط على عبارات فضفاضة وأسانيد مرسلة". وأشار شيحة، أن أغلب هذه المحاكمات تمت تحت ضغط الرأى العام، فكان المنطقى أن يحكم فيها بالبراءة أو عدم قبول النقض ، وبخاصة بعد "سلق" تحقيقات بناءً على رغبة الثوار، لافتا الانتباه إلى أن بعض القضايا كانت كيدية ، اعتمادا فقط على مناصب هذه الرموز السياسية ، أو بهدف حجب هذه العناصر عن الحياة السياسية فى المرحلة الانتقالية ، أو ربما بهدف تجنب الثورة المضادة . وأوضح شيحة أن الأمر يختلف مع محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك، حيث رأت المحكمة أنه بحكمه رئيس الجمهورية والمسئول عن المواطنين ، فكان يستطيع إعطاء أمر بعدم قتل المتظاهرين ، لهذا صدر الحكم عليه دون وجود أدلة جنائية تُثبِتُ إصداره تعليمات مباشرة بقتل المتظاهرين. فيما يرى الدكتور أشرف عجلان المحامى الدولى، أن القضاء المصرى طرف فى العملية السياسية ، والأحكام المتخاذلة على رموز النظام السابق دليل على إدانته ، موضحا أنه كغيره يقاوم التغيير والخروج من المرحلة الانتقالية. وقال عجلان: "عناصر كثيرة فى المجتمع تقاوم التغيير ، وتسعى بالتعاون مع بقايا النظام السابق ، إلى وضع الدولة فى مواقف حرجة ، وإظهار فشل الدكتور محمد مرسى ، منتقدا موقف التيار الليبرالى الذى سقط منه عشرات بل مئات الشهداء" . وأضاف عجلان أن النائب العام المستشار طلعت عبد الله يصدر قرارات بالمنع من السفر؛ خوفا من هروبهم ووضع الرئاسة فى موقف أكثر إحراجا، مطالبا المعارضة بالحيادية والنزاهة . وأشار عجلان إلى أن الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر، رغم ما فيه من تجاوزات إلا أنه حاول التصدى وتطهير جهاز القضاء ، ولكن جاء رد القضاة وأعضاء النيابة بإصدار سلسلة من البراءات فى محاولة للضغط على الرئيس . وأكد الكاتب والمفكر القبطى جمال أسعد، أن محاكمات رموز النظام السابق سوف يتوقف عندها التاريخ طويلا ، وسيوضح ما تم بها من عبث وتلاعب ، ونظرها أمام المحاكم الجنائية وليست الثورية. وقال أسعد : "محاكمات النظام السابق تمت أمام محاكم جنائية تعتمد على الأدلة الدامغة والأسانيد القانونية ، ومع ذلك وفى ظل التخبط ، بدأت المحاكمات تأخذ نوعًا من الصراع السياسى ، بل ظهرت أصوات تؤكد على أن المحاكمات دخلت فى إطار الصفقات السياسية". وانتقد أسعد مزايدات رئيس الجمهورية على الثورة والشهداء – بحسب قوله – عندما حاول تمرير الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر، فوضع فيه مادة لإعادة المحاكمات فى مشهد هزلى ، لا يخرج عن المزايدات السياسية ، وليست له علاقة بالمحاكمات من الناحية القانونية . وأضاف أسعد: "أين لجنة تقصى الحقائق حول قتل المتظاهرين، وفتح السجون وتهريب عناصر لحماس وحزب الله، من هذا الإعلان الدستورى ؟ لماذا الإشارة إلى قتل المتظاهرين وحقوق الشهداء فقط من وقت لآخر" .