وقف ينادى: قلم ساحر.. لا ينافق، يهوى الأصالة، ضاع، فُقد، توقف عن الكتابة! يردف هامسًا: بل قلبى هو الذى توقف عن الحياة !! زعم أن القلم هو سلطان السطور أسيرها! أميرها مرؤوسها! هو الذى يكتب لحامله.. يسأله المدير: أين المقال ؟ نضب الفكر منذ ضاع القلم! ... المدير: أنت كاتب كبير، محال ما تقول، ضياع القلم يفقدك التفكير ؟!! إن القلم سيدى، مسحور، يكتب، يلف ويدور، يسافر ويجوب البحور، ينقل العالم على السطور؟ المدير: ترفض العمل؟!.. يُكمِلُ المدير فى ضجر: خذ قلمى اكتب به !! ..يتنهد الكاتب فى ألم و حسرة: لا أستطيع.. فللكتابة طقوس، فى غرفتى، على كرسىّ، مكتبى.. أوراقى تعتمد القلم رسولاً.. سفيرًا.. يعلو صوت المدير فى غيظ: أنت مرفود! فُقد القلم، رحلتْ عن عالمى الحروف، انتبذت الأفكار منى مكانًا قصيًّا.. يتجه ناحية الباب، يستوقفه المدير قائلاً: انتظر أنت فى إجازة مفتوحة! ثم ينادى الساعى قائلاً فى سخرية: ياعم منصور هات للأستاذ، "ميكرفون" صغير!!! ينظر إليه مستحثًّا: هيا نادِ قلمك! ماذا ستقول؟.. يأتى صوته واهنًا فى انكسار مَنْ فقد الأحبة: أرجوك سيدى لا تسخر بقلمى المسحور! فقد ورثته عن أبى، وامتد به الوصال إلى جدى الكبير ألا تصدقنى؟! إنه يجرى على السطور دون أدنى أفول، قلم يعشق الأصول، إنه تاريخ موصول، يعلو صوته هادرًا: القلم سيدى؛ وطن يسكنه الضمير.. يقول المدير وقد اكتسى صوته بدفء المشاركة، تألقت نبراته أريج الانتماء، ورائحة الالتزام: القلم لديك أثير، لأنه تاريخ عائلى؟ ولكن.. يتهدج صوت المدير: ألم تجرب أن تكتب بغيره؟ تتساقط دموع الكاتب، يقول: هو عينى..ابنى، والدى، كيانى، يمسح دموعه ويقول متحفزًا: سوف أكتب لك مقالاً بغيره، يمد المدير يده بقلم، ينظر إلى القلم فيراه قلمه، يتحاور معه، يقف متهللاً، ألم أقل لك سيدى إن كلينا لصاحبه أسير؟!.. يتسابق الزملاء والزميلات كل منهم يأتيه بقلم، يُمسك بكل الأقلام.. يتنهد فى حسرة، سافر من عقله الكلام.. يحاول.. يخبط دماغه فى الجدار، يشفق عليه الساعى يتقدم منه فى خجل، يقول فى اعتذار شديد: سيدى لقد وجدت قلمك منذ أيام، وأعطيته لابنى الصغير، إنه يشخبط به، يقفز من الكرسى ويحتضن الساعى ويستأذن المدير.. يُحضر للصغير علبة أقلام جميع الألوان، يدخل بيت الساعى.. دقات قلبه تسابقه، تتلاحق، تشدو، تقفز، تتناغم فى جدال مع فؤاده: أَيُّنا أولى بالمحبة؟! يرى القلم.. فى كف الطفل، يخطفه من يده، يحتضنه، يقبله، يناجيه، يمسك بكراس الصغير، يلثم الشخبطة بعينيه، يسمعها له تقول: قلمك لا يستطيع الكتابة بغير يدك!! يرقص الكاتب، يتمايل القلم فى يده، تدور الحروف، يكتب: حب القلم عبادة.. لا بل حبر القلم.. لا.. بل هو سحر القلم ...