"عموية المعلمين" توجه التحية للرئيس السيسي: وضع التعليم والمعلم على رأس أولويات مصر    "الزراعة": تحصين أكثر من 824 ألف رأس ماشية في الأسبوع الأول للحملة القومية للتحصين    ربيع: لابديل لقناة السويس.. وعودة حركة الملاحة إلى طبيعتها بحلول نهاية العام    أحمد موسى: ميليشيات السويداء نموذج للفوضى وتهديد للوجود الوطني السوري    تقرير: ريال بيتيس يرغب في استعارة سيبايوس.. ورد ريال مدريد    جلوبو: بنفيكا توصل لاتفاق لضم ريوس    نائب رئيس برشلونة يقترب من النصر السعودي    الصحة توضح كيف تواجه حروق قناديل البحر ؟    "راكب على الكبوت".. ضبط سائق أثار الفزع في المنوفية    حدث بالفن | رقص هيدي كرم وزينة في الساحل وتعليق أنغام على أزمتها الصحية    ب"فستان جريء".. أحدث جلسة تصوير ل جوري بكر والجمهور يغازلها    بعد فضيحة الحفل الموسيقي.. استقالة المدير التنفيذي لشركة أسترونومر الأمريكية    الصحة: مبادرة القضاء على قوائم الانتظار شملت 2.8 مليون عملية بتكلفة 23 مليار جنيه    الدفاع الجوي الروسي يحبط 5 هجمات بطائرات مسيّرة على موسكو    قبل الانتخابات، ما هي اختصاصات مجلس الشيوخ وفقا للقانون؟    قافلة بيطرية من جامعة المنوفية تفحص 4000 رأس ماشية بقرية مليج    قطاع الصناعات الغذائية شارك في التنمية الاقتصادية باستثمارات 500 مليار جنيه و7 ملايين فرصة عمل    أتلتيك بيلباو يجدد اهتمامه بنجم النصر السعودي    محمد ربيعة: عقليتى تغيرت بعد انضمامى لمنتخب مصر.. وهذا سبب تسميتى ب"ربيعة"    طنطا يتعاقد مع أحمد فوزي مهاجم الإعلاميين    عاشور: الزمالك يتعامل باحترافية في ملف الصفقات    خاص.. رئيس الاتحاد الفلسطيني: 800 لاعب وإداري وحكم ومدرب استشهدوا في غزة    عاجل | تعويضات الحريق.. بيان هام من تنظيم الاتصالات بشأن تضرر العملاء من حريق السنترال    بيلد: ألمانيا قد تواجه أزمة في إمدادات الكهرباء خلال السنوات المقبلة    أخبار × 24 ساعة.. احتساب الدرجات الأعلى للطالب فى التحسين بنظام البكالوريا    الحزن يخيم على الأزهري.. وفاة معلم في حادث سير عقب تلقيه خبر رحيل والدته ببني سويف    خلاف تربوي ينتهي بمأساة.. زوجة تطعن زوجها حتى الموت في بنها    تشييع جثامين 3 شقيقات غرقن في بئر بمزرعة بوادي النطرون    سيدة تقتل زوجها بسكين المطبخ ببنها    قرار عاجل من "القومي للطفولة" بشأن طفل العسلية في المحلة    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة ل58,765 والإصابات 140,485 منذ بدء العدوان    مفتي الجمهورية ينعى الأمير الوليد بن خالد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود    التحقيق مع مصفف الشعر التائب في بلاغ أسماء جلال    حنان ماضي تُعيد الزمن الجميل.. ليلة موسيقية بنكهة التسعينيات في «المكشوف»| صور    أستاذ علوم سياسية: الاحتلال الإسرائيلي يمارس تغول عسكري منذ عامين    أستاذ علوم سياسية: القراءة الأمريكية ترى أنه آن الأوان لإيقاف العنف في غزة    أحمد شاكر يوضح سر اختفائه: ابتعدت عن الدراما عمدا والفن سيبقى شغفي الأول    المملكة المتحدة تستعد لعواصف رعدية مع خطر حدوث فيضانات في جنوب غرب ويلز    غلق 6 مطاعم فى رأس البر بعد ضبط أطعمة منتهية الصلاحية    4 وصفات طبيعية فعالة لتطهير القولون وتعزيز الهضم.. تعرف عليها    «قولي وداعًا للقشرة».. حلول طبيعية وطبية تمنحك فروة صحية    عندما يصبح القائد واحدًا من الجائعين.. ما دلالات التغير في جسد أبوعبيدة بين الظهور الأول والأخير؟    بلغة الإشارة.. الجامع الأزهر يوضح أسباب الهجرة النبوية    رئيس جامعة الأزهر: الحج ورد في آيتين من سورة آل عمران لخصوصية التوحيد فيها    هدير عبد الرازق في قبضة الأمن بعد فيديو اعتداء طليقها عليها بالضرب    سفير أمريكا لدى إسرائيل: الهجوم على كنيسة فلسطينية بالضفة عمل إرهابي    تنظيم الاتصالات: التعويض الإضافي عن حريق سنترال رمسيس موجه للمتضررين فقط    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    حسام حسن ل فيتو: أتمنى تطبيق تجربة مستشفى العجمي بجميع المراكز العلاجية في الجمهورية (فيديو)    حصاد الأسبوع    تنويه عاجل من «التنظيم والإدارة» بشأن مستندات المتقدمين لوظائف هيئة البريد    براتب 900 يورو.. آخر فرصة للتقديم على فرص عمل في البوسنة ومقدونيا    باحث: موسكو لا تسعى لصراع مع واشنطن والمفاوضات في إسطنبول مؤشر إيجابي    دعاء أواخر شهر محرم.. اغتنم الفرصة وردده الآن    رئيس جامعة قناة السويس يوجه بسرعة الانتهاء من إعلان نتائج الامتحانات    هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها الفقير؟.. محمد علي يوضح    توقيع اتفاقيات تعاون بين 12 جامعة مصرية ولويفيل الأمريكية    أسعار اللحوم اليوم السبت 19-7-2025 بأسواق محافظة مطروح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد مصطفى موسى: واحد من الناس
نشر في البديل يوم 04 - 06 - 2012


لست أكثر من حبة ملح منثورة على الأرض وسط الملايين.
أسيرُ كما يسيرون، وأفعل ما يفعلون... أتتلمذ.. أتلقى دروساً ما حسبتُ أنني سأتلقاها، وأشاهد معجزات تتجسد واقعاً أمام عيني.
سمعت عن الثورة، ويشهد الله أنني أيدتها بأضعف الإيمان: قلبي ولساني وقلمي، لكن أن أشارك فيها، صوتي يتوحد بهدير الأصوات الغاضبة، وصدري يصطف إلى جوار صدور تشتهي الرصاص، حباً وعشقاً وإيثاراً لهذا الوطن، فهذا أمرٌ آخر وشعور مختلف.
في مظاهرات واعتصامات الإسكندرية أمس، شاركت وفاءاً لقسم قطعته بيني وبين نفسي، ألا أفوّت فرصةً للمشاركة في الثورة، مجرد أن عدت إلى وطني بعد اغتراب دام نحو سبعة عشرة عاماً، مؤمناً بأن ديناً في عنقي لهذا الوطن، ولشهدائه وأبنائه.
رأيتُ ما أبكاني، من صميم القلب، بكاءاً لا أعرف فيما أصنفه، فهو ليس فرحاً وليس حزناً، ربما كان خشوعاً أمام مشهد جليل، وملحمة إعجازية.
رأيت "أهلي وناسي، لحمي ودمي" شعب مصر الذي أحب، يسمو بأخلاقه وسلوكياته، وينصهر وأنا معه، في ملحمة لا أحسب أن الأقلام التي حاولت تجسيدها، قد أخذت منها، ونقلت عنها، إلا مقدار ما يأخذه منقار طائر، من ماء نهر جارٍ، ولا أحسب أيضاً أنني سأنجح عبر هذه السطور في أن أفعل ما هو أفضل، غير أني سأكتب مدفوعاً برغبة في الكتابة، أو بشعور بأن عليّ أن أكتب، تحملاً لأمانة كلمة الحق، وهي أسمى أمانة يجب أن يؤديها ذوو الأقلام.
إن الكتابة عن الثورة أشبه ما تكون، بصورة تعكسها مرآة غير مستوية، ويمكن التفكير فيها في ضوء نظرية المثال لأرسطو، التي تذهب إلى أن الحقيقة واحدة، وحولها عشرات المرايا المقعرة والمحدبة، بدرجات مختلفة، وعليها تنعكس صور الحقيقة، فهي صورها، وليست صورها في آن واحد.
المشهد المهيب يتجاوز الوصف، وكل مفردة بصرية من مفرداته، تستحق مقالاً مستقلاً، إن لم يكن كتاباً مستقلاً بذاته، غير أني من منطلق "الاجتهاد الصحافي"، لا أكثر سأحاول نقل مشاهدات صحافي عاش مغترباً لزمن طويل، ثم عاد إلى وطنه، فرأى بعين قد تكون بحكم جِدة المشهد عليها وحداثته، مختلفة وأكثر قدرة على التقاط التفاصيل... قد تكون.
دعك من الفتيات والنساء اللاتي كن يهتفن، بحماسة محاربات فيشعلن الهمم بأساً وإصراراً وعزماً، ودعك من الشباب الغض الذي شكل بجسده دروعاً حولهن لحمايتهن، ودعك من الشيوخ الذين شاركوا في المسيرة، دعماً لثورة لن يحصدوا منها ثماراً، لا لشيء إلا لأنهم يؤمنون بمجد هذا الوطن.
دعك من كل هذا، واستعر مني عينيّ، وشيئاً من شعوري، وانظر إلى هذه السيدة السبعينية، التي خرجت من شرفة منزلها، في الطابق الأرضي بعمارة عتيقة في شارع بورسعيد، وهي تلوح بعلم مصر الحبيبة.
تهتف وتدعو: ربنا معكم يا أولادي.. منصورون بمشيئة الله، وتأييد الحق في السماء.
ليتني أتمكن أن أهبك شعوري، فتعرف إلى أي حد ملكت هذه الرائعة العبقرية كل نفسي، بما فعلته من عمل جليل عظيم، لو فهمتني حقاً لما تعجبت، وأنت تراني مندفعاً لا إرادياً، إلى تسلق الجدار إلى شباكها، حتى وصلتُ فأخذت يدها بين راحتي، فقط لكي أحظى بشرف تقبيلها، والدموع تسيل من عينيّ، وأنا أردد: دعواتك يا أمي.
أي كلمات تجدي نفعاً، وأي عبارات تستطيع أن تصف هذا المشهد الذي لن تراه إلا في بلد له جذور حضارة رسخت في أعماق تاريخ عمره سبعة آلاف سنة.
وكن معي أيضاً، وأنا مع الآخرين نواسي فتاةً انهارت بكاءاً حاراً، وهي تخطب فينا: الذين استشهدوا كانوا هنا منذ عام وبضعة شهور، كانوا معنا ونحن معهم، فحرمنا الغادرون منهم، واليوم قد خرجنا لأننا اشتقنا إليهم، نتوق إلى أن نكون حيث يكونون.
كانت ترمي كلماتها قنابل غضب وثورة، وتدعو الله أن تحظى بشرف الشهادة، والأكثر شفافيةً ونقاءاً من كلماتها، أن أمها وهي امرأة محجبة بسيطة، تقف إلى جوارها تشد أزرها وتؤيدها فيما تقول.
وتأمل هذا المشهد أيضاً، وفكر في دلالته.
أب في منتصف الأربعينيات تحديداً، يحمل ابنه ذا العشرة أعوام على كتفيه، والطفل يقود مظاهرة بهتافاته، ونحن جميعاً راضون بهذا القائد الصغير، فرحون بأن يقودنا المستقبل، حتى نخرج معه وبه من ظلام الماضي وآثامه.
أي شعب هذا الذي شرفتني السماء بالانتماء إليه؟
ما أعظمه وأرقاه وأسماه؟
هكذا كانت نفسي تحدثني صامتاً أسير، من دون قدرة على ترديد الهتافات، مبهور الأنفاس، فيما كانت المظاهرة تتحرك من ميدان القائد ابراهيم، حيث بقي البعض للاعتصام، وقرر آخرون الاعتصام أمام المنطقة الشمالية العسكرية.
وبدأت الجموع تجوب الشوارع هديراً وعصفاً، في "نوّةٍ سكندرية" صاخبة.
إن الإسكندرية بكل أطيافها ارتدت الثورة وتوشحت بها وتعطرت أيضاً.
الأعلام في كل الشرفات، الذين لم يشاركوا أخذوا يلقون إلينا زجاجات المياه المثلجة، البعض يلوح بصورة حمدين صباحي، والهتاف: إنزل يا مصري، يرج المدينة، والعدد يتزايد كما لو كان المتظاهرون ينشطرون، والقلوب توحدت في حب هذا الوطن.
هنا.. أنت جزء من كل، والكل أنت.
هنا أنت لست أنت.. أنت الشعب.
أنت الراغبون في الحرية، الطامحون إلى النور والحق والعدل.
لا تجد لك ذاتاً ولا تعرف أناك، فأنت هم وهم أنت، ومن دونهم لا تكون، أوجاعك الشخصية لا شيء، وطموحاتك تتلاشى، وتغدو من حيث لا تشعر حبة ملح مع جموع هي ملح الأرض.
لا تتأفف من رائحة العرق التي طالما كنت تكرهها، إلى درجة المشي كيلومترات على الأقدام، رافضاً أن تستقل المواصلات العامة، حينما تكون مفلساً، ولا تمتلك أجرة التاكسي، أيام كنت طالباً في الجامعة.
لا تتبرم من الزحام الذي عشت تتجنبه، إلى درجة أن تبيت جائعاً، ولا تقف في طابور لتحصل على رغيف عيش.
لا تبدي امتعاضاً والأقدام الساعية تدهس كل ثانية رجليك، وتقابل هذا الألم المتكرر بابتسامة، لا تفتر في كل مرة.
إنني أحمد الله عز وجل أن عشت هذا اليوم، الذي طالما تمنيته، وأنه عز وجل، منّ علي بمنةِ أن أصبحت -لا لفضل لي، ولا لكرامة خاصة- واحداً وسط هؤلاء الرائعين.. شعب مصر الثائر العظيم.
Comment *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.