الأزهر أعلن للناس أن الحفاظ على النفس من أهم مقاصد الشرع ومن ثم فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وجاء قرار غلق المساجد والزوايا تحقيقاً لهذا المقصد الأسمى الذي هو مسئولية دينية واجتماعية يتحملها الجميع وليس الحكومة وحدها..وقد كان نبينا الكريم أول من دعا وطبق مبدأ الحجر الصحي في العالم حال ظهور الطاعون، وهو ما أشادت به مجلة النيوزويك الأمريكية في عددها الأخير..وقد حذر الشرع الحنيف من مغبة الاستهتار. كما دعانا القرآن الكريم إلى توخي الحذر تجنباً للمهالك بقوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا خذوا حذروا" وقوله تعالى : "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"..وحثنا الرسول الكريم على الأخذ بالأسباب بقوله : " اعقلها وتوكل".
جائحة كورونا كشفت خدعة ما يسمى بالدول العظمى ومنظومتها الصحية فائقة التطور، فقد رأينا دولاً متقدمة بحجم إيطاليا وإنجلترا وفرنسا يحصد كوفيد 19 أرواحاً بالمئات ..وكيف لجأت تلك الدول للمستشفيات الميدانية بعد أن ضاقت مستشفياتها النظامية عن استيعاب المصابين.. وكيف مدّت يدها لتلقي المساعدات الأجنبية للمعاونة في كبح جماح الفيروس ..وكيف نزلت الجيوش وهي السند والظهر الحقيقي لأي دولة سلماً وحرباً لتقيم صروحاً طبية طارئة وتنفذ بمعاونة الشرطة المدنية تعليمات منظمة الصحة العالمية.
(نبضة قلم )
43 عاماً تفصلنا عن رحيل العندليب الأسمر ..!!
بقلم: علي هاشم
للنشر الثلاثاء بتاريخ 31-3-2020
بالموقع
43 عاماً تفصلنا عن رحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ الذي أسعد الناس بفنه ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي كله بعطاء ثري متنوع بين أغانٍ وأفلام وابتهالات لا تزال تتربع على عرش القلوب بما انطوت عليه من بساطة وتلقائية فنان من طينة هذا الشعب الأصيل الذي لا تخطيء بوصلته هدفها، فيعرف بها الصادق من الكاذب ويميز الغث من السمين، ويعطي كل ذي حق حقه من المجد والشهرة ..ربما ينجذب لأغانٍ هابطة مملة لكنه سرعان ما يلفظها وينساها..فالأعمال القيمة وحدها هي ما يبقى خالداً في الوجدان الجمعي للمصريين.
عاش العندليب ولا يزال في قلوب ملايين المصريين وعقولهم لا لشيء إلا لصدقه و إخلاصه لفنه ووطنه وتنوع أعماله ، ذلك أن إبداعه لم يقتصر على الأغاني العاطفية التي استهوت الشباب وقتها بل قدم الأغنية الوطنية التي تساند الدولة وتشد من أزر القيادة السياسية في المفترقات الصعبة فكان، لأغانيه تأثير لا يدانيه تأثير، وصنع ببضع كلمات بصوته ما عجزت عن صنعه مئات البرامج والمقالات والكتب.
الأمر الذي يجعلنا نقول : ليتك كنت بيننا اليوم يا حليم فنحن في أشد الحاجة لأمثالك في مثل هذه الظروف الصعبة "إرهاب ، كورونا ، أخوان أرهابية ، أومة سد النهضة ، مؤامرات ودسائس "..!!
المدهش حقاً أن مجد العندليب لم ينشأ في فراغ بل بزغ نجمه في زمن العمالقة أمثال أم كلثوم كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وأمير التلحين فريد الأطرش وغيرهم.
(نبضة قلم )
حكاية شعب ..!!
بقلم: علي هاشم
للنشر الإربعاء بتاريخ 1-4-2020
بالموقع
نجح عبد الحليم شبانة وذلك هو اسمه الأصلي قبل أن يمنحه الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي اكتشف موهبته وقدمه للجمهور ليصنع بعدها "عبد الحليم حافظ" مجده وشهرته التي فاقت عمالقة الفن وأساطينه الكبار الذين امتاز عنهم "العندليب" بتلقائيته وبساطة كلمات أغانيه وعذوبة ألحانها وعمق معانيها ..كما منحها "حليم" من روحه الجميلة ما جعلها تسحر الآذان وتؤجج المشاعر. وهى مع ذلك لم تكن كلها لوناً واحداً كما نرى الآن من أغانٍ تلوث الآذان وتنحدر بالذوق العام لأدنى درجاته بل تنوعت حيث غنى عبد الحليم للرئيس الراحل جمال عبد الناصر أغنية "إحنا الشعب" بمناسبة اختياره رئيساً لمصر عام 1956، كما غنى "حكاية شعب" في مناسبة وضع حجر الأساس للسد العالي ، وكان لكلماتها دلالة معبرة عن المعدن الحقيقي لشعب مصر..تقول الأغنية " قلنا حنبنى و آدى احنا بنينا السد العالى..يا استعمار بنيناه بايدينا السد العالى..من أموالنا بإيد عمالنا هى الكلمة وآدى إحنا بنينا السد العالي.
وهنا ارتجل عبدالحليم :إخوانى.. تسمحولى بكلمة؟
كورس : هيه
عبد الحليم : الحكاية مش حكاية السد حكاية الكفاح اللى ورا السد .. حكايتنا إحنا حكاية شعب للزحف المقدس قام وثار..شعب زاحف خطوته تولع شرار..شعب كافح وانكتب له الانتصار .. تسمعوا الحكاية؟
الكورس : بس قولها من البداية.
عبد الحليم : هى حكاية حرب و تار بينا و بين الاستعمار ..فاكرين لما الشعب اتغرب جوه فى بلده؟
كورس : آه فاكرين
عبد الحليم : والمحتل الغادر ينعم فيها لوحده؟
كورس : مش ناسيين.
عبد الحليم: والمشانق للى رايح واللى جاى
ودم أحرارنا اللى راحوا فى دنشواى.
كورس : آه فاكرين.
عبد الحليم : من هنا كانت البداية.. وابتدا الشعب الحكاية..كان كفاحنا بنار جراحنا يكتبه دم الضحايا.
كورس : وانتصرنا انتصرنا انتصرنا.
عبد الحليم : انتصرنا يوم ما هب الجيش و ثار يوم ما أشعلناها ثورة نور ونار,.يوم ما أخرجنا الفساد.. يوم ما حررنا البلاد يوم ما حققنا الجلاء.
كورس : انتصرنا انتصرنا انتصرنا.
ترى لو كان حليم بيننا اليوم هل كان سيغني من جديد حكاية شعب .. فالشعب المصري رغم كل التحديات والصعوبات يقف في ظهر دولته مسانداً وداعماً .. شعب أنهى حكم الأخوان الفاشي ويحارب الإرهاب بقوة .. شعب كان وراء نجاح الإصلاح الاقتصادي رغم تداعياته عليه من رفع أسعار وغيره .. شعب يواجه كورونا .. شعب رائع راهن عليه الرئيس السيسي كسب الرهان .
أغاني حليم ألهبت المشاعر وأحيت الأحاسيس، وقد ترك رصيداً هائلاً حيث غنى نحو 67 أغنية وطنية، وفي النكسة والهزيمة غنى 10 أغنيات جسدت حالة الحزن والانكسار التي انتابت الشعب وقتها..يقول الراحل عبدالرحمن الأبنودي: بعد حدوث النكسة أقمنا في الإذاعة أنا وحليم والطويل 3 أشهر متصلة، أنا أكتب الأغاني ويقوم الطويل بتلحينها فوراً، وكنا في ذلك الوقت مشفقين على الشعب من هول الصدمة فجاءت الأغاني معبرة عن تلك الحالة، وحاولنا أن نرفع من معنويات الشعب ومنها " ابنك يقولك يا بطل "، و"أحلف بسماها وبترابها"..كما كانت "عدّى النهار" من أهم الأغاني التي صورت حالة الحزن التي ألمت ب"حليم" بعد وقوع النكسة، فقد كان العندليب ذا وطنية عالية، مهموماً بآمال الأمة العربية بل إنه لفرط إحساسه شعر وقتها أنه المسئول ومعه صلاح جاهين عن حالة الانكسار التي أصابت الشعب؛ فهو من هيأه ووعده بالنصر المظفر على يد القائد والزعيم ر فكان قراره أن يغني " أحلف بسماها وبترابها إلى أن ترجع سيناء مصرية. وفي نصر أكتوبر وعودة القناة غنى "المركبة عدّت" في احتفال مهيب أقيم بالإسماعيلية على ضفاف القناة.
(نبضة قلم )
كان مدرسة بحق ..!!
بقلم: علي هاشم
للنشر الخميس بتاريخ 2-4-2020
بالموقع
لا يزال عبد الحليم حافظ الذي نحتفل بالذكرى 43 لرحيله هذه الأيام قيمة ورمز حاضرة بقوة في الوجدان المصري حتى اليوم، وجزءاً من الذاكرة الوطنية، ولا تزال الأوبرا تخصص له حفلات سنوية يقدم خلالها كبار المطربين أغانيه ..وشتان بين ما قدمه "حليم" وما يفعله البعض من سخافات يسمونها للأسف غناءً، أمثال حمو وبيكا وشاكوش ومحمد رمضان.
قدم العندليب ورفاقه المبدعون إسهامات فنية ووطنية كبرى كرست لتماسك الجبهة الداخلية والتفاف الشعب خلف قيادته، ولم يكتف بذلك بل برع في أداء أغانيه العاطفية التي احتلت القلوب، فمن ينسى " جبار" و"زي الهوا" و"قارئة الفنجان"و "سواح" و"الحلوة" و"أي دمعة حزن لا" و"مداح القمر" و"موعود" و"صافيني مرة" و"بلاش عتاب" و"بأمر الحب" و"أبو عيون جريئة"..ولم تكن الابتهالات أقل حظاً في إبداع "حليم" الذي برع في أدائها بصورة أبكت العيون والقلوب، ومنها " أنا من تراب" و" أدعوك يا سامع" و"رحمتك في النسيم" و"ورق الشجر" و"يا خالق الزهرة".
العندليب مدرسة متفردة أدى بإحساسه العاشق لفنه المتفاني في إسعاد جمهوره، المتعطش للحب..غنى للخير والحب والثورة والقدس والعروبة ولم يترك مناسبة وطنية ولا قومية إلا وغنى لها معبرا عن مشاعر الملايين ..ولم يكن مستغرباً ذلك الأثر القوي الذي تركته أغاني حليم في النفوس، ذلك أن الأغنية شأنها شأن المسرح والسينما والثقافة عامة قوة ناعمة لا يستهان بها، بحسبانها سفيراً حضارياً بالغ الخطورة فما تحدثه أغنية واحدة أو فيلم جاد أو مسرحية من أثر يفوق مئات المقالات والدعاية المباشرة.. وهو ما ينبغي أن تلتفت إليه الدولة بالعودة لإنتاج الأغاني والأفلام الهادفة التي يمكنها إعادة صياغة وجدان الشعب وجعله على قلب رجل واحد لاسيما في الأزمات والمحن وتكريس قيم التسامح والولاء للوطن ..وأخيراً لو أن حليم ورفاقه المبدعين كانوا بيننا اليوم لتغيرت أشياء كثيرة، أهمها الارتقاء بالوجدان وإنقاذ الفن من السقوط والانحطاط الذى هوى إليه بفضل معدومي الموهبة والضمير ممن يتصدرون الساحة، ويفسدون الذائقة العامة ..وسوف يبقى السؤال: ما سر الحب الجارف الذي لا يزال يسري في وجدان الملايين تجاه عبدالحليم حافظ وأم كلثوم وغيرهما من نجوم الزمن الجميل بعد كل هذه السنوات..؟!