يا لمكر التاريخ عندما يصنعه الماكرون، عاد الفرقاء القدامى إلى ملعب الشرق الأوسط مرة أخرى فى لحظة تاريخية مختلفة، بعد 11 سبتمبر 2001 خطط الغرب لنقل المعركة برمتها إلى ملعب الشرق الأوسط بعيدا عن أراضيه، سواء بالحروب أو بمساندة الإسلاميين لحكم بلادهم وإشغالهم بالصراع السياسى، وبعد ذلك بالاقتتال الداخلى، عن تصدير كرههم وعنفهم وإرهابهم للغرب، بعد ما يسمى بالربيع العربى عاد الفرقاء بالجملة إلى الملعب، أردوغان الخليفة العثمانى المتخفى الذى رفض بخبث تتويج الإخوان المسلمين له خليفة فى أول زيارة له لمصر بعد سقوطها فى يد الإسلاميين عاتبا عليهم فى قرارة نفسه هذا التسرع العلنى الذى يخيف العالم من عودة شبح الخلافة، ولكنه فى داخله يعمل ويخطط لقيادة تركيا للعالم السنى مرة أخرى، وسقطت تونس وبعدها سقطت مصر وليبيا واليمن فى يد حلفاء أردوغان وأتباعه، وجاءت لحظة حلم بناء الإمبراطورية العثمانية بتسارع الرغبة والمشاركة التركية لإسقاط سوريا، عند هذه اللحظة قام التاريخ من مرقده ليرجع مشهد الصراع عدة قرون للوراء، إيران التى أدركت على الفور أن سقوط سوريا موجه لها وللشيعة بالدرجة الأولى، روسيا التى استشعرت خطورة الأحلام الأردوغانية عليها وعلى العالم، الغرب الذى يشجع ويرغب فى إطالة الصراع بعيدا عن أراضيه، أى أن لحظة الحقيقة تجلت على أرض سوريا، الصراع الصفوى العثمانى، الصراع السنى الشيعى، الصراع الروسى التركى، الصراع الغربى الإسلامى، صراع القوى العظمى على تشكيل قواعد جديدة للعبة.. باختصار فإن نتائج الحرب على أرض سوريا ستحدد شكل الشرق الأوسط. فى تقديرى أن أحلام أردوغان العثمانية القديمة ستسقط على أرض سوريا، فإيران وحزب الله وشيعة العراق بل والشيعة عموما لن يسمحوا أبدا بسقوط سوريا كاملة فى أيدى الإخوان بزعامة أردوغان، وأن يعودوا أقلية مضطهدة ومهمشة كما كانوا طوال التاريخ الإسلامى، وروسيا لن تسمح بذلك أيضا وتحرم نفسها من موطئ قدم فى المياه الدافئة فى طرسوس، والسنة بقيادة تركيا لن يقبلوا بهزيمة كاملة للعالم السنى على أرض سوريا، والنتيجة ستكون تقسيما متوقعا ليس لسوريا فقط ولكن للعراق أيضا، وهذا سيمنع أى طرف من أن يحقق انتصارا ساحقا على الطرف الآخر أو يتعرض لهزيمة ماحقة. الضحية الأكبر من جراء هذا الصراع ستكون الأقليات غير المسلمة فى الشرق، والفائز الأكبر سيكون الغرب وإسرائيل. ويبقى السؤال هل هذا السيناريو كان مخططا له فى الغرب بهذا الشكل؟ أم أن مرارات التاريخ أفرزت أو سارعت بهذه الجولة من الصراع مرة أخرى؟