كانت منطقة "العجمى" بشقيها "البيطاش والهانوفيل" منطقة هادئة تحتوى على أشجار البنفسج والريحان والتين والأشجار العتيقة، وكان أشهر ما يميزها عن باقى الإسكندرية هو احتواؤها على عدد كبير من الفيلات التي بناها فنانون مثل "عادل إمام وفاتن حمامة وعمر الشريف وعمرو دياب"، وجميعهم كانوا من سكان شارع الحنفية، كما كانت منطقة "الهانوفيل" المجاورة للبيطاش تضم النخبة من رجال الأعمال وصفوة المجتمع، فلا تزال فيلا العالم الأثرى إبراهيم عويضة موجودة في "الهانوفيل". ولا يزال شارع الحنفية أو صفاقس موجودًا، ولكن لا توجد فيلات كثيرة بسبب الثلاثى الموجود في العجمى وهم "المقاولون والكواحيل والعرب"، والذين اتحدوا جميعًا من أجل إخفاء معالم العجمى القديمة وقطعوا أشجار التين والبنفسج والفل والياسمين ليبنوا أبراجًا على أنقاض الفيلات التي إما باعها أصحابها أو قام عدد من العائلات المعروفة بالعجمى بوضع أيديهم على الأراضي في ظل غياب أصحابها المستمر، الأمر الذي جعل من "العجمى" حيًا لا يحبه أهالي الإسكندرية نظرًا للضوضاء المنتشرة في شوارعه ولوجود الأبراج الشاهقة التي أفسدت المشهد الجمالى للمنطقة بأكملها.
وقال عم كامل، الذي كان يعمل سائقًا مع سيدة أعمال سكندرية معروفة ل"فيتو": إن العجمى اختفت من على الخريطة السياحية، فلم يعد بها أي مشهد جمالى أو حضارى والأبراج التي تم بناؤها أصبحت تشكل خطرًا على المنطقة؛ لأنها حوّلتها من منطقة صفوة إلى عشوائية كل ساكنيها إما من القبارى أو المتراس أو الورديان الذين تركوا مناطقهم ليسكنوا العجمى وطبعًا لم يحافظوا على الجمال الذي كان بها. أما قصة الكواحيل والعرب كما يقول عم أحمد، فالمعروف عن العجمى احتواؤها على عدد من أبناء القبائل البدوية، ومنهم من هم متخصصون في هدم الفيلات وبناء أبراج سكنية بدلا منها.. وتبدأ القصة من منطقة "الهانوفيل" التي يوجد بها مقاول وسمسار في وقت واحد متخصص في ضرب الأوراق بالطريقة الأمريكانى كما يطلقون عليها وهى طريقة البحث عن وريث لأى فيلا لا يوجد لها صاحب ويتم عمل الأوراق عن طريق محامٍ بورقة مبايعة يتم تسجيلها في الشهر العقارى ويستكملون الخطوات من أجل هدم الفيلا الذين يحددونها ويقام بدلًا منها برج سكنى ضخم.
الأمر لم يتوقف عند ذلك فحسب، ولكن العجمى لم تعد المزار المناسب كما كان في الماضى، حيث هرب الفنانون أصحاب الفيلات ولم يأتوا لزيارتها، حتى أن الزعيم عادل إمام وعمرو دياب لم يزورا فيلاتهما منذ سنوات، الأمر الذي جعل أحد المافيا المتخصصين في سرقة الأراضي يتمكن من السطو على أرض مجاورة لها ووضع يده عليها في غياب وبنى برجًا دون ترخيص لتصل سعر الشقة فيه إلى 400 ألف جنيه رغم أن أسعار الشقق في تلك المنطقة لا تتجاوز ال100 ألف فقط.
لكن هذا الشخص كان يقول لمن يشترى إنه سيسكن بجوار عادل إمام وعمرو دياب، وهو ما يجعله يوافق على الفور ليفاجأ بأنه تم خداعه وسكن في منطقة تنتشر فيها الكلاب الضالة وتعانى من انهيار في شبكة الصرف الصحى، كما أن الفنانين لم يزوروا المكان أبدا؛ لأنه ببساطة اختفت الرائحة التي كانوا يحبونها ويأتون من أجلها وحلت محلها روائح الأسمنت والزلط والطوب الأحمر وصوت عمال البناء وهم يعملون كل يوم في سباق مع الزمن لإخفاء زمن قديم لا يحبه بدو العجمى أو مقاولوها، الأمر الذي يجعل حى العجمى من أول أحياء الإسكندرية التي يجب هدم المخالفات به خاصة أنه الحى الوحيد في الإسكندرية الذي لم يشهد أي إزالة لأي عقار مخالف؛ بسبب ترسانة الأسلحة التي يمتلكها البدو هناك.