استطاعت هوجة البناء العشوائي التي ضربت مدينة الاسكندرية فور اندلاع ثورة 25 يناير بأن تخلق مواقيت مختلفة في البناء وذلك ببدء العمل في الساعات الأولي من فجر كل يوم أثناء نوم الافراد حيث تدب الحركة بآلات ثقيلة وسيارات نقل عملاقة تتجول بأرجاء احياء الاسكندرية اما لنقل مواد البناء من الطوب والزلط وآخره أو لإلقاء مخالفات البناء فقد انتشرت ظاهرة البناء الليلي خاصة بالمناطق الراقية وبرغم تحرير مئات المحاضر ضد المقاولين ومنها الازعاج ووصف خطورة مخالفات البناء التي تحدث بجميع أنحاء المدينة فضلا عن خطورة هذه الأبنية المخالفة التي قد تؤثر علي البنية التحتية للاسكندرية إلا ان مصير هذه المحاضر تكون "حبيسة للادراج" ولم يتحرك ساكن لأي جهة رقابية سواء كانت من المحافظة أو الأحياء وهي التي تتحمل مسئولية ما يحدث حاليا بالاسكندرية ولم يتوقف البناء المخالف علي المناطق الراقية فقط ولكننا نراه بالمناطق العشوائية يتم بها البناء جهرا طوال ساعات اليوم لضمان عدم تعرض المباني لشكاوي الأفراد أو الجيران. قامت "المساء" بعمل جولة ميدانية لقراءة الواقع الأليم والذي يهدد الاسكندرية في ظل صمت المحافظة والأحياء وكافة الجهات الرقابية عن اتخاذ قرارات حاسمة لإنهاء هذه الفوضي وذلك من خلال رصد ظاهرة البناء الليلي والكشف عن أسباب اختيار هذا التوقيت في تشييد العقارات المخالفة. يقول رجب محمد من سكان منطقة المنتزه بأن السبب في بناء العقارات المخالفة من قبل هؤلاء المقاولين في أوقات متأخرة ليلا وانهم يبدأون العمل من الواحدة صباحا ويستمر حتي التاسعة صباحا يرجع إلي عدم امتلاك هؤلاء المقاولين للأرض أو لهروبهم من كافة الجهات الرقابية وعدم اصدارهم للتراخيص اللازمة للبناء مشيرا إلي ان الفترة التي اعقبت اندلاع الثورة شهدت الكثير من حالات التعدي علي الأراضي التي يتم بناؤها حاليا بدون علم ملاكها الأساسيين وهذا ضمن اسباب البناء ليلا لعدم ثبوت حالة التعدي علي المقاولين لاختفاء كافة أشكال الرقابة ليلا خاصة بالمناطق التي تعتبر حدود مدينة الاسكندرية القديمة والمتوقع اكتشاف آثار بها وضرورة حصول المقاولين علي رخصة من الهيئة العامة للآثار للبناء عليها. هذا أيضا من ضمن الأسباب التي تدفع هؤلاء المقاولون ومعدومي الضمائر من البناء في أوقات متأخرة ليلا اما لسرقة هذه الآثار أو هدمها إذا كان أثرا ثابتا واستكمال البناء فوقها وذلك بالإضافة إلي غفلة المحافظة وكافة أجهزة الرقابة سواء من الأحياء أو الشرطة مما خلق تربة صالحة لانتشار الفساد والتعدي علي الأراضي والفيلات التي تهدم بعدم علم أصحابها والبناء عليها. أضاف حسن رحال مدرس ثانوي ومن سكان منطقة العصافرة ان ظاهرة البناء العشوائي لها العديد من الآثار السلبية علي البنية التحتية مشيرا إلي ان كل منطقة سكنية لها تخطيط ودراسة محددة لشبكات المياه والصرف الصحي وكابلات الكهرباء وان البناء العشوائي يؤدي إلي الضغط علي هذه المنشآت مما يتسبب في ظهور مشاكل نقص المياه والاضرار بشبكات الصرف الصحي مضيفا بأن البلطجية والخارجين علي القانون قاموا بالاستيلاء علي عدد من الفيلات الذي لا يقطنها أهلها في منطقة العجمي وسيدي جابر وسيدي بشر وقاموا بهدمها وبناء أبراج بدلا منها. فضلا عن ردم أجزاء من الملاحات وتحويلها إلي محلات تجارية في بعض المناطق مثل سموحة ومحرم بك بالاضافة الي قيام عدد كبير من المقاولين ببناء الأدوار المخالفة أعلي العقارات بشكل ادي الي هبوط في القشرة الأرضية في عدد من الشوارع الرئيسية والفرعية. يوضح حسن فريكة بأن الاسكندرية حاليا اصبحت غابة وصراعات بين المقاولين واصحاب رأس المال والمواطنين البسطاء حيث اننا نجد ما يطلق عليه مافيا المقاولات الذين قاموا بالتوسع في البناء العشوائي حيث يقوم المقاول بشراء العقار الذي يتوسط عدة عقارات وعند هدمه تتأثر جميع العقارات المجاورة نتيجة خلخلة التربة مما يضطر السكان وأصحاب هذه العقارات إلي القيام بعملية التفاوض حتي تنتهي بالبيع ليقوم المقاول بهدمها ليتسني له بناء برج أو أبراج سكنية عملاقة تصل الي 22 طابقا في شارع لا يتعدي عرضه عدة أمتار وهذا يظهر جليا في حي المنتزه وشرق ووسط الاسكندرية والمثير ان عمليات الهدم والبناء تتم بدون ترخيص وفي وضح النهار بالمناطق العشوائية وليلا طوال ساعات الليل بالمناطق الراقية وتتم في خلال ايام معدودة في ظل غياب المحافظة لنجد امامنا عمارات اليوم الواحد التي يقوم فيها المقاول ببناء دور بالكامل كل يوم وحتي كورنيش المدينة لم يسلم منها فالكثير شرع في البناء واضافة العديد من الأدوار المخالفة والتعليمات خلال تلك الأزمة التي شهدتها الاسكندرية اذ يصل سعر المتر الواحد للشقة الي 15 ألف جنيه أي طابق من ألف متر يبلغ سعره 15 مليون جنيه ويمكننا القول بأن حالات التعدي طالت جميع أحياء الاسكندرية كحي شرق والغرب ووسط بينما شهد حي المنتزه أكبر عملية بناء عشوائية خلال الأيام الماضية مما أثر سلبا علي أسعار مواد البناء حتي وصل طن الأسمنت إلي 1500 جنيه وطن الحديد إلي 8 آلاف جنيه للطن الواحد اضافة الي هدم عشرات الفيلات بمناطق رشدي وكفر عبده وسيدي جابر التي تعتبر أرقي الأحياء السكنية بالمدينة. اضافة إلي منطقة العجمي اما الأمر اللافت للنظر هو تحويل مئات الشقق الأرضية إلي محالات تجارية خاصة في مناطق سموحة والابراهيمية ومحرم بك فلم يتجاوز سعر الشقق بالمنطقة 3 آلاف جنيه للمتر وحين تحويلها إلي محلات تجارية فيتجاوز سعرها 20 ألف جنيه. تقول فادية رضوان من سكان منطقة سيدي جابر ان البناء العشوائي اصبح سمة اساسية في هذه الآونة شاكية من الأصوات التي تصدرها آلات البناء الثقيل من الحديد والزلط واللوادر والأوناش التي تقوم بدهس الشارع الذي تسكن فيه بمنطقة سيدي جابر الشيخ في أوقات متأخرة ليلا وتمنعها من النوم لكثرة عمليات الازعاج والأصوات التي تصدرها من تكسير وحفر وصراخات بين العمال وبعضهم مضيفة بأنها قامت بتحرير أكثر من محضر بقسم شرطة سيدي جابر دون رد فعل فضلا عن مئات المحاضر التي تقدم بها السكان بنفس المنطقة ولا يتحرك ساكن سواء من الشرطة أو المحافظة أو حي الشرق المفترض من أهم وظائفه مراقبة منطقة سكنها. أشارت إلي ان البناء يتم بشارع فرعي من شارع عبداللطيف الصوفاني بسيدي جابر الشيخ ولا يتعدي عرضه أكثر من ستة أمتار وبرغم ذلك فإنه يشهد بناء ثلاثة عقارات في وقت واحد يصل العقار الواحد إلي 15 دورا فضلا عن استغلال احد المقاولين هجرة مالكة الفيلا التي توجد بنفس الشارع وقام بهدمها بدون أي وجه حق ويقوم حاليا بحفر أرضها تمهيدا للبناء عليها مشيرا إلي ان صاحبة هذه الفيلا قامت بالهجرة إلي فرنسا منذ أكثر من 30 عاما ولا أحد يعرف طريقها حاليا مما جعل معدومي الضمائر ينتهزون هذه الفرصة للانقضاض عليها وبنائها مطالبة بتحرك الجهات الرقابية والمحافظة لإنهاء هذه الفوضي التي سوف تصبح وصمة عار في جبين جميع المسئولين حاليا.