كانت التوقعات بعد نجاح ثورة25 يناير أن ينجح الشعب المصري في القضاء علي السلوكيات الخاطئة المرفوضة واحترام سيادة القانون ولكن ما حدث ويحدث في الاسكندرية يؤكد أن ذلك ضرب من ضروب الخيال حيث شاهدنا أبراج الثورة.. عقارات اليوم الواحد, عقارات سريعة التجهيز.. مصطلحات تتردد بين مواطني الاسكندرية عقب ثورة2 يناير قد تكون مجرد كلمات ولكنها في حقيقة الأمر تعبر عن كارثة تعيشها محافظة الاسكندرية منذ عدة أشهر.. كارثة تحتضن بين جنباتها قنابل موقوتة شديدة الانفجار.. ملامحها مئات الآلاف من العقارات التي بنيت خلال ثمانية أشهر أما نتيجة هذه الكارثة فهي بناء عشوائي ماقبل الثورة هذه الإسكندرية التي لن تتحمل الإسكندرية جديدة فوق إسكندرية زلزالا لا يتعدي5 ريختر لتدمر تماما.. ويقود الكارثة مافيا الأراضي والمقاولات والعقارات المخالفة, تلك الفئة التي اكتسبت قوتها من الغياب الأمني الذي تحالف مع غياب الضمير وساندته انعدام الرقابة.. أما ما ينطق به الواقع فيعد كوارث ومآسي وجرائم بلا عقاب نتج عن كل هذا أن أصبحت الإسكندرية بعد الثورة ايلة للسقوط. ولأن الإسكندرية بلا مسئولين بعد الثورة وإن وجدوا فممنوع الحديث, قررنا القيام بجولة ميدانية لقراءة الواقع المرير الذي تعيشه المدينة فنصطدم في البداية بأرقام مخيفة فهناك أكثر من100 الف مخالفة بناء قام شباب الثورة بحصرها من يناير وحتي الآن.. والمضحك اعلان أحد المسئولين بالمحافظة أن الحصر لا يتعدي8 آلاف مخالفة فقط أما الواقع فيؤكد أكثر من150 الف مخالفة بناء عشوائي وهدم بدون ترخيص.. هذا الرقم تولد من رحم الهجمات الشرسة علي هدم الفيلات حيث شهدت مناطق الاسكندرية الراقية مثل كفر عبده ولوران هدم عشرات الفلل خاصة بشارع سرهنك وأيضا المناطق السياحية مثل منطقة العجمي التي شهدت هدم أكثر من50 فيلا خلال الأشهر القليلة الماضية وبناء مئات من العقارات الشاهقة تصل الي أكثر من17 طابقا وقد اطلق عليها شعب الاسكندرية التوحش الجنوني للبناء المخالف بالعجمي... والمفاجأة ان عمليتي الهدم والبناء تمت دون الحصول علي ترخيص أو حتي إذن من السادة المسئولين الذين لا ندري اين هم من تلك الكوارث؟! وفي هذا السياق نجد ما يطلق عليه مافيا المقاولات الذين تفتقت أذهانهم عن إجراءات جديدة للتوسع في البناء العشوائي حيث يقوم المقاول بشراء العقار الذي يتوسط عدة عقارات وعند هدمه تتأثر جميع العقارات المجاورة نتيجة خلخلة التربة مما يضطر السكان واصحاب هذه العقارات الي القيام بعملية التفاوض حتي تنتهي بالبيع ليقوم المقاول بهدمها ليتسني له بناء برج أو ابراج سكنية عملاقة تصل الي22 طابقا في شارع لا يتعدي عرضه عدة أمتار وهذا يظهر جليا في حي المنتزه ووسط الاسكندرية والمثير ان عمليات الهدم والبناء تتم بدون ترخيص وفي وضح النهار وخلال ايام معدودة دون أن ينبس احد بكلمة فتتولد امامنا عمارات اليوم الواحد التي يقوم فيها المقاول ببناء دور بالكامل كل يوم!!!! اين النظريات والأسس الهندسية والعلمية المتبعة في عملية التشييد والبناء؟ لا ندري!! ومن العجائب ايضا التي تشهدها احياء الاسكندرية خاصة حي شرق صرعة التعليات علي العقارات الحالية حيث يشهد طريق الكورنيش علي سبيل المثال تعليات لعدد كبير جدا من العقارات واضحة وضوح الشمس.. ولأن اللمسات الفنية ضرورية يقوم اصحاب تلك العقارات بوضع اعلانات مضيئة لتغطية الفاصل بين البناء القديم والبناء الجديد التعلية حتي وصل حجم المخالفات في حي شرق فقط الي2327 مخالفة خلال أشهر قليلة ووصل حجم المخالفات في حي وسط الي أكثر من2000 مخالفة هذا علي أقل تقدير.. كل هذا لايتم بالطبع الا بمساعدة من بعض ضعاف النفوس من العاملين في الإدارات الهندسية بأحياء الاسكندرية. ويشهد الواقع المرير للمدينة أن المناطق العشوائية لم تسلم من البناء الجنوني العشوائي فقد شهدت مناطق كثيرة مثل الحضرة القبلية والبحرية والحضرة الجديدة هجمة شرسة من بعض ابطال مافيا البناء المخالف بدون ترخيص وايضا التعليات حيث ظهرت في غضون ايام مئات العقارات الشاهقة التي تصل الي16 طابقا واحيانا22 طابقا.. وهنا يزداد الأمر خطورة حيث يقوم المقاولون ومافيا الأراضي بالاستيلاء علي الأراضي الزراعية الخاصة بالاصلاح الزراعي ومن منطق القوة وضعف القانون وتحويلها الي غابات اسمنتية دون أن يحرك أحد من المسئولين ساكنا! ولأن صرعة البناء العشوائي السريع مازالت في أوجها لم تترك مافيا الأراضي والمقاولات الطريق الدائري الذي يربط وسط المدينة بشرقها حيث ظهرت خلال أشهر قليلة مئات العقارات المرتفعة علي طول الطريق.. كل عقار لم يستغرق بناؤه أكثر من أسبوع بتشطيبه وتسكينه ايضا للحيلولة دون تنفيذ القانون الذي يقف مكتوف الأيدي ولا يطبق في حالة وجود سكان بالعقار المخالف.. كله بالقانون حتي المخالفة حمايتها بالقانون!! وعند البحث عن أسباب ولادة هذه الكوارث بالشكل المخيف جاءت الاجابة من بين نبرات الخوف والرعب اللذين يتملكان المواطن السكندري, فالغياب الأمني وغياب الضمير وانعدام الرقابة أسباب رئيسية بالإضافة الي وجود الكحول وبوفرة.. وهو المفتاح السحري لعملية الهدم والبناء الجنوني بدون ترخيص.. هذا الشخص المجهول الذي يساومه المقاول علي أنه صاحب الأرض والعقار فتدون محاضر المخالفات باسمه وعندما يحين وقت المحاسبة يصبح شخصية هلامية لا وجود لها.. والنتيجة جريمة بلا جان فلا عقاب الي جانب ضياع ملايين من الجنيهات علي الدولة قيمة المخالفات. أما السبب الثالث.. فهو متمثل في الشائعة التي انطلقت في الفترة الأخيرة بأن هناك قرار باتمام التصالح مع المخالفات دون أدني عقوبة مما شجع القائمين بالأعمال المخالفة علي الاستمرار فيها بل التوسع في البناء العشوائي مادام القانون في اجازة! والأمر الأكثر غرابة الذي تشهده الاسكندرية حاليا أن اسعار الوحدات السكنية في آلاف الأبراج الشاهقة مازالت مرتفعة الثمن لماذا لا ندري؟ علي الرغم من تحذير المسئولين بعدم شراء الأدوار العليا في الأبراج السكنية الجديدة لأنها مخالفة ولابد من الابلاغ عنها.. ونحن بدورنا نتساءل.. وماذا عن الأدوار الأولي في العقارات التي تم بناؤها بدون ترخيص.. وما موقفها القانوني؟ ما الخسائر المترتبة علي تلك الكوارث التي تشهدها الاسكندرية الآن؟ سؤال يجيب عنه الباحث الاقتصادي علاء حسب الله عضو جماعة الإدارة العليا بالاسكندرية يقول.. لقد قام شباب الثورة بحصر أعمال البناء المخالف من هدم وبناء وتعليات فجاءت الأرقام مخيفة حيث وصلت الي100 الف مخالفة عند ترجمتها من النواحي الاقتصادية نجد مالا يقل عن5 مليارات جنيه مكاسب للمقاولين كحد أدني وتصل الي10 مليارت جنيه كحد أقصي أما عن خسائر الدولة فهي ذات الرقم5 مليارات جنيه اذا لم توقع غرامات مجحفة خاصة أن هذه المخالفات ستضيع علي الدولة ملايين من الجنيهات بين ضرائب ودمغات وموافقات حكومية رسوم التراخيص. ويضيف.. الأمر الغريب والخطير أنه رغم هذا الكم الرهيب من البناء العشوائي يشهد المجتمع السكندري بصفة خاصة والمجتمع المصري بصفة عامة ركودا في حركة البيع والشراء بالسوق العقاري وصلت خسائره الي مليار جنيه هذا العام.. وما يدعو للدهشة في الاسكندرية رغم هذه الأبراج المخالفة أن الوحدات السكنية مرتفعة الثمن ولم تقل قيمتها عما كانت قبل الثورة.. بل شهدت خلال الأيام القليلة الماضية ارتفاعا غير مبرر.... مشيرا الي أن المشكلة تكمن في الأفق الضيق لأصحاب العقارات في التركيز علي التوسع الرأسي وليس الأفقي والضغط علي البنية القديمة للمدينة التي أصبحت معظم المناطق بها تعاني من الانقطاع المستمر للمياه والكهرباء.. وهذه المشكلة ومسلسل المخالفات تشهدها المدينة منذ عهد اللواء عبد السلام المحجوب أول من سمح بالبناء لأبراج وعقارات شاهقة الارتفاع بالشوارع الضيقة حتي وصل عدد المخالفات في عهد اللواء عادل لبيب الي نحو57 الف مخالفة. وعن الحلول المقترحة لهذه المشكلة الكبيرة يقول: لابد من تنفيذ قانون البناء الموحد والتوسع العمراني الأفقي بغرب الاسكندرية والا ستدفع المدينة ثمنا باهظا نتيجة البناء المخالف العشوائي وأكبر مثال علي ذلك ما تشهده منطقة بحري ورأس التين وهي الاسكندرية القديمة من هدم لمبانيها العتيقة ذات التراث المعماري التاريخي وبناء الأبراج الضخمة مما أضاع ملامح تلك المنطقة التاريخية الجميلة اننا نهيب بالقوات المسلحة سرعة التحرك لإزالة تلك المخالفات فورا بالتعاون مع الأجهزة والشرطة لانقاذ ماتبقي من جمال لمدينة الاسكندرية.