ما بين مارس 2018 والآن شهد المجتمع المصري عدد 17 حالة انتحار على الأقل. انتحرت تسع طالبات، الأولى أمس بخنق نفسها بإيشارب بسبب فشلها في الدراسة، والثانية في ديسمبر الماضي بعد أن عاقبها والدها لتحدثها مع أحد الشباب وسحب هاتفها المحمول منها، الثالثة في أغسطس 2018 بسبب خلاف مع خطيبها، والرابعة في الدقهلية في منتصف يونيو بتناولها أقراصا سامة بسبب الامتحانات. والخامسة في الإسكندرية في الثالث من يونيو الماضي بسبب خوفها من الفشل الدراسي، والسادسة في مارس الماضي بسبب المشاجرات الدائمة بينها وبين شقيقها، الفتيات السابعة والثامنة والتاسعة انتحرن بإلقاء أنفسهن أمام المترو، الأولى في ديسمبر عام 2018 وقد انتحرت بإلقاء نفسها أمام المترو بمحطة دار السلام، والثانية في يوليو 2018 بإلقاء نفسها أمام مترو ماري جرجس، والثالثة منذ أسبوعين بمحطة مترو ساقية مكي. بالنسبة للشباب، فما تمكنت من جمعه من معلومات - مما هو منشور يشير إلى انتحار ثمانية شباب خلال العام الماضي، فأمس انتحر شاب بشنق نفسه بعد أن قامت مشادة بينه وبين والده قام على إثرها الوالد بطرده بعدما ترك الشاب عمله، والثاني في الرابع من الشهر الحالي في البدرشين، حيث قام بالانتحار بشنق نفسه بعد أن تراكمت عليه الديون، وفي الشهر الماضي انتحر شاب ثالث بتناول مادة سامة بعدما مر بأزمة نفسية بعد تطليق زوجته، وفي ديسمبر 2018 انتحر الشابان الرابع والخامس.. الأول أطلق النار على نفسه في أحد شوارع المرج، والثاني في الشهر نفسه بأن ألقى بنفسه في النيل بعد أن كتب وصيته على فيس بوك، وقبلها بشهر انتحر شاب بأن ألقى بنفسه في النيل من على أعلى كوبري الساحل، وفي الشهر نفسه، نوفمبر 2018، انتحر السادس، وهو طبيب بأن ألقى بنفسه من الطابق العاشر في مدينة دمنهور. الشاب السابع، انتحر في أكتوبر الماضي شنقًا لمروره بأزمة نفسية أو لإصابته بمرض نفسي، أما الشاب الثامن فقد انتحر في يونيو الماضي في الصف بالجيزة لمروره بأزمة نفسية. البعض قد يرى أن الأمر لا يشكل خطورة لارتفاع عدد السكان، لكن الحقيقة تقول غير ذلك، فمعدل انتحار الشباب مما جمعته من معلومات يشير إلى أننا نقترب من تسجيل حالتي انتحار كل شهر، وهي نسبة كبيرة جدا على الأقل فيما نعرفه عن مجتمعنا المسلم. قد يرى البعض أن أصابع الاتهام يجب أن توجه أولًا إلى المنتحرين بسبب نقص إيمانهم، ولكن المتهم الحقيقي هو المجتمع الذي دفع بالشباب إلى الانتحار. معظم حالات الانتحار تكون بسبب خلافات مع الأهالي لارتكاب المنتحرين سلوكيات لا ترضي أهاليهم، أو بسبب تعنيف وتوبيخ الأهالي لهم بسبب حالتهم الدراسية، ولجأت الفتيات للانتحار لشعورهن بالعجز أمام ما يرينه تشددا من سلطة الأهل وبخاصة الأب والأخ. قد يكون السبب من وراء عدم وجود حملة قومية حتى الآن ضد الانتحار هو عدم رغبة الجهات الرسمية في نشر صورة سلبية عن المجتمع وإثارة الفزع بين أفراده، لكن السكوت لا يقلل من حجم معدلات الانتحار. جريدة النهار اللبنانية قالت إن أحدث الإحصاءات المتاحة على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية تشير إلى أن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري، أن هناك قرابة 88 ألف شخص ينتحرون كل عام. قد يرى البعض مبالغة في وصف الانتحار بمصر بالظاهرة، لكن إذا كان ما تم جمعه من المعلومات الواردة هنا يقول إن هناك معدل الحالات وصل إلى 1٫8 حالة انتحار كل شهر، فماذا ننتظر؟ وما هو العدد المطلوب أن ينتحر حتى تبدأ الدولة في التحرك؟ وزارة الصحة في الحقيقة قامت بدراسة في أبريل 2018، أجريت على عينة من 10 آلاف و648 طالبًا وطالبة، تراوح أعمارهم بين 14 و17 عامًا. الدراسة وجدت أن 21.5 بالمائة من طلاب المرحلة الثانوية في مصر يفكرون بالانتحار. فيما يعاني 29٫3٪ مشكلات نفسية بينها القلق والتوتر والاكتئاب، و19٪ بلغوا حد إيذاء النفس، بينما لجأ 33٫4٪ من عينة الطلاب للعلاج لدى طبيب نفسي، و19٫9٪ لجئوا لصيدلي، و15٪ لجئوا لنصائح الأصدقاء. الدكتورة سهير لطفي أستاذة علم الاجتماع تقول إن البعض ينتحر بسبب شعورهم بالضعف ورغبتهم في التخلص في الذات الضعيفة، وأن البعض قد يكون لديه قدرات رائعة محبوسة داخله وعند مروره بأزمة يلجأ للانتحار للتخلص من الحياة نفسها. البعض يرى أن أسباب الانتحار اقتصادية، فيما يرى البعض الآخر أن الحالة الاقتصادية بريئة لأن هناك من يعاني اقتصاديًا بدرجات أكبر من المنتحر ولا يُقدم على الانتحار أو حتى يفكر فيه. المؤيدون لتبرئة الأوضاع الاقتصادية من دماء المنتحرين يرون أن السبب وراء الانتحار هو تعاطي المخدرات والاكتئاب وغير ذلك من أمراض نفسية. بغض النظر عن دوافع الانتحار، فإن الأمر –في رأيي المتواضع– يحتاج إلى حملة قومية لمواجهة الانتحار، وحملة لمن لديهم مشكلات نفسية. قد لا ينتحر الشباب وبخاصة من الذكور بإنهاء حياتهم، البعض ينخرط في جماعات متطرفة لمواجهة المجتمع، وهو نوع آخر من الانتحار النفسي. وسؤالي هو: ألم يأن الأوان لتدشين حملة قومية لمواجهة الانتحار؟ أم أن المطلوب نقف متفرجين ومعدلات الانتحار في المجتمع المصري في ازدياد.