هل تحولت المنيا إلى حكاية نسمع منها كل فترة جزء منها يثير دهشتنا أكثر من الجزء السابق من الحكاية.. أم تحولت إلى لغز يصعب حله ويحتاج إلى مسابقة عالمية لتفكيكه؟ هل تبدو المنيا جزءا مختلفا عن باقي مصر المحروسة لذلك ننظر إليها في سياق مختلف عند حدوث مشكلات وقضايا فيها تحتاج إلى حلول بعيدة عن القانون وبعيدة عن مفهوم هيبة الدولة وسيادتها على أرضها وشعبها؟ هل التطرف في المنيا أشد من التطرف الذي هزمناه في سيناء ويلفظ أنفاسه الأخيرة؟ عشرات الأسئلة الحائرة – التي تدعو للخجل والرأي العام يطرحها – تطفو على السطح كلما تكرر فيها حادث بغيض بنفس السيناريو وبنفس النتائج المعروفة سلفا، وعشرات الأسئلة التي تنطلق من الألسنة على استحياء شديد تقول معظمها.. أين القانون.. أين الأجهزة المعنية.. بل أين الدولة مما يحدث في المنيا منذ 2011 وحتى الآن؟ ورغم كل هذه الأسئلة.. لا إجابة شافية، ولا حل، ولا مجرد رد.. إلا الردود الدبلوماسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي تنصرف إلى جلسات عرفية وكلام مصاطب واختلاط العام بالخاص وتفاهمات واتفاقات إذعان للطرف الضعيف مهما كانت الجريمة، ومهما كان الاعتداء الصارخ الواضح! المنيا حكاية لا بد أن يوضع لها نهاية لأنها عنوان جذاب لكل القوى المتربصة بالوطن في الداخل والخارج، ولأنها مادة خصبة وثرية وفتيل قابل للاشتعال في وقت لم يعد لدينا فيه رفاهية تضييعه أو إهداره، والمنيا وما يحدث فيها مانشيت يضرب المواطنة في مقتل ويطرحها على الأرض لمس أكتاف، وهذا بالتحديد ما يريده عدو المصريين من المسلم والمسيحي ليس في المنيا فقط ولكن في كل شبر من أرض مصر. المنيا حكاية ساطعة سطوع الشمس في كبد السماء، ويبدو أن أحدا لا يريد أن يراها، وإذا رآها لا يتوقف أمام ما يحدث فيها متأملا، ولا معتبرا مما يحدث ويسبب ألم وعذاب لهؤلاء المجني عليهم من تشدد وجبروت فئة متطرفة يعرفها الداني والقاصي، قتل في الفترة من 1992 حتى 1998 بيد المتطرفين 127 من الأقباط رجال ونساء، وبحلول نهاية التسعينيات تم حرق "خمس كنائس واتنين من المنظمات الخيرية و38 شركة يملكها أقباط".. وفي مايو 2010، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقرير عن زيادة "موجات من هجمات الغوغاء من جانب المتشددين المسلمين ضد الأقباط".. وهنا تكمن الخطورة التي تتعرض لها مصر باستمرار من الخارج! بعد أحداث يناير سقط القناع عن الوجه القبيح للتطرف والتشدد والتعصب عندما أطلق مرسي وجماعته الإرهابية مساجين متطرفين من السجون قاموا باعتداءات بشعة على الاقباط وصلت إلى حد قيام السلفيين في محافظة قنا بقطع أذن رجل قبطى بحجة وجود علاقة بينه وبين سيدة، وبرروا ذلك بأنهم يطبقون شرع الله وقاموا بإحراق بيته الذي يعيش فيه، ومرت الجريمة مرور الكرام وبلا عقاب رادع أو وجود واضح وقوي لهيمنة الدولة والقانون، ومن يومها يتكرر الفعل ولكن بشكل مختلف بين تهجير من البيوت، ومنع صلاة، وفرض حظر حركة في بعض القرى وصل لحد المنع من التصويت في الانتخابات، وحرق كنائس ومحال أكل العيش! وتظل أحداث قرى (طهنا الجبل، وأبو يعقوب، وقرية الكرم التي شهدت تجريد سيدة مسنة من ملابسها وسحلها، وقرية كوم اللوفي، والناصرية، والجلاء، وميانة الوقف، وغيرهم من القرى) شاهدة على أن المنيا حكاية بحجم قنبلة شديدة التفجير قابلة للانفجار في أي لحظة! كل إجراءات المصالحات والتنازل عن الشكاوى، وإقامة احتفالات التصالح أمام الجميع وعودة الاستقرار والأمن بين الأهالي لن يحل اللغز الذي يعشش في المنيا، ولن ينزع فتيل الفتنة النائمة مهما حللنا وبررنا وقلنا إنها حالات فردية لا ترقي للظاهرة، والحقيقة أنها صارت أكبر من الظاهرة! الحديث عن المنيا مؤلم والحقائق فيها صادمة ونحن نحاكي النعام وندفن رؤوسنا في الرمال الملتهبة ومع ذلك لا نمل الحديث عن المواطنة، ولا يتوقف التعصب، ويبدو أن الرئيس هو فقط من يؤمن بالمواطنة وحق جميع المصريين بالعيش على أرضها في سلام ويعمل على ذلك بكل طاقته.. بل يؤكد على وجود الكنيسة كما يؤكد على وجود المسجد في أي مجتمع جديد يتم بناؤه. الدولة لا بد أن تفرض هيبتها على كامل ترابها، ولا يسود فيها غير القانون وعلى الجميع مهما علا شأنه ومهما كان دينه، لأن أكثر ما أخشاه أن ينفلت العيار وينفك عقال التشدد والتطرف ونضطر لفتح سفارة لمصر في المنيا ترعى مصالح المصريين فيها!! اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.