الثقافة: افتتاح مسرح محمد عبد الوهاب عقب انتهاء إجازة العيد في مجلة آخر ساعة عام 1948 كتب الموسيقار محمد عبد الوهاب مقالا قال فيه: في موسيقانا الحديثة أربع نغمات هي أعذب النغمات بل هي أساسها وجدارها ونقطة ارتكازها. وهذه النغمات ليست من مقامات الموسيقى المعروفة فلا هي من السيكا ولا من البياتي ولا من الحجاز.. إنها نغمات أخرى من مقامات عبقرية خالدة. كانت موسيقانا قبل هذه النغمات بدائية هزيلة وكانت أناشيد الأذكار أعمق ما فيها وكان جمهور مستمعيها من الصهبجية والحشاشين ليس فيها ذوق ولا جمال مثل: شفتوش علىّ يا ناس.. لابس قميص ولباس.. وبيلعب البرجاس.. على القنطرة. جاءت النغمة الأولى فنقلت أغانينا من غرز الحشاشين إلى صالونات العظماء والكبراء وسيطرت بجمالها على الأدباء والشعراء.. هذه النغمة هي عبده الحامولي، أي سي عبده الذي استطاع أن يجعل للمطرب اعتبارا وأن يرغم الأعيان على سماع موسيقانا بعد أن كانوا لا يسمعون إلا الموسيقى التركي. كان عبده إنسانا حساسا يظهر عواطفه في أغانيه فيصل بإحساسه إلى قلوب مستمعيه فيشاركونه نشوته أو بكائه وحزنه. أما النغمة الثانية فهي محمد عثمان الذي سلبه الله صوته القوى وجعلته هذه المحنة يفكر في الموسيقى الصامتة ويتخذ منها عوضا عما فقده من صوته، أمكنه بحسه المرهف وعبقريته الفذة أن يدرك أن الموسيقى ليست أنغاما بلا حدود، فهم أن الموسيقى ليست كلمات مرتجلة بلا هدف، وقام بتلحين كل شيء حتى الموال واعتمد على التخت. لقد فرض عثمان على سامعيه أن يطربوا بعقولهم وقلوبهم لا بآذانهم فقط وكان مستمعوه يرقصون لموسيقاه. والنغمة الثالثة هي الشيخ سلامة حجازي، إنه أول من ارتفع صوته بالغناء المسرحي وكان صوته قويا حلوا فجعل الأغاني ترمى إلى هدفا. أما النغمة الرابعة فهى الشيخ سيد درويش هذا الفنان العبقري العظيم الذي جعل موسيقانا معبرة، واستطاع أن يجعل ألحانه تتكلم وتنطق وحدها وفي استطاعة أي إنسان أن يميز ألحان الشيخ سيد مجردة من كلامها. هذه هي النغمات الأربع أو العبقريات الأربع التي جعلت للموسيقى المصرية الحديثة معنى، فقد عملوا وتجلت عبقرياتهم ومواهبهم الطبيعية.