لا أستطيع كتابة المقال بضمير الغائب، هذا الأمر يؤلمني، أكتب إليك يا رضا وأعلم أنك تقرأ وأعلم أنك تضحك، أعرفهم بك يا صديقي فهذا حقك عليّ، هم الغائبون وأنت الحاضر، عشت معك في سكن واحد وهذا -لعمري- نعمة كبيرة حرم منها الكثير، العيش بصحبتك نعمة تستحق حمد الله ليل نهار. أن أكون جليسك في الشقة أن نقف في البلكونة، أن تأتي من عملك متأخرا توقظني فقط لكي تحكي معي، أن أرى وجهك الضحاك في كل يوم صباحا ومساء، أن نقف في المطبخ نتابع كيف يغلي البيض، أن نتقاسم مهام عمل الشاي وكأنه شيء عظيم ننجزه سويا، أن نتكاسل عن كل شيء، أن نتشاجر من يحضر الماء ومن ينزل يفتح الباب للدليفري، ومن عليه الدور، أن تعلو ضحكاتنا حين يسكن الليل ويسود الصمت العالم، والله إنها لنعم. هل تعلم يا رضا ماذا فعل غيابك؟ هل تعلم كيف استطاع «ناصف» أن يقوينا ويظهر تماسكا مصطنعا فضحته عيناه، هل علمت ماذا قلت أنا و«أسواني» عنك في حديثنا، كنا نضحك يا صديقي، لم يفهمنا العالم، يتعاملون مع الموت بطريقتهم لا يريدون أن نضحك، معذورون لم يعرفوك كما عرفناك، لم تترك لهم إرثا كما تركت لنا. «ذهبنا إلى بلدك (ضهر التمساح) اللي كلت دماغنا بيها»، هل قرأت نعيك وكيف ظهر اسمها في الجورنال منيرا، كان حقا علينا أن نشهرها قبل مماتك، حسنا سنفعل، بلدة حملتك صغيرا تستحق أن تخلد في ذاكرة الجميع. أريد أن أخبرك بأن الناس علمت قصة أنك وحيد، وأن أباك وأمك انتظرا أكثر من خمسة عشر عاما حتى أتيت تعويضا عن صبرهما، هل تذكر يا صديقي مقولتك لي «يا ابني أنا وحيد أبويا وأمي، أمي بتقول رضا راح رضا جه». هل فرحت بمنحك العضوية الشرفية لنقابة الصحفيين، هل تعلم أن الدفعة سميت باسمك.. الآن وأنا أحد المتقدمين لها أطلب من الله أن أقبل فيها «أنا والسويفي ومنعم وكامل»، لتكتمل فرحتنا ونتشرف بدخولنا دفعة «رضا غنيم». عشت عظيما ومت عظيما، قرأوا كتاباتك الآن يا رضا، علموا كيف كنت صحفيا من طراز خاص، عرفوا موهبتك وقدروك حق قدرك، لم تحظ بشهرة كافية في حياتك لكن الآن انتبهوا. هل تعلم كم عدد المرات التي قرأت فيها ما كنا نكتبه لبعضنا، كيف كنا نضحك على كل شيء في الحزن والفرح، الآن يطلبون مني السكوت، حتى لا أزيد أوجاعهم، لم يعلموا يا صديقي أن كل ما تركته ضحكا واستخفافا بهذا العالم وهذه الحياة، فكيف نبكي وكيف نحزن. اعذرني يا رضا دموعي سبقتني وسبقتنا كلنا عند نزولك إلى القبر، كلمات أمك أوجعتنا «يا أبو مخ نضيف يا شاطر»، محقة كانت وصادقة نسأل الله لها الصبر والقوة، سأحكي لها كيف كنت تشتاق إليها في ليالي الشتاء الحزينة، وكم كنت تريد حضنها، وكيف كنت تعوض وحدتك فينا، وماذا فعلت بنا القاهرة نحن أبناء الريف. لسنا نادمين ولم نكن مقصرين معك، أنت بالذات تعلم أننا كنا نعبر دوما عن حبنا لك، نعتبرك طفلنا المدلل، «وشات الجروب يشهد» هل تتذكر مقولة «رابطة محبي ميشو»، اتفقنا اليوم أن نجتمع، وكتبنا ذلك في «جروب ويمبي» وتذكرنا مقولتك «والله عيب» وضحكنا، «الواد كيمو منشنك». كتبت اليوم «بوست» أعدك بأني سأضحك كما كنت تضحك في الحلم، وفوجئت بأنك أتيت لهم أيضا تصبرنا على فراقك، تعزينا وأنت صاحب العزاء، أكتب وأمحو كثيرا ما أكتبه، الآن لا أعلم هل هذا سينشر أم لا؟ لكن الكتابة جزء منك، أكتب لأنك تحبها يا «كتيب». الآن أنا حزين يا رو، ورفاق ويمبي حزانى، ماذا ستفعل كنت قادرا على إذابة أحزاننا، فهلا فعلت، امنحنا رؤياك في المنام هذا يكفي لكي يبتسم لنا العالم ويحبنا، رحلت وأنت العالم الذي يحبنا.