مازلنا نعيش أحلام الماضي ونتمنى أن نعود إلى زمن الفن الجميل، وقد تحقق ذلك من خلال قناة "ماسبيرو زمان" التي أعادت للأذهان وللشاشة التليفزيون القيم الجميلة، والأهداف النبيلة والألفاظ الراقية التي تعجز البرامج الحالية عن تقديمها للمشاهدين، والأهم من ذلك كله أعاد إلينا مرة أخرى القدرة على التقييم، فبينما نشاهد تلك البرامج القديمة نجد أنفسنا بلا وعي منا في عقد المقارنات بين المستوى الثقافي والفني والأخلاقي لمحتوى البرامج وما نشاهده اليوم من تدنٍ في المستوى العام للبرامج. فالتليفزيون يملك تراثًا زاخرًا لا يمكن تجاهله واستمرارية هذه القناة سيؤدي بالضرورة إلى تحسين نوعية البرامج الحالية، فهي تعرض وتقدم نموذجًا يحتذى به، وإن كانت هناك محاولات جادة من القائمين على إدارة التليفزيون لتطويره حتى يستطيع أن يدخل حلبة المنافسة مع المحطات الأخرى حتى يلقى قبولا من المشاهدين.. ولكن ما يثير تساؤلي الآن هو أين تراثنا التليفزيوني والإذاعي الخاص ببرامج الأطفال، فمصر كانت هي الوحيدة في الوطن العربي التي كانت تخصص أوقاتًا لبرامج ومسلسلات الأطفال بل فوازير خاصة لهم، وقدمها أساتذة كبار أمثال فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وغيرهما الكثير.. هذا إلى جانب المسرحيات التليفزيونية الموجهة إلى الطفل، كنا نحن رواد هذا الفن الذي يعمل على تنمية عقلية الطفل المصري وتوسيع مداركه، وكان الأطفال الصغار يتعلمون معلومات عامة في شتى المجالات، بل يتعلمون أيضًا الأخلاق وآداب التعامل والسلوكيات الحميدة من تلك البرامج.. فالمستوى المتدني الذي وصل إليه أطفالنا اليوم من غياب الوعي وعدم القدرة على التعامل ليس فقط للتطور التكنولوجي الذي جعل الأطفال لا يفارقون هواتفهم المحمولة أو ألعاب الكمبيوتر، فجزء كبير مما وصل إليه الطفل المصري اليوم يرجع إلى عجز وسائل الإعلام عن تقديم محتوى يجذب الطفل، ويخاطب عقله كشخص ناضج، فحتى برامج الأطفال التي تقدمها بعض القنوات العربية المتخصصة للطفل تعتمد بشكل أساسي على البرامج الأجنبية المترجمة المدبلجة، التي ثبتت في أذهان أطفالنا العنف والأفكار التي لا تناسب مجتمعاتنا الشرقية.. فلماذا لا تظل مصر في مكانتها الريادية وتقوم بتخصيص قناة مصرية تعرض كل التراث القديم للطفل، والتي أنتجتها العقول المصرية، وما تم إنتاجه حاليًا من أعمال ذات مستوى متميز؟! أين برامج نجوى إبراهيم، وبابا شارو، وأبلة فضيلة، وأغنيات صفاء أبو السعود، والمسرحيات، والمسلسلات، والبرلمان الصغير.. أين كل هذه الأعمال التي تخص الأطفال، ولماذا توقفنا عن إنتاج المسلسلات الخاصة بالطفل.. ولماذا توقفنا عن مخاطبة الأطفال من سن 10 إلى 15 سنة. أتمنى أن أرى يومًا على التليفزيون المصري قناة خاصة للأطفال، وأناشد المسئولين عن التليفزيون بالإفراج عن التراث الزاخر لأطفالنا، والذي توقف عن تقديمه تمامًا، وأصبح أطفالنا اليوم عرضة لموجة من البرامج الأجنبية الموجهة لتخريب عقولهم، فإنشاء قناة تليفزيونية للطفل أصبح ضرورة وواجبًا وطنيًا.