مجرد سؤال طفولي عفوي من طفلة صغيرة لأمها فجر قضية خطيرة ذات أبعاد طويلة المدي وعميقة الجذور.. حيث سألت الطفلة أمها: أمتي هتشتغلي جاسوسة؟!. فما كان من الأم نهلة بدرالدين رئيس تحرير برنامج "ألوان" بالتليفزيون المصري إلا أن اهتزت وارتجفت وقررت البحث عن السبب الذي دفع ابنتها الصغيرة لطرح هذا السؤال؟ فخرجت بدراسة بحثية انتهت إلي عده نتائج مذهلة أهمها:. أن الطفل يذهب إلي المدرسة ثم يعود إلي البيت ليجلس أمام "أمة البديلة" في التليفزيون ليشاهد ما تقدمه له القنوات المخصصة للأطفال كل هذا والأب والأم مطحونون في دائرة البحث عن لقمة العيش وتدبير مصاريف المدارس وأمور الحياة اليومية ولا وقت لديهم لمعرفة ماذا يدور علي هذه الشاشة التي لا تكل من إعادة ما تذيعه 3 مرات يومياً حتي تتأكد من أن الافكار التي تريد أن تقدمها قد ترسخت في ذهن الطفل المشاهد. والنتيجة سؤال أذهلني طرحته ابنتي وهي في الخامسة من عمرها وهو "ماما حضرتك هتشتغلي جاسوسة أمتي" بعدها اكتشفت أن الجاسوسية هذه الكلمة التي طالما كانت لفظاً قميئاً ومشيناً عند جيلنا اصبحت كلمة جميلة وتعني الجرأة والشجاعة والثراء عند اطفالنا.. والسؤآل كيف نغير هذا المفهوم لدي ابنائنا ومن زرع هذه الفكرة في عقولهم؟ وكيف نواجه ما يتم استزراعه في عقولهم؟!. والمشكلة الحقيقية تكمن في غياب دور الإعلام المصري في هذه المنظومة التي تخاطب الطفل المصري كجزء من اطفال العالم العربي فقد قام أنس الفقي وزير الاعلام الأسبق بمحو برامج الأطفال من علي شاشة القنوات المصرية فيما عرف إعلامياً "بمذبحة برامج الأطفال" عام 2007 وكانت آخر قلعة لمواجهة هذا الغزو الفكري والثقافي الذي سلمنا له طفلنا المصري دون أي محاولة للمقاومة أو إعادة الانتباه لما يبث في عقله من أفكار ومباديء مما نتج عنه السلبيات التالية. تغير المدلول السلبي والمدلول الإيجابي لبعض الألفاظ والأفكار: مثال ذلك ما سبق ذكره عن المدلول السلبي لكلمة جاسوس الذي حولته سلسله من مسلسلات الكارتون إلي مدلول إيجابي مثل مسلسل الجاسوسات الذي يحكي عن 3 فتيات يعملن جاسوسات ويدير أعمالهمن صبري الذي يعطيهن مهمة في أي مكان في العالم ويوفر لهن مجموعة من الأدوات التي تسهل عليهن المهمة. ومن الصورة التالية يتضح كيف أن هؤلاء الفتيات رائعات الجمال واثقات في أنفسهن خفيفات الدم لدرجة تجعل أي فتاة تتمني أن تلعب دورهن في الحياة ويتعلق الطفل بشخصيات كهذه وبعمل ارتباط شرطي بين شخصياتهن وبين لفظ الجاسوسية يتحول المدلول السلبي للفظ جاسوس إلي مدلول إيجابي في عقل الطفل ويصبح في قائمة المهن التي يحلم الطفل بها مثل الطبيب والمهندس والضابط في الماضي. صورة الأب من المعروف أن احترام السلطة الأبوية هو نواة تعليم الطفل احترام السلطة في الدولة مما يؤسس لدولة يحترم المواطنون فيها القانون ومن يشرف علي تطبيقه.. ولكن في العديد من مسلسلات الكارتون مثل مسلسل "جامبول" يتعمد المشرفون علي كتابة المسلسل السخرية من الأب ووضعه في صورة الكسول الذي يكاد يكون متخلفاً عقلياً لدرجة أن عمر ابنائه العقلي يكاد يكون أعلي من عمره بكثير. بينا الأم هي التي تتحمل كافة المسئوليات في المنزل وخارج فهي التي تعمل وتعول أسرتها ثم تعود إلي المنزل لتحضر الطعام لأسرتها بينما الأب لا يعمل أي شيء ولا ينجح في أي عمل وكل ما يفعله هو اللعب مع الأولاد والأكل والنوم. هذا المسلسل مازال يذاع علي قناة "cn" ويحظي بنسبة مشاهدة عالية نظراً لخفه دم شخصيات المسلسل وأفكار الحلقات الجديدة والمبتكرة. والأخطر أن الجماعات الدينية التي تسعي إلي فرض عزلة فكرية علي اتباعها ادركت أهمية هذا السلاح الخطر المسمي بالقنوات المتخصصة للطفل فأنفقت ما لديها من أموال ايضا من أجل غرس ما تريده هي أيضا في عقول ابنائنا.. فكانت سلسلة قنوات المجد وطيور الجنة وسمسم وطه وهادي وبسمه وسات 7 والعجيب أن هذه القنوات اصبحت المفضلة لدي الآباء والأمهات لاعتقادهم أنها تربي في ابناءهم الانتماء للدين وغرس المفاهيم والقيم الدينية التي يريدون أن يروا ابناءهم ملتزمين بها ولكن أي دين هذا الذي يقدم لهم في هذه القنوات؟ فمثلاً في المسرحية العالمية "ذات الرداء الأحمر" قدم السلفيون هذه المسرحية باسم ليلي والذئب. وفي العمل المسرحي برر الممثلون مهاجمة الذئب لليلي لأنها لم تكن ترتدي الحجاب وأنها خرجت من بيتها بدون محرم وكانت تنوي مخالطة الرجال. والعجيب أن هذه القنوات تنتج برامج وأفلام كرتون وأغاني ذات ميزانية عالية وجودة عالية ولا يعلم أحد ما مصادر تمويلها. الاغتراب القيمي بهذا الطوفان من القنوات سواء التي تقدم منتجاً دينياً بجودة عالية أو التي تقدم منتجاًً اجنبياً مدبلجاً إلي العربية لا توجد قناة واحدة تخاطب الطفل المصري وتحدثه عن أهمية أن يكون له أو لها صديقا وصديقة مقربة. وقنوات اخري تحدثه عن عدم جواز تهنئة الاقباط في أعيادهم. وفي النهاية تضيع هوية هذا الطفل ولا يجد من يحدثه عن واقعه فيخرج للمجتمع وهو يشعر بالاغتراب عن أهله وكل طفل يخرج إلي مدرسته بثقافة تختلف عن الطفل الذي يجلس إلي جواره في نفس الفصل حسب القناة التي أدمن مشاهدتها ولأن العنف هو الحل المطروح دائما في مواجهة أي خلاف يواجهه ابطال المسلسلات فتكون النتيجة مجتمعاً مغترباً ومتناصراً لا يستطيع البناء وكل ما يجيده هو الخلاف والهدم. الثقافة المصرية يري أشرف نصر عبدالسلام مخرج بالقناة الأولي بالتليفزيون المصري حاصل علي دبلومة اخراج الدراما ودورات الكتابة والاخراج للطفل انه بالرغم من وجود قناة للأسرة والطفل إلا أن اقامة قناة للطفل فقط هي فكرة غاية في الأهمية خاصة أن ثلث المجتمع من الاطفال وهذه القناة لابد أن تضم متخصصين في مجال الطفل إعلاميين مدربين ومهندسي ديكور علي أعلي مستوي. كما يجب أن تضم خبراء من كلية التربية الفنية لتعليم الاطفال الفنون موسيقي ورسم والاستفادة من خبرتهم في مجال الألوان التي تعطي تفاؤلاً للطفل مؤكداً أن التليفزيون المصري هو الأجدر في تحقيق هذه الفكرة وقادر علي التعبير عن الثقافة المصرية. يري أحمد شريف مذيع بصوت العرب برنامج "أسرتي" ضرورة اقامة قناة موحدة للطفل فهناك العديد من الزملاء يعملون في مجال الأسرة بعيداً عن الطفولة لذلك نطالب التليفزيون المصري والمجلس القومي للطفولة والامومة والمجلس العربي للطفولة والتنمية بتبني الفكرة وأن تتضمن محتوي القناة مواد علمية وترفيهية وتطبق فيها حقوق الطفل ال 28 الواردة في الدستور مثل حقه في اللعب والرعاية الصحية والتعليم وحقه في مسكن آمن وغيرها. ولابد أن يتم اختيار مقدمي البرامج والمتخصصين في القناة بناء علي خبرات حقيقية بعيداً عن الوساطة والمحسوبية وأن يتسم المذيع بالقبول لدي الاطفال ويكون لديه روح الطفولة. وضرورة الاستعانة بالتربويين وخبراء النفس وذوي الاعاقة والحرص علي انتقاء الكتاب والمؤلفين البارعين في الكتابة للأطفال. وتنتقد حسنات إبراهيم رئيس منظمة بلان وسائل الإعلام العربي والمصري بسبب قلة البرامج الهادفة المخصصة للأطفال وشيوع جانب الخيال المدمر والعنف والاهتمام بالثقافة الأجنبية وعدم ربط الطفل ببيئته وتراثه العربي. لذلك فلابد أن تركز القناة علي اختيار البرامج ذات المغزي التعليمي للأطفال بفئات اعمارهم المختلفة أن تعمل علي التحفيز علي التفكير الإبداعي للأطفال. ضرورة أن يملكها مؤسسة وطنية مع تمثيل من المجتمع المدني لاضافة الافكار الجديدة والتماشي مع متغيرات العصر وقد تأخذ شكل شركة مساهمة وطنية لتعطي الفرصة لكل القطاعات المبدعة للمشاركة بشفافية. وأن يضع سياسة القناة مجلس ادارة مستقل داخل كيان وطني مثل اتحاد الاذاعة والتليفزيون مع العمل علي تكوين لجنة خبراء من الإعلاميين والعاملين في حقوق الطفل مع تمثيل الاطفال والشباب ايضا لأضفاء الحرية والتشويق علي القناة. من جانبها تقول إيمان بهي الدين مدير عام الاعلام بالمجلس العربي للطفولة والتنمية قد لا نكون في حاجة إلي قناة جديدة للأطفال بقدر ما نحن في حاجة إلي وضع استراتيجية أو سياسة تجاه الاعلام الموجه إلي الطفل المصري والعربي وهذه السياسة تضع الأسس العلمية والعملية للتواصل مع الأطفال وتراعي فيها خصائص واحتياجات الاطفال وتأخذ في الاعتبار المتغيرات والمستجدات المتاحة للطفل في هذا العصر. وبصفة عامة نحن محتاجون إلي إعادة تأهيل وتدريب لكل القائمين علي الاتصال بالأطفال وتزويدهم بالمعرفة والمهارات التي تمكنهم من ايصال رسالة هادفة وجاذبة للطفل. ايضا نحن في حاجة لاستثمار أفضل التقنيات المبهرة والجاذبة للطفل باستخدام التكنولوجيا الحديثة التي يتعامل معها الطفل. كذلك نحن في حاجة لإعمال حق الطفل في المشاركة في البرامج التي توجه له بشكل فاعل وليس كرنفالياً أو مظهرياً بحيث يكون للطفل فعلاً رأي فيما يقدم له ويشارك في صنعه. كذا لابد أن تتضمن تلك السياسات مجموعة من الرؤي والأهداف التي تصل للطفل وتخلق لديه الانتماء وتأكيد الهوية ومواجهة التيارات المتطرفة والافكار المغلوطة التي تصدر لنا الآن بحيث يكون لدي الطفل احساس بالمواطنة وحبه لوطنه واذا تمكن من ذلك فنحن قد نكون صنعنا جيلاً مهيئا للمستقبل. الهوية الوطنية يقول محمد هاشم شاعر غنائي في هذه الفترة نحن في حاجة لاذاعة وقناة خاصة للأطفال للتصدي لجميع القنوات الفضائية الموجهة بقصد أو بدون للأطفال حيث يتم مراجعة كل عمل غنائي أو نص درامي أو عمل ديني أو دعاء من لجان متخصصة لتقييم العمل واعتماده قبل اذاعته وهذا يعني احترامها للآداب والأخلاق واحترام المستمعين سواء كبار أو صغار لذلك يجب أن تعود الريادة للدولة والتليفزيون لأنه المكان الوحيد القادر علي الحفاظ علي الهوية المصرية. يؤكد الدكتور صفوت العالم استاذ الإعلان بكلية الإعلام أن جميع الباقات الإعلامية بها قناة متخصصة للأطفال تعمل بشكل علمي ممنهج بمعني أنها تستهدف عدة شرائح من الاطفال منها علي سبيل المثال الطفولة المبكرة والتي تحتاج لعده برامج تعرض في الصباح ثم هناك الطفولة المتأخرة التي تعرض في المساء ثم هناك برامج متنوعه منها أفلام الكارتون وبعض البرامج التعليمية التي تهم الطفل وتعلمه الرسم أو أي شيء آخر. لكن بالنسبة للقنوات المصرية فهناك فارق كبير جداً يتمثل في عدم الاهتمام ببرامج الاطفال من الأساس لأنها لا تدر عائداً إعلايناً من هنا تم تهميشها تماماً واصبحت تأتي في أوقات غير مناسبة للطفل ومنذ فترة خرج علينا قطاع القنوات المتخصصة بقناة سميت قناة الأسرة والطفل لكن المضمون البرامجي للطفل كان "سمك لبن تمر هندي". لأنها لا تعرض أي برامج لها مضمون ولا حتي تستطيع شراء الجزء الجديد من حلقات توم وجيري لعدم وجود ميزانية وعندما تعرض برامج أو أفلاماً لا تعلن عن مواعيد العرض من هنا يذهب الطفل للقنوات الاخري المتخصصة مثل قناة "إم بي سي" أو "سبيس تون" أو غيرها التي تلبي له احتياجاته علي عكس البرامج المحلية التي يجد بها مذيعة تستضيف طفلين أو ثلاثة وتجلس معهم تحكي حكايات ليس لها معني. هذا ما يحدث عندنا علي عكس ما يحدث في الخارج نجد الاهتمام الكبير بالأطفال لأنهم ذخيرة الوطن بعد بضع سنوات. دور الوالدين اضاف يجب علي الأب والأم مشاركة أولادهم في مشاهدة هذه القنوات وانتهاز الفرصة لتنمية التفكير النقدي لديهم من خلال مناقشة الافكار التي يقدمها المسلسل الكارتوني أو البرنامج والتأكيد علي أنه ليس كل ما يقدمه التليفزيون صحيحاً كما يجب عليهم تقليل عدد ساعات مشاهدة هذه البرامج وتوجيه الطفل لهواية تنمي شخصية مثل القراءة أو الرياضة أو الهوايات الفنية كما يجب عدم الاستسلام لطلباته الملحة لشراء منتج يري إعلانه في هذه القنوات لأن هذا ينمي لديه شخصية استهلاكية لا تعرف قيمة المال ولن تستطيع الحفاظ عليه في المستقبل وإذا الطفل احتاج هذا المنتج بشدة يمكن تدريبه علي ادخار ثمنه من مصروفه الشخصي. وتري د.سامية خضير استاذ علم الاجتماع بآداب عين شمس ان إنشاء قناة مصرية متخصصة للطفل اصبح ضرورة أمن قومي حالياً ولكن يجب أن تختلف ادارة هذه القناة عن اسلوب ادارة التليفزيون المصري لقنواته والتي ترهلت إلي درجة العشوائية في انتاج البرامج بدون دراسة علمية لمحتوي هذه البرامج إلا القليل منها. كما أن فرق العمل التي تعمل في هذه القناة يجب أن تكون من دارسي سيكولوجية الطفل ومتخصصين فقط في اعلام الطفل كما يجب أن تكون ميزانية انتاج البرامج والأفلام والمسلسلات في هذه القناة عادية لكن تقدم منتجاً جذاباً للطفل ينافس المنتجات العالمية التي تقدم له. وأن يكون اسم القناة "حابي" أو "توت" وهو اسم مصري صميم ذو وقع محبب للأطفال كما تعمل برامج القناة علي تقديم لهجات وثقافات كل أجزاء جمهورية مصر العربية من خلال برنامج يشجع السياحة الداخلية. أن تقدم القناة بالاضافة لفقراتها العادية برامج ومسلسلات دينية تحت اشراف الأزهر الشريف تجسد فيها للأطفال صحيح الدين الإسلامي وقيم المعاملة الحميدة التي يشجعنا عليها ديننا. ضرورة أن تؤكد القناة علي قيم المجتمع المصري من احترام الوطن واحترام الكبير. وأن تخصص القناة جزءاً من برامجها لشرح وتبسيط المفاهيم العلمية وزرع طرق التفكير العلمي السليم في عقل الطفل المصري وإعادة مسائية للبرامج حتي يستطيع الأطفال المصريون خارج وطنهم التواصل مع الوطن الأم أهمية عمل موقع للقناة علي شبكة الانترنت حتي يستطيع الأطفال التواصل معها. ضرورة أن يقدم الاطفال برامج القناة بأنفسهم ويساهموا في اعداد وتنفيذ هذه البرامج حتي يكون فكر القناة منهم وإليهم. اكد الدكتور عادل عبدالغفار استاذ الإعلام بجامعة القاهرة علي دور وسائل الاعلام في إمداد الطفل بالمعلومات التي تسهم في تنمية شخصيته ومواهبة وقدراته العقلية والبدنية واحترام حقوق الانسان والحريات وذوق الطفل وهويته الثقافية وقيمته الخاصة والقيم الوطنية لديه كما يجب علي الاعلام إعداد الطفل لحياة تستشعر المسئولية في مجتمع حر يقوم علي روح التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين الجنسين والصداقة بين الشعوب. ومن الحقوق الاساسية التي يجب أن تروج لها وسائل الإعلام هي حق الطفل في البقاء والنماء والحماية والمشاركة وضرورة أن تعتمد وسائل الإعلام بكل مراحلها الانتاجية علي احترام حقوق الاطفال في المساواة وعدم التمييز بسبب الجنس أو العرق أو السن أو الدين أو الخلفية الثقافية والتعليمية أو القدرات البدنية والعقلية وأن تكفل وسائل الاعلام حرية الرأي والتعبير لجميع الاطفال وأن تراعي المصداقية والدقة والوضوح وهي عناصر اساسية للتواصل مع الاطفال وكسب ثقتهم.