سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سعيد شعيب يكشف الإسلاميين فى «زوال دولة الإخوان».. الكتاب يرصد استيلاء «الجماعة» على المؤسسات لإقامة دولة دينية بطلاء ديمقراطى.. ويحذر من الوصول للطراز «الطالبانى».. ويؤكد: المعركة ليست ضد الإسلام
صدر حديثًا عن دار أوراق للنشر كتاب جديد للكاتب الصحفى سعيد شعيب بعنوان "زوال دولة الإخوان"، ويرصد فيه كيف تمكنت التيارات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون، من الوصول إلى الحكم، والسيطرة على مؤسسات الدولة من خلال طلاء ديمقراطى، وذلك لإقامة دولتهم الدينية.. محذرًا من وصول البلاد إلى الطراز الطالبانى الذى حكم أفغانستان. وجاءت مقدمة الكتاب كالاتى: نعم ضد الإخوان، وضد كل أنواع الاستبداد أيًا كانت خلفيتها، دينية، عقائدية، أيديولوجية، فكله في الجوهر سواء. هدفه هو القمع والاستبعاد والنفي والاستقصاء.. وصولا إلى السجن والقتل، بجملة واحدة: حرمان الإنسان من حقه في أن يكون إنسانا. فليس صحيحًا أن الاستبداد خلفيته إسلامية سنية فقط، فهناك استبداد دموي مارسه ويمارسه نظام الملالي في إيران بخلفية إسلامية شيعية. وهناك حروب وعصف دموي تمت باسم المسيحية في أوروبا في العصور الوسطى. وديكتاتورية دموية حدثت في الأنظمة التي اعتنقت الشيوعية. واستبداد استند إلى العنصرية مثلما فعل هتلر والنظام العنصري في جنوب أفريقيا وغيرها. بل وهناك عنف يمارس باسم العقائد التي نسميها "غير سماوية"، فعلى سبيل المثال المجاذر التي يرتكبها البوذيون والسيخ في أماكن مختلفة في العالم. ولدينا على سبيل المثال المذابح المروعة التي يرتكبها متطرفون بوذيون ضد المسلمين. وهناك استبداد تم ممارسته في منطقتنا وفي بلدنا بشعارات قومية، عبد الناصر وصدام وحافظ الأسد وابنه، القذافي.. إلخ. ولدينا أيضًا النموذج الأقرب وهو الصهيونية التي انطلقت من خلفية يهودية، وأسست لدولة إسرائيل الدينية بطلاء ديمقراطي، وأبادت وشردت الشعب الفلسطيني. لذلك فالمعركة ليست ضد الإسلام، كدين معاذ الله، كما يحب أن يصورها الإخوان وحلفاؤهم. ولكنها ضد كل المتطرفين العقائديين والدينيين والأيديولوجيين في العالم. فهم يعتبرون أفكارهم أرقى وأهم من الإنسان ذاته. فهم المثل الأعلى للأيديولوجيا الصحيحة، وللتصور الوحيد الصحيح للعالم. وإذا كانت من خلفية دينية، فهم ممثلون ل"الله" جل علاه، وبالتالي فهم يملكون الحقيقة المطلقة. ويكون البشر هنا مجرد أداة لتحقيق هذه الأيديولوجيا، اليوتوبيا، الحلم الطوباوي. وتدريجياً تتجسد الأيديولوجيا في بشر، شيوخ ، قادة سياسيين، ويتطابقون مع الأيديولوجيا وتتطابق معهم، ويصبحون هم المتحدثين باسمها واالوكلاء الوحيدين لها.وهنا لا قيمة للإنسان ولا لحريته ولا لحياته، فقد تم تزييفه وتشويهه.. ولابد من إعادة تصنيعه بناءً على مواصفات النموذج الأمثل الذي يريده أصحاب العقيدة أو الأيديولوجيا. الحقيقة أيضًا أن الخطاب الديني، أيًا كان نوع الدين، يستند للأسف في الأساس على الانتقاص من الأديان الأخرى حتى يصبح هو الأفضل. والخطاب الأيديولوجي مثل الماركسية، لا يختلف كثيرًا عن الخطاب الديني، فهو ينتقص بالطبع من الأيديلوجيات المنافسة سواءً كانت سماوية أو أرضية. ويرى أن المواطن، لا يعرف مصلحته، فقد زيفت وعيه البرجوازية، ولابد من تحويله لأداة صالحة لتحقيق "جنة الشيوعية"، والتي يسمونها الدرجة الأرقى في تطور الاشتراكية. كل هذه الأشكال من الاستبداد أنفقت عمري في مقاومتها، ليس فقط في شكلها ذي الخلفية الدينية، ولكن في كل الأشكال، أيًا كانت. فقد انتقدت وبعنف استبداد كثير ممن كانوا يقاومون استبداد مبارك، أقصد باقي التيارات السياسية والتي كانت مؤسساتها الصحفية والحزبية لا تختلف كثيرًا عن استبداد مبارك. وهؤلاء كانت أيديولوجيتهم متنوعة من أقصى اليسار إلى اقصى اليمين. فالمؤسسات الحزبية كانت تفتقد للحد الأدنى من الديمقراطية، وكانت تقهر أعضاءها. وكان هذا هو السبب الرئيسي للانفجارات الداخلية التي تعرضت لها، والسبب الرئيسي في فشلها الذريع. وكذلك تنظيم الإخوان والتنظيمات اليسارية السرية التي تقوم على السمع والطاعة.. وكتبت كثيرًا أن الاستبداد لم يكن فقط يمثله نظام مبارك، ولكن هناك بعضًا من معارضيه أكثر استبدادًا منه. لعل ما نشاهده بعد ثورة يناير المجيدة من القوى السياسية وعلى رأسهم الإخوان يؤكد ذلك بشكل حاسم. لكن لماذا هذا الكتاب عن الإخوان وحدهم الآن؟.. أولا لأنهم الآن يحكمون البلد، جاؤوا عبر انتخابات، حتى لو كانت هناك اتهامات بعدم نزاهتها، ولكنهم في النهاية جاؤوا بطريق ديمقراطي. فقد أصبح الرئيس إخوانيًا وكذلك مجلس الشعب المنحل، ومجلس الشورى ولجنة صياغة الدستور. أي وبجملة واحدة "أخذوا البلد بكل مؤسساتها. جيش ، شرطة، قضاء.. إلخ". هذا الاستيلاء التدريجي يجعلهم ومعهم أنصارهم من السلفيين يشكلون بأفكارهم وبرامجهم المعروفة، خطرًا حقيقيًا على الدولة المصرية، فهم يخططون وينفذون لبناء دولة دينية، ستكون في زمن الإخوان بطلاء ديمقراطي، مثلما يفعل نظام الملالي الإيراني. ومثلما أوضح في هذا الكتاب. ولكن إذا حدث وأصبح السلفيون هم الذين يحكمون، فالطلاء الديمقراطي الإخواني سيذهب أدراج الرياح، وننتقل إلى دولة دينية على الطراز الطالباني الذي حكم أفغانستان. أرجو ألا يتسرع قارىء كريم ويقول لي: أعطهم الفرصة ثم احكم عليهم. لسببين، الأول أن أدبياتهم كلها منذ تأسيس الجماعة قبل أكثر من 80 عامًا، تؤكد ذلك، وهذا كلام منشور. وكذلك برنامجهم السياسي الذي طرحوه للرأي العام قبل الثورة. فكثير منه يؤكد بحسم نوع الدولة التي يحلمون ببنائها. وقد انتقدت هذه الأفكار قبل الثورة، وكما سيتضح من الكتاب. وثانيًا أداؤهم بعد الثورة يؤكد أيضًا، وكما توضح مقالات هذا الكتاب بجلاء ماذا يريدون ببلدنا. فهم مصممون على سبيل المثال أن يكونوا هم وحلفاؤهم أغلبية في لجنة صياغة الدستور، ومصممون على أن يكون أساس الدستور ديني، أي يميز بين المصريين على أساس ديني. فالدولة دينها الإسلام، والشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، أي ستكون هذه هي المقصلة التي سيتم على أساسها ذبح قطاع من المصريين ممن لا يؤمنون بالمرجعية الإسلامية من الأديان الأخرى. وقطاع آخر من غير أصحاب الديانات السماوية. وبالطبع سيتم ذبح الحريات الفردية والعامة، وسيتم ذلك استنادًا إلى أن كل القوانين وبناء كل المؤسسات ستكون مرجعيته دينية إسلامية، أو للدقة إخوانية وسلفية. الكتاب لا يتضمن فقط هذا النقد الصريح لممارسات وللبرنامج السياسي للإخوان وحلفائهم، لكنه يتضمن أيضًا دفاعًا عنهم عندما كانوا يتعرضون لمحاكمات عسكرية وعصف من قبل نظام مبارك، عندما كانت الجماعة (محظورة). ليس بالطبع إيمانا بأقوالهم وأفعالهم، ولكن دفاعًا عن حق كل المصريين بمختلف انتماءاتهم في الحرية. كما حرصت على أن يتضمن الكتاب بعضًا مما كتبته انحيازًا للتيار الذي كان يمثله الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي وعضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان. والسبب ليس اتفاقي مع برنامج هذا الرجل الذي أعتبره صديقا عزيزا، لكنه في سياق الإخوان يمثل خطوات أكثر تقدمًا في اتجاه الدولة المدنية التي تقترب من العلمانية، أو تقترب من النموذج التركي والماليزي للإسلام السياسي. وقد تمنيت أن يصبح مرشدًا للجماعة وقائدها، ولكن كما اتضح أن الرجل لم يكن يمثل تيارًا قويًا، وتم العصف به بأشكال كثيرة وعلى امتداد سنوات. وكان آخرها "التلكيك" وفصله من الجماعة لأنه قرر خوض الانتخابات الرئاسية، في حين أن الجماعة دخلتها بعد ذلك. كما يتضمن الكتاب دفاعًا عن حزب الوسط الذي كانت ترفضه لجنة شئون أحزاب النظام السابق. وتحليلا لأهمية هذا الحزب والذي يمثل طبعة متطورة تقترب قليلا من النموذج التركي والماليزي والأندونيسي. وهذا ليس دفاعًا عن برنامج الحزب السياسي، ولكن إيمانا بالحرية، وإيمانا بدعم أي تطور جاد في أفكار وخلفيات التيارات السياسية الدينية. هذا يعني أن عدائي للإخوان ليس على طول الخط، ولكن لبرنامج سياسي يتبنوه. وكتبت مؤكدًا أنه لو تغيرت دولتهم الدينية التي يريدونها، فسوف تتحول طاقتهم الجبارة من أداة هدم للدولة المصرية إلى أداة بناء عظيم. فالمشكلة لم ولن تكون مع الخلفية التي يتبناها أي تيار سياسي، فهذا حقه. سواءً كانت خلفية دينية أو مسيحية أو غيرها. أو خلفية عقائدية مثل الماركسية والناصرية وغيرها. لكن المشكلة هي في نوع البرنامج السياسي، ونوع الدولة التي يسعى لها هذا الفصيل السياسي إلى بنائها. حرصت أيضًا أن يتضمن الكتاب موقفي من باقي التيارات ذات الخلفية الدينية، والتي تشترك مع الإخوان في البنية الأساسية للأفكار. ودافعت عن حق الشيعة والصوفيين والبهائيين وحتى الملحدين في الحرية. كما ناقشت في الكتاب مختلف المواقف السياسية للجماعة التي أصفها دائمًا بأنها سرية، ومثلها التيارات ذات الخلفية الدينية. الأهم في تقديري هو انتقاد من أسميتهم أحباء الإخوان في الداخل، وهؤلاء لعبوا دورًا ضخماً في "تسليم البلد لهذا التنظيم السري الدولي". وكأن الثورة كان هدفها الوحيد نقل ملكية مصر من الحزب الوطني إلى مكتب الإرشاد. والمفارقة المخزية أنهم فعلوا ذلك دون حتى الحصول على ضمانات قوية، بأن تكون مصر دولة علمانية بجد، أو حتى يخففوا من درجة "دينيتها" التي يريدها الإخوان وحلفاؤهم. ولكنهم اصطفوا وراء الإخوان وأوصلوا الدكتور مرسي لقصر الرئاسة، في مواجهة العسكر و"الفلول". الأمر بالطبع ليس بأن تكون إما مع الإخوان أو "خصوم الثورة"، لكن كان يمكن إدارة الصراع، كما توضح بعض مقالات الكتاب، بعقد صفقة واتفاق مكتوب، أو حتى بالموافقة على التوقيع على ما أسموه وقتها المبادىء الحاكمة للدستور أو فوق الدستورية. لكنهم دعموا الجماعة تقريبًا "ببلاش" وعلى طول الخط والآن يندمون. وأظن أن أحلامهم في "إحراج الإخوان" لتحقيق مكاسب مجرد أوهام. فالإخوان لم يفعلوها عندما كانوا بحاجة ل"الاصطفاف الثوري" حولهم، فهل يفعلونها بعد أن أصبح في إمكانهم الاستغناء كثيرًا عن التحالف أو الاتفاق مع هذه القوى. وبعد أن ملكوا عناصر القوة في يدهم، جيش وشرطة وقضاء وباقي مؤسسات الدولة؟!! لا أظن. ولا أظن أنه من الصواب في مثل هذا الكتاب، الذي يمتد زمن كتابة المقالات المنشورة فيه لحوالي عشر سنوات، ألا أعيد الاعتبار لأفكار أؤمن بها، منها العلمانية.. وأدافع مستميتا عن دولة لا تنحاز لدين أو عرق أو عقيدة أو أفكار.. دولة تؤمن بمساواة مطلقة بين كل المصريين في الحقوق والواجبات. وأظن أنه مهما طال الزمن.. سنصل إليها. فدولة الإخوان وحلفائهم ستزول مهما طال الزمن.