ظل حلم الحرية الفكرية والثقافية يراود المفكرين والفنانين عبر العصور، فلم تمنع محاولات التضييق الفكري أن يبدع المبدعون في كل عصر، بل لربما زادت هذه المحاولات من مساحة الحرية الفكرية، وقدم المبدعون فنهم حتى وإن لم يُعرض، فكفاهم أنهم يخرجوا ما يجدوه في صدورهم من إبداع. وحفلت الرقابة المصرية بمنع العديد من المسرحيات، سواء كان المنع لأغراضٍ سياسية أو دينية أو لكليهما معًا، ومن كتاب هذه المسرحيات التي منعتها الرقابة المصرية، كتاب كبار مثل مصطفى محمود ويوسف السباعي وصنع الله إبراهيم ومحفوظ عبد الرحمن، وعبد الرحمن الشرقاوي، وهذه المسرحيات كالتالي: 1- ثأر الله يحتفي معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام بعبد الرحمن الشرقاوي، كشخصية المعرض، لما له من إسهامات ثقافية وفنية كبيرة، إلا أن هذه الإسهامات لم تشفع له في السبعينات حينما منعت الرقابة بأمر من الأزهر أن تعرض مسرحيته "ثأر الله"، التي أخرجها كرم مطاوع وعرضها لمدة شهر كامل كبروفات على المسرح القومي لكن بدون جمهور، وكانت المفاوضات وقتها كبيرة وصلت إلى أنهما – عبد الرحمن الشرقاوي وكرم مطاوع- كان يتفاوضا مع الأزهر يوميًا، إلا أن الرفض كان رفضًا تامًا لا رجعة فيه. وجاء رفض الأزهر حينها لكون المسرحية تجسد شخصيات الصحابة وآل البيت، فقد كان الفنان عبد الله غيث يقوم بدور الحسين، وأمينة رزق جسدت السيدة زينب رضي الله عنهما. ولم تقف الأحلام عند هذه التجربة، بل تكررت مرة أخرى المفاوضات مع الأزهر لكن مع تغير المتفاوضين، فبعدما أخفق عبد الرحمن الشرقاوي وكرم مطاوع، جاء دور أشرف زكي ونور الشريف، فقد حلم نور الشريف أن يقدم دور الحسين بعدما قدم دور عمرو بن العاص، إلا أنه أخفق مرة أخرى في أن تخرج هذه المسرحية إلى النور. وربما تغيرت نظرة الأزهر للأمور قليلا بعد عرض العديد من المسلسلات والأعمال التي تجسد الصحابة والأنبياء، وجاءت بارقة أمل شجعت الفنان أحمد ماهر والمخرج أحمد فؤاد، ومعهم كانت محاولات ومفاوضات من جلال الشرقاوي، إلا أن الرفض جاء هذه المرة لأسبابٍ سياسية لا لأسباب دينية، حيث قيل إن العرض سيوقظ الفتنة النائمة التي لعن الله من أيقظها. 2-نائب عزرائيل صدر ليوسف السباعي رواية "نائب عزرائيل" التي سرعان ما حاربها الأزهر لتطاولها على الملائكة كما قيل حينئذ، وقد كان إهداء الرواية صادمًا إذ جاء فيه: " إلى سيدنا عزرائيل... الجميل! هل سبق لغيري من البشر أن أهدى لك كتابًا؟... هل سبق لسواي من المخلوقات أن صب في أذنيك غزلا؟ فما رأيك إذا في محبكم الجديد.. وعاشقكم الأوحد؟ لا تتسرع وتعلن سخطك... واذكر أنني لم أقصد بكتابي إلا إنصافك وتقديرك... وإنما الأعمال بالنيات." وبالرغم من محاولات الأزهر منع الرواية إلا أن الرواية انتصرت في النهاية، وأراد الفنان حسام داغر تقديمها كمسرحية على المسرح القومي، إلا أنه قوبل بمنع تام، ورفض نهائي لعرضه مسرحيته التي صورت ملاك الموت. 3-زيارة للجنة والنار رفضت أيضا الرقابة عرض مسرحية زيارة للجنة والنار وذلك بعدما اشترى المخرج جلال الشرقاوي حق تقديمها من كاتبها الأصلي، ولم يشفع لمصطفى محمود كونه رائد العلم والإيمان أن تخرج أفكاره على المسرح، فالاعتراض جاء من جرأة الفكرة، إذ كانت الفكرة قائمة على وجود وجوه من النار ووجوه من الجنة في حوار، ووجوه أخرى كان الظن بها أنها من أهل الجنة لكنها سكنت النار، والعكس أيضا، وكانت من ضمن هذه الوجوه، فيفي عبده وكارل ماركس وجمال عبد الناصر. 4-اللجنة ولم يكن الأزهر هو الوحيد الذي يقف وراء رفض الرقابة للمسرحيات، بل تدخلت السياسة أيضا، فمنعت مسرحية "اللجنة" لكاتبها صنع الله إبراهيم، وذلك لطرحها فكرة التوريث، التي كانت خط أحمر في ذلك الوقت، ولما كان المنع لا يوجد له قانون أو بند أو يدخل تحت أس لائحة، ولم تستطع الرقابة أن تُحيل الرفض للأزهر، فتم صرف ميزانيتها وأخذت المسرحية تستعد لثمانية أشهر في البروفات، إلى أن أُجلت لأجلٍ غير مسمى ومُنعت دون أسباب ظاهرة. 5-اللبلاب من بين المسرحيات التي مُنعت ولم يعرف كاتبها لماذا منعت إلى الآن، تأتي مسرحية "اللبلاب" وهي العمل الأول للكاتب محفوظ عبد الرحمن، ولم يمنعه هذا المنع عن مواصلة الكتابة، إذ يحكي محفوظ عبد الرحمن أن عمله الأول "اللبلاب" تحول إلى مسرحية كادت تُعرض على المسرح القومي عام 1963، وبعد تحديد كل شيء تفاجئ أن الرقابة منعت العرض ولم يدري ما الأسباب. 6- لمونة المحياة تأتي مسرحية "لمونة المحياة" هي الأخرى ضمن المسرحيات التي كانت حلما لم يكتمل بسبب الرقابة، حيث تناولت فكرة محاكمة المسئولين والوزراء ورئيس الجمهورية نفسه من قِيل الشعب إذا أخطأوا، إلا أن الرقابة لم تسمح بهذه المسرحية وقضت على حلم سعيد صالح في أن يقدمها على المسرح، وكذلك وُئِدت المسرحية قبل أن تولد، ولم يتبق منها سوى النص الذي كتبه سعيد حجاج. 7-حلمك يا شيخ علام ومن المنع التام، إلى الرقابة على أسماء المسرحيات ومنعها لمجرد الاسم، تأتي مسرحية "حلمك يا شيخ علام" على قائمة الأعمال التي اعترضتها الرقابة على الاسم فقط، وحينها تدخل الفنان عبد المنعم مدبولي وكان مخرج العمل وغير الاسم إلى "حلمك يا سي علام" وعُرِضت المسرحية التي قام ببطولتها الفنان أمين هنيدي، فقد كان الاعتراض على أن توضع كلمة "الشيخ" في عمل فني!