لُقِّب ب"شيخ الدبلوماسية"، ولم ينسَ أبدًا دوره كدبلوماسى على مر السنوات ال50 التي قضاها في عمله ما بين سفير ووزير وأمين لجامعة الدول العربية ومرشح لرئاسة الجمهورية، أن يؤكد دائمًا أهمية أن تكون الدبلوماسية متطورة، واستباقية، وابتكارية، ومتعددة الاتجاهات، لضمان نجاح جهود التصدى للتحديات الحالية والمستقبلية. دائمًا ما يؤكد "عمرو موسى" أن الأمل موجود في قلوب الشباب، شريطة حُسن التفكير والتخطيط ثم الإقدام واستشراق المستقبل. قال عنه برناردينو ليون، مدير إحدى الأكاديميات العالمية للدبلوماسية: "يعد موسى مثالًا يحتذى به، وليس مجرد دبلوماسى ناجح، يفخر عمرو موسى دائما أنه "ابن القرية"– مواليد 1936- مؤكدا أن نشأته ارتبطت بصورة الحياة في الريف المصري، ما بين الفلاحين والحقول والمنازل الريفية البسيطة، حيث نشأ ما بين قرية والده "بهادة في القليوبية"، وقرية والدته "محلة مرحوم في الغربية"، موضحًا في أكثر من موضع أنه ارتبط روحيًا ب"الكُتّاب" وهذا كان له أكبر التأثير في الكثير من قراراته على مدى حياته. التحق عمرو موسى بالسلك الدبلوماسى عام 1958، وتقلد مناصب عديدة أهمها سفير مصر في الهند عام 1983 وحتى عام 1986، والمندوب المصرى الدائم لمصر في الأممالمتحدة عام 1990 حتى عام 1991، وصولا إلى السنوات ال10 التي قضاها في منصب وزير الخارجية. أيضا قضى موسى 10 سنوات أمينا عاما لجامعة الدول العربية، وهى فترة شهد فيها العالم العربى وحذر القادة العرب في قمة شرم الشيخ من هبوب رياح الربيع العربى على باقى الإقليم بمقولته الشهيرة: "النفس العربية منكسرة".. وكتب القدر فصلًا جديدًا في حياة موسى ليعاصر بعد هذه المقولة الكثير من الأحداث الملتهبة، سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان وحتى وطنه مصر، حتى الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011 وانخراطه في الحياة السياسية المصرية، وتركه لمنصبه بجامعة الدول العربية، وترشحه للانتخابات الرئاسية، وصولًا إلى ترؤسه لجنة الخمسين لكتابة الدستور المصرى عام 2014، حيث انتخب أعضاء لجنة الخمسين التي تم تعيينها لتعديل الدستور عمرو موسى رئيسًا للجنة، وأدلى 48 عضوًا باللجنة بأصواتهم وحصل موسى على 30 صوتًا مقابل 16 صوتًا لمنافسه سامح عاشور. لعب عمرو موسى دورًا محوريًا في المشهد السياسي المصرى عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، حيث زار ميدان التحرير إبان الثورة، وأعلن عزمه الترشح لرئاسة الجمهورية، وكانت لتصريحاته وقعها المشهود وتأثيرها على السياسية الداخلية المصرية، وبالفعل خاض معترك انتخابات رئاسة الجمهورية إلا أنه لم يحالفه الحظ وخسر المعركة. وعقب الإعلان الدستورى الذي أصدره المعزول محمد مرسي، دعا عمرو موسى إلى تكوين جبهة الإنقاذ في نوفمبر 2012، واستجاب له العديد من الرموز السياسية، وأعلنت الجبهة رفضها الحوار مع رئيس الجمهورية وقتئذ قبل إسقاط الإعلان الدستورى ودعم الحشد الثورى في ميادين مصر ودعم الاعتصام السلمي. وكانت له مواقفه الدبلوماسية المشهودة منها موقفه من التطبيع الذي يتمثل في الصرخة التي أطلقها في مؤتمر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي انعقد في الأردن عام 1995، حين وصف الاندفاع العربى المحموم في اتجاه "التطبيع المجاني" مع إسرائيل ب"الهرولة العربية". وأثارت مذكرات عمرو موسى التي أطلقها منذ في سبتمبر 2017 صخبا ضخما حولها، ولأن فكرة أن ينشر عمرو موسى مذكراته، لن تمر مرور الكرام من دون أن يثير الضجيج المناسب لشخصيته وحضوره في المجال العام. رغم سنوات عمره لم يختف نجمه الدبلوماسى والسياسي، وبالرغم أيضا من أنه فضّل الابتعاد عن الأضواء أو الإدلاء بأى تصريحات سياسية عقب انتهاء عمله في لجنة الخمسين لصياغة التعديلات الدستورية عام 2014، فإنه عاد بمذكراته "كتابيه" ليثبت حضوره الطاغي، وليؤكد أن جعبة "ثعلب الدبلوماسية" ما زالت تحوى الكثير. استعرض في مذكراته الشيقة، مساره الطويل الحافل بالأحداث الضخمة الكثير من الإشكاليات الدبلوماسية، كاشفًا الستار عن قضايا عميقة ما زالت ميدانًا واسعًا للجدل حولها مثل الصراعات بين المسئولين بالدولة في إشارة منه إلى تعارض الصلاحيات بين الوزراء المكلفين، وذلك في معرض حديثه عن علاقته ببطرس غالى حين تم تعيينه وزير دولة للاتصالات الخارجية مكلفا بالمصريين في الخارج في الوقت الذي أسندت إليه هو حقيبة الشئون الخارجية. أثار عمرو موسى 5 أزمات في مذكراته "كتابيه"، أولها هزيمة 67، مشيرًا إلى أن القرار السياسي الذي أدى إلى الحرب كان خاطئًا. وثانيا: ذكر الكاتب أن الرئيس عبد الناصر كان دائمًا ما يشترى طعامه من سويسرا، وكان ذلك عندما كان "موسى" دبلوماسيًا ممثلًا لمصر في "برن"، فخلق الكاتب عداءً بينه وبين الناصريين، فضلًا عن وصفه ب"الديكتاتور". ثالثا: ذكر موسى الخلاف الحاد الذي نشب بينه وبين الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وذلك إبان مؤتمر شرم الشيخ للسلام في أكتوبر 2000، حيث اعترض موسى على مساعى أمريكا مناقشة القضية الفلسطينية من زاوية "أمن إسرائيل فقط"، دون النظر إلى الحقوق الفلسطينية، وذكر أن مبارك التقى وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت وقتئذ، دون أن يعرف، وكان وقتها وزيرًا للخارجية، فواجه مبارك بذلك واحتد النقاش بينهما، فعزم الرئيس الأسبق على تغييره. رابعا: ذكر موسى في مذكراته أن من ضمن إنجازاته مساعيه في ملاحقة البرنامج النووى الإسرائيلي، خلال مؤتمرى مراجعة حظر الانتشار النووى في عامى 1995 و2000، ونجح في استصدار قرار يطالب إسرائيل بالانضمام للمعاهدة، وإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. خامسا: يرى عمرو موسى في مذكراته أن الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات كانا دكتاتوريين لا يأبهان بالرأى الآخر، أما حسنى مبارك فلم يكن يحب الزعامة، وكان عازفًا عن لعب أي دور محورى في الإقليم.