بكري يكشف سبب رفض جمال عبد الناصر حضور حفل زفاف شقيقته تمر علينا ذكرى رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر؛ الرجل الذي فارق الدنيا في مثل هذا اليوم منذ خمسة عقود، ولم يفارق الجدل سيرته من أقصى اليمين لأقصى اليسار؛ حتى الآن هناك أشياء يجب أن تقال؛ بعضها موصول بذكراه نفسها، والبعض الآخر موصول بما بعد الذكرى، ورغم أن هناك من رفعه بسبب الحب الزائد له، أو الحزن الزائد عليه «وكلاهما في موضعه» إلى مراتب الأساطير.. ولكن ماذا عن رجال عبد الناصر؟. كيف كان اختيارهم، وعلى أي أساس جاء بهم؛ شروط الثقة المطلقة التي اختار بها «ناصر» رجال دولته يعارضها البعض حتى اليوم، دون أن ينسوا له بالطبع أنه أحد القلائل الكبار في العالم الذين تملكتهم الشجاعة لكى يقفوا أمام الملايين، يتحدثون عن التجربة والخطأ، وكان ينشد وزراءه تغيير معايير الأداء في كل شيء، من أبسط إجراءات العمل التنفيذي، إلى أعقد تحركات السياسة في أعلى المستويات بالدولة وهو ما ترصد «فيتو» في التقرير التالي. حكومات الناصرية.. الثقة والكفاءة «مسئولية أمنية» اختلفت آليات اختيار الوزراء والمسئولين في الحكومات من عهد إلى آخر، بداية من الفترة التي سبقت 1952 وحتى الآن، التي كان المعتاد فيها أن يكون الوزراء من قيادات الحزب المُكلّف بتشكيل الوزارة، ولم يكن بالضرورة حزب الأغلبية، ففي مراتٍ كثيرةٍ كان الملكُ يُكلّف أحد أحزاب الأقلية مباشرةً، لكن في جميع الأحوال كان الوزراء من الحزبيين بغّض النظر عن خلفيتهم المهنية. أما فترة ما بعد ثورة 1952 وتحديدًا خلال الفترة التي تولاها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان الأسلوب العام لاختيار الوزراء ووفقًا للدستور رئيس الجمهورية هو الذي يختار رئيس الوزراء مباشرةً "والوزراء أيضًا" وهو الذي يعزلهم أيضًا، في ظل انعدام الحياة الحزبية أو ضعفها، لم يكن هناك أي احتمالٍ لتكليف مُعارضٍ بالوزارة فضلًا عن رئاستها. كان عبد الناصر يختار في بعض الأحيان بعض منتقدى سياساته، مثل الدكتور محمد حلمى مراد نموذجًا، كما اختار السادات بعض الوزراء اليساريين على عكس متوجهاته الاقتصادية والاجتماعية- في بدايات حكمه بعد إطاحته برموز الفترة الناصرية في مايو 1971 لطمأنة قواعد الاتحاد الاشتراكى داخليًا وطمأنة الاتحاد السوفييتى خارجيًا. عدة معايير، كانت تحكم عبد الناصر في اختيار الوزراء مباشرةً، سواء ما اصطُلح على تسميته بالوزارات السيادية أو غيرها، حيث يرشح رئيس الوزراء المكلف عددًا من الشخصيات التي يعرفها لبعض الوزارات، ويعرضها على عددٍ من الأجهزة التي تُبدى له رأيها من حيث عدم وجود موانع في النزاهة المالية «الرقابة الإدارية» ومباحث الأموال العامة، بالإضافة إلى عدم وجود موانع سياسية، «أمن الدولة» بالإضافة إلى الأمن القومى، ورأى هذه الأجهزة كان مُلزمًا. أما باقى الوزارات فإن كلًا من الأجهزة السابقة يُقدم لرئيس الوزراء قائمةً بها من 3 إلى 4 مرشحين لكل وزارةٍ، يلتقيهم ويختار منهم، وكانت القوائم جاهزةً عند هذه الأجهزة دائمًا ويتم تحديثها باستمرار. ولا يخلو الأمر من طرافةٍ في بعض الأحيان مثل الواقعة التي رواها الدكتور جلال أمين إذ كان عبدالناصر بعد بيان 30 مارس 1968 يُشكّل وزارةً جديدةً يُحاول أن يُدخل فيها بعض الأسماء الجديدة التي تتمتع بشعبية وبتقدير عام ومن المعروفين بالنزاهة والاستقامة واستقلال الرأى حتى عن رأى عبدالناصر نفسه، وهى الوزارة التي اُختير فيها الدكتور محمد حلمى مراد. كان عبد الناصر رئيسًا قارئًا، ووقع اختياره على الدكتور إسماعيل غانم، عميد حقوق عين شمس المعروف بميوله الاشتراكية واستقلاله بالرأى، فعبّر عبد الناصر عن رغبته في توليه الوزارة دون أن يلتفت إلى أن حقوق عين شمس بها «غانمين» وليس غواحدًا، وهما العميد إسماعيل غانم والوكيل حافظ غانم. ولسببٍ ما فإن الوزارة عُرضت على الوكيل الدكتور حافظ غانم، وكان رجلًا فاضلًا ولكن لم يُعرف عنه استقلال الرأى كالعميد الدكتور إسماعيل غانم، وكان هذا الخطأ هو السبب في وجود حافظ غانم لنحو عشرة أعوامٍ في أعلى مستويات السلطة، فقد تنقّل من وزارةٍ لأخرى، ومن عهد عبدالناصر إلى عهد السادات، وانتهى به الأمر إلى أن يصبح المسئول الأول عن الاتحاد الاشتراكى، دون أن يترك في الواقع أي أثرٍ على الحياة السياسية في البلاد. الاقتصاد.. عبقرية الشباب تصنع المجد ل«مصر» نظم الرئيس جمال عبد الناصر القطاع الصناعي معتمدا على عددا من وزراء الاقتصاد المقربين وممن تلقوا تعليمهم بالخارج ومن ابرزهم الدكتور عبد المنعم القيسونى، والدكتور عزيز صدقي، أبو الصناعة المصرية. اتجهت مصر في عهد عبد الناصر إلى إنشاء المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى في سبتمبر 1952وقام المجلس بإصدار خطة طموحة للاستثمارات العامة لمدة 4 سنوات بدأت في يوليو 1953، وبمقتضاها شرعت الدولة في استصلاح الأراضى. كما عمل «ناصر» على إنشاء المشروعات الصناعية ذات الأهيمة الكبيرة وعلى رأسها الحديد والصلب من خلال التمويل الذاتي دون الحصول على قروض أجنبية أو معونات، كما تم إنشاء شركة الأسمدة كيما، ومصانع: «إطارات السيارات الكاوتشوك، عربات السكك الحديدية سيماف، مصانع الكابلات الكهربائية». وفى الستينات مُدّت خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية، وجرى بناء المناجم في أسوان والواحات البحرية. عبد المنعم القيسوني يعد الدكتور عبد المنعم القيسونى «1962 -1964» من أبرز رجال الاقتصاد في عهد الرئيس جمال عبدالناصر حيث تولى حقيبة الخزانة والتخطيط، ونشط طوال فترة عمله الوزاري في الهيئات الاقتصادية المصرية والدولية ومنها توليه منصب رئيس لمجلس إدارة المنظمات الاقتصادية عام 1959 وكرئيس لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية في جنيف عام 1964. وهو أحد رجال جيل الاقتصاديين الرواد الذين تركوا بصماتهم على السياسة الاقتصادية المصرية لعدة سنوات وخبرة طويلة وكفاءة عالية ومشوار طويل مع الوزارة بدأه بعمره 38 سنة وساهم في تأسيس العديد من المؤسسات المالية والبنوك العربية، ولعب دورًا بارزًا ومباشرًا في رسم السياسة الاقتصادية بين عامي 1954 و1978. في عام 1962 وأثناء تولى القيسونى لمنصبة الوزارى وقعت مصر أول اتفاق للتثبيت مع صندوق النقد الدولى، وكان ذلك في أعقاب تدهور محصول القطن وانخفاض حصيلة البلاد من النقد الأجنبي عام 1961، وبمقتضي هذا الاتفاق يقدم الصندوق لمصر تسهيلات قدرها 20 مليون جنيه إسترليني، وفي مقابل ذلك التزمت الحكومة المصرية بتخفيض الجنيه المصري من 2.24 دولار إلى 2.30 دولار للجنيه، مع توحيد سعر الصرف لجميع المعاملات عدا رسوم العبور في قناة السويس ورواتب المبعوثين من الطلبة للخارج، كما تضمن الاتفاق أيضًا رفع أسعار الفائدة المحلية وإتباع سياسة تقشفية أبو الصناعة المصرية الدكتور عزيز صدقي، أبو الصناعة المصرية، هو رئيس وزراء مصر الأسبق، ولد في مدينة القاهرة عام 1920 وتخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة قسم العمارة عام 1944، وحصل على الدكتوراه في التخطيط الإقليمي والتصنيع من جامعة هارفارد الأمريكية عام 1950. في عام 1953 عين مستشارا فنيا لرئيس الوزراء ومديرا عاما لمشروع مديرية التحرير، واختير وزيرًا للصناعة عام 1956 ليكون أول وزير صناعة مصري، ثم نائبا لرئيس الوزراء للصناعة والثروة المعدنية 1964 ثم مستشارا لرئيس الجمهورية في شئون الإنتاج 1966. تقلد صدقي منصب وزير الصناعة والثروة المعدنية عام 1968، وكان أول شاب مصري يتولى وزارة الصناعة في عام 1956، وعمره 35 عامًا، ونجح في تشييد قلعة الصناعة الوطنية لذا لقب ب«أبو الصناعة المصرية». يؤكد المهندس حسين صبور الرئيس السابق لجمعية رجال الأعمال المصريين، أن عزيز صدقي، أحد أبرز رجالات الاقتصاد والمالية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، مشيرا إلى أن عهد ناصر، كان الفكر الاقتصادي يهدف إلى السيطرة على مصادر الإنتاج ووسائله من خلال التوسع وتأميم البنوك الخاصة والأجنبية العاملة؛ والشركات والمصانع الكبرى وإنشاء عدد من المشروعات الصناعية الضخمة لتوفير فرص العمل لأبناء الشعب. ويضيف صبور: عرف عن «عبد الناصر» سياساته القائمة على اختيار وزرائه من أهل الثقة والمقربين، وليس أهل الخبرة وهو ما دفعه لاختيار عدد كبير من زملائه ضمن وزرائه ومساعديه، ورغم ذلك كان الجنيه المصرى يساوى ثلاثة دولارات ونصف، ويساوى أربعة عشر ريال سعودى بأسعار البنك المركزى المصري، ولم تكن هناك بطالة، وكذلك لم يتجاوز سعر الجنيه الذهب أربعة جنيهات مصرية، موضحا أنه لم تكن هناك أزمة في التعيينات أو فساد ورشاوي بالشكل المرضي الذي وصلنا اليه. القومية ومعسكر الشرق.. فرسا الرهان لسياسة عبد الناصر في الخارج تميزت السياسة الخارجية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بالعديد من الملامح التي شكلت مرحلة تاريخية لمصر، نجح فيها الزعيم الراحل في جذب المصريين والعرب حوله، واتسمت بمحاولة فرض الإرادة المصرية والتخلي عن التبعية للمعسكر الغربي، والانحياز للفكر العربي القومي، والأنظمة الاشتراكية حول العالم. عدم الانحياز ملامح السياسة الخارجية لعبد الناصر تجلت في مشاركته بمؤتمر باندونج بإندونيسيا 1956، والتي أعلن فيها رسميا الحياد الإيجابي لمصر فيما عرف ب«الحرب الباردة»، الأمر الذي دفع حشود كبيرة لاستقباله عند عودته إلى مصر، وتم الإعلان على نطاق واسع في الصحافة عن إنجازاته وقيادته للمؤتمر، ونتيجة لذلك تعززت مكانة عبد الناصر إلى حد كبير كما زادت ثقته في نفسه. القومية العربية وكان لعبد الناصر دور رائد في إحياء مفهوم القومية العربية، كما كان صاحب الدور الأبرز على هذا الصعيد في عام 1958، عندما قام بوحدة اندماجية بين مصر وسوريا أطلق عليها الجمهورية العربية المتحدة، إلا أن هذه الوحدة لم تعمر طويلًا، وحدث انقلاب في الإقليم السوري فبراير من عام 1961، مما أدى إلى إعلان الانفصال فضلا عن عقد معاهدة وحدة متأنية مع العراق وسوريا عام 1964، ولكنها لم تستمر أيضا. معسكر الشرق يرجح عددًا من الخبراء، أن سياسات عبد الناصر العربية الأفروآسيوية تعود إلى فهمه الدقيق للعوامل التاريخية والجغرافية لمصر، والتي تحسم في النهاية مصائرها. ووفقا لمحمد حسنين هيكل في أحد مقالته عن الزعيم الراحل: أدرك «ناصر» أن أمن مصر يعتمد على عاملين، أولهما النيل، والذي يضمن لحاكم مصر اتباع سياسة أفريقية، والثاني جسر أرضي إلى آسيا. ويضيف: قراءات عبد الناصر المتعمقة للتاريخ، جعلته يدرك مسارات حكام مصر العظام، من تحتمس الثالث وحتى صلاح الدين ومحمد على، موضحا أنهم نظروا إلى حدود مصر الحقيقية، باعتبارها مترامية حول الشرق بأكمله، لذا امتدت شبكة علاقات ناصر لتشمل المعسكر الشرقي الاشتراكي، فتوثقت العلاقة مع الاتحاد السوفيتي، والتي بدأت في منتصف الخمسينات من خلال الاتفاق على صفقة أسلحة تشيكية لمصر، وصفها عبد الناصر وقتها بأنها عملية تجارية بلا قيود ولا شروط، لتتطور العلاقات في نهاية الستينات إلى ما يشبه الاعتماد والارتباط الكامل بالاتحاد السوفيتي، والقطيعة الكاملة مع الولاياتالمتحدة. يقول الكاتب الصحفي صلاح عيسى، إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يتبع عدة شروط محددة لاختيار الوزراء والمحافظين، صحيح أنها كانت تعتمد على أهل الثقة في المقام الأول، ولكن كان يجب أن يتوفر فيهم طهارة اليد، وسيرة مميزة، وأرشيف واف خاص بهم في مؤسسات الدولة المعنية. ويضيف عيسى: بعد ثورة يوليو 52 كانت فلسفة عبد الناصر تتجه إلى اختيار الوزير الفني، المتخصص وليس السياسي ويوضح أنه كان أمرا جديدا غير معمول به من قبل، لذا اعتمد بشكل مكثف على تنظيم الضباط الأحرار، الذين تركوا الخدمة في القوات المسلحة مردفا: الوزارة في عهدة كانت تكنوقراط، فلا يوجد وزير صاحب سياسة معينة والكل مسئول أمام الرئيس. وتابع: فكرة أهل الثقة كانت رئيسية لدى عبد الناصر، إلى جانب أنه أول رئيس قدم وزراء صغار السن كان يثق بهم مثل عزيز صدقي ومصطفى خليل والقيسوني، موضحا أنه كان مولعًا بتقديم مواهب جديدة بشرط الثقة والالتزام.