صعوبات التقييم الاقتصادي لثورة يوليو د. علي عبد العزيز سليمان بمناسبة مرور تسعين عاما علي ميلاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عقدت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية في الفترة من15 17 يناير, ندوة بعنوان جمال عبد الناصر وعصره1935 1970 أكدت اللجنة المنظمة للمؤتمر أن هذه الندوة لا تسعي الي أن تكون مظاهرة تأييد للرئيس الراحل جمال عبد الناصر بل تسعي بشكل علمي ومجرد الي استكشاف العلاقة بين الإنسان والعصر الذي يعيش فيه. أتصف الاقتصاد المصري في أوائل الخمسينيات بالكثير من معالم الاقتصادات النامية أو المتخلفة. ويعترض البحث العلمي في التاريخ الاقتصادي لثورة مجموعة من العقبات المنهجية والفكرية والمادية أبرزها: 1 مشكلة غياب النظرية: تطور الفكر الاقتصادي للثورة1952 بسرعة كبيرة. ويرجع الأمر الي أن الضباط الأحرار الذين هبوا لإصلاح أحوال الجيش في البداية لم تكن لديهم نظرة متكاملة لإصلاح أحوال المجتمع, ورفضوا بشدة أي محاولة لإلباس الثورة فلسفة اقتصادية أو مجتمعية جاهزة. وبالتالي قاموا بإلغاء النظام السياسي السابق ورفضوا وصاية الأحزاب المحظورة في السابق ومنها الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين. وليس هناك شك أن السنوات التسع الأولي تميزت بقدر كبير من الاستمرارية في الرؤي الاقتصادية, بل يمكن القول بسهولة إنها تبنت نفس السياسة الليبرالية التي اتبعها الوفد, وأن التجمعات الرأسمالية الوطنية استمرت في العمل دون خوف. مع ذلك أدت ظروف الصدام مع الغرب مع انغماس عبد الناصر في تيار مجموعة عدم الانحياز والحياد الايجابي, ثم إقدامه علي تأميم قناة السويس والمجابهة مع الغرب, الي الحصار الاقتصادي. وبالمقابل أدت الحراسات وتأميم ملكيات الاجانب الي نشوء نواة القطاع العام. ويحتاج التحول الي الاشتراكية العربية والتأميم في1961 الي المزيد من الدراسة. فبينما يري البعض انه امتداد إلي إرهاصات سابقة لتدخل النظام الثوري في الحياة الاقتصادية, ينسبه البعض الآخر ليس الي اتجاه مخطط أو الي نظرية اقتصادية بل الي رغبة الرئيس عبد الناصر الي زيادة قبضته علي الحكم. يشيرون في هذا الي أن خيار الاشتراكية العربية كان منفصلا عن العلاقات المصرية السوفيتية, والدليل علي ذلك ما حدث من انشقاق الاتحاد السوفيتي أثناء أزمة العراق1958 1959, ومحاولة الرئيس الحفاظ علي علاقاته مع الغرب أثناء حكم الرئيس كيندي وأيضا إبان أزمة الاعتراف بالمانيا الشرقية. 2 مشكلة التحيز الفكري. مازالت ثورة يوليو قريبة إلي الأذهان والقلوب. والكثير من العاملين في العمل العام وحتي العمل العلمي لهم موقف مسبق مع أو ضد نظام ثورة يوليو وفلسفتها. ويمنع هذا المكون الشخصي القوي من قيام تقييم علمي هادي. وكما هو العادة في الثورات الكبري, ينهج أنصارها إلي إنكار كل ما سبقها من قيم وانجازات, ويحكمون عليها ليس بمقياس التاريخ والظروف المحيطة بالحدث, بل بما يجب أن يكون أو بمقياس الأمل في المستقبل, وما يمكن إنجازه في ظروف مختلفة تماما. وعلي ذلك نحا رجال الثورة الي التقليل مما تم انجازه في الفترة السابقة لها. ولم يقدر احد جهود طلعت حرب أو أحمد عبود والسيد ياسين بمقياس ظروف العمل في ظل الاحتلال وغياب الحماية للصناعة الوطنية. بدلا من ذلك استخفت الثورة وبالذات ميثاق العمل الاشتراكي من هذه الإرهاصات الأولي للتنمية الاقتصادية. وأصبح تاريخ الصناعة والاستقلال الاقتصادي يؤرخ له ابتداء من1952. وفي هذا السياق ينسب للدكتور عزيز صدقي, أول وزير صناعة في عهد الثورة, القول بأن كل ما سبق الثورة من استثمارات صناعية لم يتعد2 مليون جنيه, وهو رقم غير صحيح بأي مقياس. 3 مشكلة غياب الوثائق: بالرغم من قرب الفترة الزمنية الي أن الباحث التاريخي يجد صعوبة كبيرة في الحصول علي الوثائق الاقتصادية للثورة. ومن ذلك محاضر مناقشات مجلس الوزراء والمجلس القومي للإنتاج ويحتار الفرد أحيانا في تفهم الأسباب الحقيقية التي كانت وراء تغيرات جذرية في السياسة الاقتصادية بعد1958 وبرغم ظهور عدد من المذكرات السياسية للبغدادي وكمال الدين حسين, والسادات, إلا أن رجال الاقتصاد في عهد الثورة مثل القيسوني وأحمد زندو, ونور الدين طراف, وإبراهيم حلمي عبد الرحمن لم ينشروا شيئا. 4 مشكلة كثرة المتغيرات الخارجية. لدراسة أثر سياسة اقتصادية أو اجتماعية من المهم عزل أثر المتغيرات الخارجية الاخري. وللأسف أن تطبيق المنهج العلمي بالنسبة لعصر عبد الناصر تعترضه الكثير من التحديات. ذلك أن المناخ العالمي في الفترة من1952 1970 كان من أكثر فترات تاريخ مصر المعاصر اضطرابا, فإلي جانب تداعيات حرب فلسطين, والمواجهات العسكرية مع إسرائيل في1967,1956,1954, وحرب الاستنزاف1968 1969, شهد العالم أحداثا عاصفة غيرت التوازنات السياسية والعسكرية في الإقليم والعالم. فإلي جانب نزاعات عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية من حرب ساخنة وباردة, نشطت حركة التحرير الوطني وزادت دول الجامعة العربية من سبع دول الي21 دولة. وبدأت الدول حديثة الاستقلال تبحث في كيفية استرجاع مواردها الأولية من سيطرة الأجانب, وكذلك في تطوير اقتصادها. عن صحيفة الاهرام المصرية 9/2/2008