دواع سياسية منعت قامات دينية بارزة من الحصول على المنصب الرفيع لدواع سياسية غالبا،حُرم منصب "شيخ الأزهر"،من علماء أفذاذ،وأسماء لامعة،وقامات رفيعة،رغم الشعبية الجارفة،والعلم المتدفق،الذى شهد به القاصى والدانى لهم،اختلفنا أو اتفقنا معهم. القائمة تضم أسماء عديدة،من بينهم:الإمام محمد عبده،الشيخ محمد الغزالى،الشيخ محمد متولى الشعراوى،وآخرين. وأغلب الظن،أنه لو عرف هؤلاء طريقهم إلى "مشيخة الأزهر،لتغيرت أمور كثيرة،لأنهم كانوا سوف يشكلون إضافة حقيقية إلى تاريخ الأزهر الناصع،غير أن لعنة السياسة فى العالم العربى،تحرم الأكفاء من الحصول على حقوقهم. ولتكن البداية مع الإمام "محمد عبده"،الذى كان أزهريا حتى النخاع، حيث نبغ فى دراسته الأزهرية،قبل أن يشترك في ثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز سنة 1882. ورغم حملة التشويه الممنهجة التى تعرض لها "محمد عبده"،عندما أسس مع أستاذه "جمال الدين الأفغاني" صحيفة "العروة الوثقى"،ثم جمعية سرية بنفس الاسم "العروة الوثقى"،بالادعاء بأنها ذات صلة بالمحافل الماسونية العالمية تحت زعم التقريب بين الأديان،إلا أن هناك اتفاقا بين كبار العلماء على أن الإمام هو أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة،حيث ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون،كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر وبعث الوطنية وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية. عاد "محمد عبده" إلى مصر وتدرج في العديد من المناصب القضائية حتى 3 يونيو عام 1899 حيث عين في منصب المفتي وأصبح عضوًاً في مجلس الأوقاف الأعلى، وعضوًاً في مجلس شورى القوانين، إلا أن هذا لم يشفع له بتولي المشيخة رغم أنه كان الأحق بها حتى توفي في 11 يوليو عام 1905. اللافت أن منصب الإفتاء كان يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر في السابق واستقل منصب الإفتاء عن منصب مشيخة الجامع الأزهر وصار الشيخ محمد عبده أول مفت مستقل لمصر معين من قبل الخديو عباس حلمي. أصدر "محمد عبده" 944 فتوى تناول فيها العديد من القضايا المهمة،ولولا تمرده السياسى،لحظى منصب شيخ الأزهر به. ومن محمد عبده إلى محمد الغزالى،أحد ابرز المشهود لهم بالتجديد ومناهضة التشدد والغلو في الدين،والذى تسببت انتقاداته اللاذعة للأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي في العديد من المشاكل له سواء أثناء إقامته في مصر أو في السعودية. التحق الغزالي بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي وانتقل إلى القاهرة سنة 1937عند التحاقه بكلية أصول الدين بالأزهر الشريف وبدأت كتاباته في مجلة "الإخوان المسلمين" أثناء دراسته بالكلية بعد تعرفه على الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة الذي ظل يشجعه على الكتابة حتى بعد التخرج وتخصصه في الدعوة والإرشاد إلى أن حصل على درجة العالمية في العام 1943. ظل انضمام "الغزالى" في شبابه إلى جماعة الإخوان المسلمين وتأثره بمؤسسها نقطة جوهرية تسببت في إبعاده من مشيخة الأزهر رغم شعبيته وعلمه الغزير ليس في مصر فقط بل في كل الدول التي عمل بها،حتى قضى نحبه فى عام 1996،قبل أن يقفز الإخوان على الحكم. كتب الغزالى كثيرا عن الفساد السياسي في المجتمعات الإسلامية، وما ترتب عليه من تراجع هذه المجتمعات عن ركب الحضارة الإنسانية. ومن الشيخ الغزالى إلى إمام الدعاة إلى الله الشيخ محمد متولى الشعراوى،الذى عايش ثورة 1919 التي خرجت من الأزهر الشريف والتي عبرت عن سخط المصريين ضد الإنجليز،وكان الشيخ في هذا الوقت يلقي بالخطب الحماسية المعادية للاحتلال مما عرضه للاعتقال أكثر من مرة والاستبعاد من الدراسة إلا أن رحلته الدعوية وصلت به إلى منصب وزير الأوقاف . ومن كثرة الحديث عن توليه مشيخة الأزهر لقربه من الرئيس الراحل أنور السادات الذي كان معجبا به بشدة، خلع الشعراوى الزي الأزهري حتى يتوقف الناس عن ترديد ذلك بل إنه لم يستمر في وزارة الأوقاف كثيرا ونذر حياته في تأمل معاني وتفاسير القرآن الكريم بأسلوب بسيط غير مسبوق يصل إلى قلب المتلقي في سلاسة ويسر كما أن له مجهودات كبيرة وعظيمة في مجال الدعوة الإسلامية. لعبت السياسة دورها في حياة "إمام الدعاة"، ففي عام 1963 حدث الخلاف بين الرئيس جمال عبد الناصر وبين الملك سعود، وعلى أثر ذلك منع الرئيس عبد الناصر الشيخ الشعراوي من العودة ثانية إلى السعودية ،وعينه في القاهرة مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ "حسن مأمون"، ثم سافر بعد ذلك الشيخ الشعراوي إلى الجزائر رئيسًا لبعثة الأزهر ومكث هناك سبع سنوات قضاها في التدريس. في نوفمبر 1976 اختار ممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك،الشيخ الشعراوى، وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر، وظل بها حتى أكتوبر عام 1978 وبعدها فضل الانعزال عن السياسة ولعبة المناصب السياسية حتى وفاته 1998،وحرم منصب "شيخ الأزهر" من قيمة علمية ودينية كالشعراوى. ورغم المكانة العلمية التى يحظى بها رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين،الدكتور يوسف القرضاوى،إلا أن ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين،قبل أن تصل إلى الحكم،حالت دون بلوغه منصب شيخ الأزهر. بعد تعرضه للسجن عدة مرات لانتمائه إلى الإخوان المسلمين،فى الفترة بين عامى 1949و1961، سافر القرضاوي إلى دولة قطر، وعمل فيها مديرا للمعهد الديني الثانوي، وبعد استقراره هناك حصل القرضاوي على الجنسية القطرية، وفي عام 1977 تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر وظل عميدا لها إلى نهاية 1990 كما أصبح مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر. انتمى القرضاوي لجماعة الإخوان المسلمين وأصبح من قياداتها المعروفين ويعتبر الشيخ منظر الجماعة الأول كما عرض عليه تولي منصب المرشد عدة مرات لكنه رفض وكان يحضر لقاءات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين كممثل للإخوان في قطر إلى أن استعفى من العمل التنظيمي في الإخوان،ولولا اقترابه من عامه التسعين لتم الدفع به بديلا لشيخ الأزهر الحالى الدكتور أحمد الطيب،الذى يجاهر الإخوان بعداوتهم لهم،حتى قيل إن حادث تسمم طلاب الأزهر كان بمكيدة إخوانية للإطاحة به،بعد وقوفه حجر عثر فى تمرير مشروع قانون الصكوك السيادية. ويقال إن البديل الإخوانى للطيب حال الاطاحة به هو الدكتور عبد الرحمن البر،عضو مكتب الإرشاد،الذى لا يميزه عن كثيرين من الأزهريين سوى انتمائه للجماعة،لا أكثر ولا أقل.