الملك فؤاد شارك في تنظيم وثائق تصحح تاريخ والده تلقيت تعليمات رسمية ب«تكهين» كل الكتب والأشعار التي تحمل أسماء الأسرة المالكة بعد ثورة يوليو بعقلية المفكر وأمانة المؤرخ ورؤية الباحث يمتلك الكاتب الصحفي الكبير صلاح عيسى تجربة مهنية ومعرفية كبيرة عبر سنوات طوال دأب فيها على الاقتراب من صناع القرار، وعلى التردد على دور الكتب ومراكز الأبحاث بحثا عن الحقيقة وأملا في تقديم كل ما هو جديد للقارئ، لذلك تبدو شهادة الرجل على تاريخ مصر مهمة خصوصا أنه عاصر عددا كبيرا من الرؤساء وكان على دراية بما يجرى في الكواليس خصوصا فيما يتعلق بكتابة التاريخ ومحاولات تزييف الحقائق. "عيسى" يرى أن التاريخ يكتبه بشر لديهم أهواء وانحيازات مسبقة تدفعهم أحيانا إلى تحريف الحقائق أو انتزاعها من سياقها لخدمة أنظمة أو جماعات، وأشار في حوار مع "فيتو" إلى أن الأفلام والمسلسلات لا يمكن أن يكونا مصدر معرفة تاريخ الأمم.. وإلى نص الحوار: - بداية.. كيف تتم عملية تدوين وكتابة التاريخ؟ التاريخ أحد العلوم الإنسانية، وهو يعتمد بصورة أساسية على قواعد وأسس محددة وآليات علمية عند الشروع في دراسة فترة أو ظاهرة تاريخية، على رأس هذه الآليات الاعتماد على الوثائق سواء كانت رسمية أو غير رسمية، وتكون هذه الوثائق إما قد سبق تدوينها عند وقوع الحدث أو تم اكتشافها بعد وقوعه، ويدخل في إطار هذه الوثائق الروايات التي يمكن أن يدلي بها من شاركوا في الحدث إذا كانوا على قيد الحياة أو ممن كانوا معاصرين له، وقد يكون هناك شهود عدة للحادث كانوا قد قاموا بكتابة مذكراتهم فيتم الاستعانة بآرائهم تلك، وهنا نأخذ بالقاعدة التي يأخذ بها المحققون في القضايا التي ينظرها القضاء والقاعدة المتبعة عند جامعى الأحاديث النبوية وهي التفرقة بين شاهد يروى الحدث كما وقع باعتباره شاهد رؤية أو كان طرفًا فيه، وشاهد قد سمع به فقط، ومن الممكن استبعاد شهادة شاهد لأنه مغرض، أو لأنه لا يقول الحقيقة، ويضع المؤرخ في اعتباره أن بعض الشهود الذين قد تورطوا في خطأ ما قد يعمدون إلى إخفائه، أو إلى تأويله بحيث يكون لصالحهم، وكل هذه الأمور يتم وضعها في الحسبان لدى المؤرخ وعند كتابة التاريخ، ويدخل في إطار الوثائق أيضًا نشرات الصحف المواكبة للحدث، وما ورد في الوثائق الأجنبية التي تمتلكها دولًا أخرى ذات صلة به، وفيما بعد يتم المقارنة بين هذه الوثائق وبعضها البعض وبين الروايات المختلفة للشهود ثم يتم بعد ذلك الاستنتاج التحليل والترجيح وإعادة تركيب الحدث التاريخي بحيث يكون أقرب ما يكون إلى ما حدث في الواقع. -هذا يعنى أن كتابة التاريخ ليست بالأمر اليسير؟ بالطبع، فنحن أمام عملية معملية تتم بآليات وأساليب علمية يتبعها المؤرخ عند دراسته للحدث التاريخي وكتابته. - وهل تاريخ مصر يُكتب وفقًا لأهواء سياسية أو فكرية أم يتم كتابته وفقًا لتلك الأساليب والآليات العلمية؟ لا بل يكتبه المهتمون بالكتابة التاريخية، التي تعتمد على الأسس العلمية والمصادر التاريخية. -إذا كانت عملية كتابة التاريخ بهذه الدقة فكيف لنا في تاريخ مصر أن نجد طمسًا وتزويرًا لمعالم بعض الفترات التاريخية؟ هذا يحدث لأن التاريخ أحد العلوم الإنسانية ويتدخل فيه الدوافع الإنسانية المختلفة، كالرغبة في تشويه الخصوم والانتقام والنيل من تاريخ الآخرين، فضلًا عن الرغبة في نسب أفضال أحدهم إلى آخرين، وغيرها من العوامل الإنسانية الوارد حدوثها، فعلى سبيل المثال نجد في التاريخ المصري القديم أن الفرعون اللاحق ينسب إنجازات الفرعون السابق لنفسه فيمحو رموزه وآثاره وما تم تدوينه على أنه من إنجازات سلفه، بل ويغير اسم الفرعون السابق عليه ويضيف اسمه هو على الإنجازات، وكل هذه عوامل تبرز أهمية دور المؤرخ الذي يجب أن يبذل مزيدا من الجهد للعثور على الوقائع والمستندات التي تمكنه من تقليل تأثير العوامل الشخصية على الواقعة التاريخية لكى يتأكد من صحتها. -وهل تاريخنا الحديث والمعاصر شهد مثل هذه الوقائع أيضًا؟ هذا يحدث في كل العهود، سواء في العهد الملكى أو الثورى ولكنه يحدث بدرجات متفاوتة، ففى الفترة التي حكمت فيها أسرة محمد على كانت بمثابة فترة تمجيد لإنجازات هذه الأسرة جميعًا، وكان عدد من ملوكها مشهورين باهتمامهم الشديد بهذا الأمر، فالملك فؤاد على سبيل المثال كان شديد الاهتمام بتاريخ والده الخديو إسماعيل، خاصة أنه حينما عُزل عن العرش من قبل الدول الأجنبية ظهر تيار معادٍ له من بين المؤرخين الأجانب الذين ذكروا أن حكمه كان سفيهًا وأن الخديو إسماعيل كان يبدد أموال الشعب على الراقصات، لذا فقد حرص الملك فؤاد، ابنه، على الإتيان بمؤرخين وأساتذة تاريخ لجمع الوثائق التاريخية التي تتعلق بعهد والده، وشارك في تنظيم هذه الوثائق وشجع من يكتبون عن تاريخ الأسرة المالكة، وهذا ما فعله أيضًا الملك فاروق بن فؤاد. - وهل حاولت ثورة يوليو وقادتها أيضًا طمس ما قبلها من عهد الأسرة المالكة؟ بعد ثورة 23 يوليو ظهرت مدرسة يُطلق عليها مدرسة التاريخ الإعلامي والتي تعنى استخدام التاريخ كأداة في الحرب الإعلامية، فبعد اندلاع الثورة بدأ الجميع حتى من كانوا من أنصار القصر الملكى بإصدار مقالات وأخبار عناوينها "قصة الملك كاملة"، "مغامرات الملك فاروق"، "الفساد في عهد الملك" إلى آخره، من تلك المقالات والأخبار التي تروى حكايات وقصصا وذكريات من عهد الملك وعنه، حيث كان يتصور القائمون على هذا النوع من التاريخ الإعلامي أنهم يرسخون لحقيقة ميلاد مصر في 23 يوليو 1952، وهذا على غير إرادة حتى قادة الثورة، فقد كانت هناك مطالب في بداية الثورة بهدم تماثيل الخديو إسماعيل، حتى إن أحدهم تم إزالته رغم أنه من صنيعة الجالية الإيطالية في مصر، وتمت إزالة تمثال لمحمد على وإزالة أسماء أسرته كلها من كافة المنشآت التي تم إنشاؤها من قبل، كما أننى كنت أعمل في إحدى الوحدات الاجتماعية في الريف في أوائل الستينيات وكانت بها مكتبة، وجاءت لي تعليمات من الوزارة بخطاب رسمي أن أي كتب أو صور أو قصائد تحوى سيرة أسرة محمد على يجب أن "تُكهن"، ومن أمثلة هذه الكتب والقصائد سلسلة مصر القديمة لسليم حسن والتي تحوى 16 مجلدا وكانت مهداة للملك فاروق، وديوان لمحمود حسن إسماعيل الصادر عام 1937 أي في بداية عهد الملك، يحوى إهداء وصورة للملك فاروق، وهو ديوان هام للغاية بصرف النظر عن الإهداء، بالإضافة إلى كتب لعبد الرحمن الرافعى عن عصر محمد على وعصر إسماعيل والثورة العرابية، كل هذه الكتب كان يجب على أن أكهنها وفقًا للتعليمات الرسمية، ولم أكن أدرى من الذي أصدر مثل هذه التعليمات، وغالبا جمال عبد الناصر لم يكن له علاقة بتلك التعليمات، والطبعات الجديدة من هذه الكتب لم تحو أي شكر للملك فاروق أو الملك فؤاد، وللعلم فإن بعض الكتب التي طُلب منى أن يتم تكهينها كانت تنتقد الأسرة المالكة، ولكن كان عنوانها كافيًا لتكهينها لأنه يحوى اسم محمد على أو أحد أفراد أسرته. ومن راعى هذه المدرسة التي حاولت طمس معالم الحقبة الملكية من تاريخ مصر؟ يوجد في كل فترة حكم بعض العناصر المتحمسة له، تدعو إلى طمس العهد السابق عن قناعة منها بصحة ما تفعل، حتى إن عددا من الضباط الأحرار في بداية عهد الثورة طالبوا بمنع أغانى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب من الإذاعة بدعوى أنهما سبق وقاما بالغناء للملك فاروق ونظرًا لانتمائهما للعهد البائد. -هل هذا يعنى أن الوعى الجمعى بعد الثورة كان راغبًا في طمس معالم عهد فاروق؟ لقد نشأت أجيال سواء عاصرت هذا العهد أو لم تعاصره، وجدت نفسها في مناخ إعلامي قرر مسح هذه الحقبة من تاريخ مصر. - هل عهد السادات شهد امتدادا لهذا المناخ الإعلامي الرافض للفترة الملكية؟ نعم، فحينما كنت محررًا في جريدة الجمهورية في بداية السبعينيات، كانت الصحافة مفروضا عليها نوع من أنواع الرقابة، وكان ذكر اسم فؤاد سراج فؤاد الدين من الأمور الممنوعة، لذا حينما كنت أضيف اسمه في كتاباتى كان يزيلها الرقيب على الفور، وفى التليفزيون أيضًا كانت شخصيات مثل مصطفى النحاس مثلا ممنوعة من الظهور، فالكاتب أسامة أنور عكاشة حينما كان يكتب أحد مسلسلاته دخل في معركة مع التليفزيون لرفضه إظهار شخصية مصطفى النحاس في المسلسل بصرف النظر عن أنه سيتم تقديمه بصورة سلبية أو إيجابية، فقد كان هناك رفض بات لفكرة ظهوره بصفة عامة، وكل هذه الأمور تندرج تحت مسمى التاريخ الإعلامي الذي لا علاقة له بالتاريخ، وللعلم أن أكبر خطر علينا هو استخدام التاريخ في عملية التعبئة الإعلامية. - وهل الرئيس السادات نفسه حاول محو تاريخ عبد الناصر؟ لم يقل الرئيس السادات نفسه شيئًا عن عبد الناصر، ولكنه كان يهاجمه باستخدامه مصطلح "مراكز القوى" في إشارة إلى تلامذة عبد الناصر والصف الثانى والثالث من ثوار يوليو، ممن كانوا أقرب إلى عبد الناصر منهم إلى السادات، فكان نفوذهم في الحكم أكثر من نفوذه في حياة عبد الناصر، وهو نسب إليهم فيما بعد أنهم تآمروا عليه في 15 مايو، كما أن السادات أيضًا كان قد سمح للإعلام أن يقول ما يريد في عبد الناصر، وحدث هذا أيضًا على مستوى الفن، وأتى بالصحفيين المختلفين مع عبد الناصر من منفاهم بالخارج وعلى رأسهم على أمين ومصطفى أمين، وانضم إليهم عدد من الصحفيين الذين قرروا أن يكتسبوا مكانة لدى السلطة الجديدة، فهؤلاء ركزوا على فكرة الهجوم على عبد الناصر حتى إن الجميع يمكنه أن يتصور من خلال ما يكتبونه أن عبد الناصر كان لا يفعل شيئًا في حياته سوى الحبس والقتل، وهذا ليس صحيحًا، كما أن السادات أخرج في عهده كل من اضطهدهم عبد الناصر سواء من الجماعات السياسية كالإخوان أو بعض قادة ثورة 23 يوليو الذين كانوا قد هربوا إلى الخارج، منهم عبد المنعم عبد الرؤوف، عضو مجلس قيادة الثورة والقيادى الإخوانى الشهير، والهارب منذ عام 1954، كما تم الإفراج عن محمد نجيب بعد أن كانت إقامته محددة في عهد ناصر، وكل هذه الأمور لا علاقة لها بالتاريخ بل هي جزء من الصراع السياسي. - هل هذا كان يتم بأمر من السادات؟ لم يكن بأمره ولكن بعلمه، فمن كانوا يفعلون هذا على علم بأن هذا يرضى السادات. - ولماذا كان السادات يفعل ذلك في اعتقادك؟ أعتقد أنه كان يفعل ذلك إما لأنه يريد أن يعزز فكرة أن عصره يتسم بالحرية وأن الجميع يمكنهم التحدث بأريحية عما يريدون، أو أن هذا كان أمرًا يخفى وراءه فكرة سياسية مفادها أن انشغال الشعب بعهد سلفه سيشغلهم عن الهجوم على عهده هو. -وهل مبارك قام بالشيء نفسه مع سلفه السادات؟ لقد جاء مبارك وكان خارج دائرة الصراع الخاص بثورة 23 يوليو، لذا في بداية حكمه أدلى بتصريح حول سؤال "أيهما أقرب إليه السادات أم عبد الناصر"، وقال: "أنا اسمى حسني مبارك"، وحرص في عهده على إطلاق أسماء محمد نجيب والسادات وجمال عبد الناصر على محطات مترو الأنفاق، وبدأ التليفزيون يسمح بظهور شخصيات كجمال عبد الناصر ومصطفى النحاس في المسلسلات والأعمال الدرامية. -لماذا يوجد في تاريخنا تناقضات حول شخصيات أو فترات تاريخية بعينها، محمد نجيب على سبيل المثال نجده في بعض الأعمال الدرامية التاريخية خائنًا بينما تكرمه القوات المسلحة مؤخرًا؟ فيما يتعلق بشخصية محمد نجيب، لا بد من العلم أننا الآن قد أتيح لنا أمور حوله لم تكن متاحة من قبل، فمنذ بداية عهد السادات وفى عهد مبارك كله كتب محمد نجيب مذكراته وروى الأحداث من وجهة نظره، والكثير ممن كانوا موجودين في فترته قالوا شهادتهم عليه وعلى فترة حكمه، فضلًا عن ظهور وثائق رسمية بدار الوثائق الرسمية عنه، كل ذلك تم جمعه وقراءته ومقارنته، وهذا أوضح الكثير من الأمور التي كانت خفية من قبل، ولا بد في هذا الصدد التأكيد على أن ما يقال في الأعمال الدرامية ليس تاريخًا، بل دراما، أي أن الدراما تور يستوحى من الحدث التاريخي عمله الفنى، والسيناريست من حقه الانحياز لشخصية فيبرزها ويمنحها مساحة أكبر، لذا فلا يمكن أن نحاسبه كمؤرخ، بل كسيناريست. -إذا فالأعمال الفنية التي تناولت شخصية محمد نجيب ليس شرطًا أن تكون قد قدمت الحقيقة؟ بالطبع، وهنا تكمن مشكلة أساسية ألا وهى أن مصادر قراءة المواطن المصري للتاريخ وخاصة الأجيال الشابة ضعيفة للغاية، والغالبية العظمى تفضل مشاهدة الدراما التليفزيونية والسينمائية، وتعتبر ما ورد بها حقيقة تاريخية، وهذا خطأ، فالتاريخ له مصادر أخرى، والعمل الدرامى من الممكن أن يساهم في التشويق لمعرفة الحقيقة، ولكن يجب على المواطن البحث في كتب التاريخ عن الحقيقة، ولا بد من الإنصات إلى وجهات النظر المتعددة. - وما تفسيرك لقرار القوات المسلحة بإطلاق اسم محمد نجيب على أكبر قاعدة عسكرية في أفريقيا والشرق الأوسط مؤخرًا؟ أعتقد أن القوات المسلحة تنظر إلى كل القادة الذين شاركوا في الحركة الوطنية من أبنائها على قدم المساواة بصرف النظر عن الخلاف بينهم وبين بعضهم البعض، حيث إن جميعهم في عقيدة القوات المسلحة قد خدموا البلاد وانضموا للشعب المصري وساندوا ثوراته أو قاموا بالثورات، وبالتالى فهم لعبوا دورًا في تاريخ مصر، والقوات المسلحة تريد أن تقول إنها تكرم هؤلاء بصرف النظر عن الخلاف فيما بينهم الذي ليست طرفًا فيه، وهذا معنى جميل، فثورة 23 يوليو قد لعبت فيها القوات المسلحة دورًا ولكن هذه الثورة ليست هي عبد الناصر ولا السادات بل هي الثورة بمختلف مراحلها دون النظر للاختلافات بين أقطابها الذين أتى كل منهم أتى في مرحلة زمنية كان لها قوانينها وكان يجب أن يجتهد فيها بما يرتبط بتاريخها، لكن الأمر الأساسي هو قيمة مشاركة القوات المسلحة كجزء من التاريخ الوطنى لمصر والتي يجب وضعها فوق كل اعتبار. -وما أشهر الحقائق التاريخية الخفية المتعلقة بزعماء مصريين؟ شخصية أحمد عرابي، الذي كان ضحية في اعتقادى، الذي ظل لفترة طويلة في المنفى، من 1884 حتى 1901 تقريبًا، وحينما جاء إلى مصر تعرض إلى كم من الهجوم شنه عليه مصطفى كامل، لأن عرابي كان منقطع الصلة تمامًا بالحياة العامة طوال فترة منفاه في جزيرة سيلان والاحتلال الإنجليزي كان هو صاحب الدعوة للإفراج عنه، فهم في الأساس أرادوا اعتباره بمثابة أسير حرب، ومن أصر على محاكمته ونفيه كان الخديو توفيق لإيمانه أن عرابي عصاه، وحينما توفى الخديو توفيق وجاء ابنه الخديو عباس حلمى الثانى تطوع الإنجليز ونادوا بالإفراج عن عرابي، وعندما علم بذلك وعلم أنه سيعود إلى بلاده أدلى بتصريح ل"سيلان نيوز" مدح فيه الاحتلال الإنجليزي، وأكد أنه قد قضى على الفوضى في مصر وأن البلاد شهدت استقرارًا على يده وكلام على هذا النحو، وكان مصطفى كامل هو قائد الحملة الوطنية والمتحالف مع الخديو عباس حلمى الثانى ضد الإنجليز آنذاك، لذا فقد شن حملة عنيفة على عرابي، وهاجمه أحمد شوقي، أمير الشعراء وشاعر القصر الملكى آنذاك، بقصيدتين من الهجاء المقذع، من أبياتهما "أهلا وسهلًا بحاميها وفاديها.. ومرحبًا وسلامًا يا عرابيها.. وبالكرامة يا من راح يفضحها.. ومقدم الخير يا من جاء يخزيها"، وكان قبيل وفاة عرابي قد قابله أحد الشباب المتحمسين من أنصار مصطفى كامل وقام بالبصق على وجهه، ومات عرابي وكثيرون يعتبرونه خائنًا، ولكن بعض فترة ظهر مؤرخون يحاولون التصدى لحقيقة عرابي، وكان من أوائل من قاموا بذلك محمود الخفيف، بكتابه "أحمد عرابي المفترى عليه"، كما أن من الأمور غير الشائعة أن الثوار العرابيين أنفسهم وكان عددهم 7 باشوات، حينما تم نفيهم اختلفوا جميعًا بعد فترة واستنكروا في كتبهم الثورة وسبوا عرابي وقالوا إنه خدعهم، وعرابي نفسه حينما كتب مذكراته المخطوطة سب مصطفى كامل سباب مقذع، وهذا الجزء من المذكرات لم ينشر. كيف يمكن مواجهة التعبئة الإعلامية ودورها في تغييب الوعى الجمعى للمصريين؟ هذا يتطلب إتاحة حرية الاختلاف والجدل حول القضايا التاريخية، لأن هذا يساهم في تكوين حس نقدي لدى المتلقي، ولا بد أيضًا من توفير مصادر التاريخ العلمية بأسعار زهيدة للأجيال الشابة وفى المدارس والنوادى، ولا بد أيضًا من التأكيد على أن الدراما التاريخية ما هي إلا دراما وأنها ليست تاريخا، فضلًا عن ضرورة الاهتمام بالأفلام الوثائقية لأنها بمثابة كتب مصورة، وهى الآن فن من الفنون التليفزيونية الشائعة والتي لها نماذج ممتعة في القنوات الفضائية الأجنبية. - وهل تؤيد وجود هيئة رسمية تساهم في توضيح الحقائق التاريخية للشعب؟ الهيئات الرسمية موجودة بالفعل في الجامعات، ولكننى ضد فكرة التاريخ الرسمي وهى مدرسة شائعة في مصر والدول العربية والدول الأيديولوجية بصفة عامة، وهو التاريخ المقرر ويجب علينا حفظه كما هو، وكل ما يقال غيره لا يُعد تاريخًا، وخطورة التاريخ الرسمي أنه يحمل وجهة نظر واحدة فقط وهذه فكرة تؤدى إلى انزعاج الناس عند اكتشاف حقائق تاريخية تم تزويرها أو طمسها وإخفاؤها لذا لا أحبذ هذه الفكرة. الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية ل "فيتو"...