مفهوم "القيادة" لازم البشرية منذ قديم الزمان، أما مفهوم "الإدارة" لم ينشأ إلا منذ بضع عشرات من السنين. وقد حفّز ذلك العلماء للبحث والتفكير الدائمين في ماهية كل من القيادة والإدارة والعلاقة بينهما، ويقود ذلك التقديم إلى الاعتقاد الجازم بأن طبيعة العلاقة بين القيادة والإدارة لابد وان تكون تعاونية وتنسيقية فيما يخدم العمل المؤسسي في نهاية المطاف، على الرغم من وجود ارتباط وثيق بين مفهوم القيادة والإدارة الأمر الذي جعل الكثيرين يخلطون بين مفهومي الإدارة والقيادة، ويعتبر انهما نفس المعنى، إلا أنه في الواقع هناك اختلاف كبير بين المفهومين من أكثر من ناحية، فالموظّف قد يكون مديرًا أو قائدًا أو كليهما، كما قد لا يكون أيًّا منهما وبصفة عامّة فإن القيادة ليست سوى إحدى مكونات الإدارة والتي يتم ممارستها بالعمل مع الموارد البشريّة أو من خلالها لتحقيق الأهداف التنظيميّة (نوّاف الحربي، مدونة السلوك التنظيمي، 2015م) ونقطة الاختلاف الأهم بين الإدارة والقيادة هي ما تركز عليه كل منهما، إذ تضع الإدارة كل تركيزها على المخرجات أي نتائج الأداء والمكونات المادية في المنظمة مع إهمال العنصر البشري، وعكس ذلك تمامًا في القيادة إذ تركز بشكل كبير على العنصر البشري وتهتم به وبتنمية مهاراته وقدراته وتدريبه؛ لتحفيزه على أداء العمل وإنجاز الأهداف. كما أن هناك فروقًا واضحة بين الطرفين، إذ يهتم القائد بالتأثير بالأفراد بالاعتماد على قدراته ومهاراته الشخصية، ويشعر الأيدي العاملة بأنهم محط اهتمام، ويتعامل بحكمة وعقلانية لإشراك العاملين في العملية الإدارية، ويبتعد كل البعد عن استخدام السلطة الموكلة له والصلاحيات الرسمية حتى لا تحدد شكل العلاقة بينه وبين مرؤوسيه. كما يواكب القائد التغيرات التي تطرأ في أي وضع راهن، ويسعى دائمًا للتغيير المستمر، والأخذ بيد مرؤوسيه لتقدم المنظمة وازدهارها، ويشجع الآخرين على التغيير ويحفزهم بأسلوبه الخاص، ولا يشعرهم بأن هناك فرقًا في المسمى الوظيفي في العمل. أما المدير فيكون على عكس القائد بجميع ما ذكر، إذ يلجأ المدير إلى إجبار المرؤوسين على أداء الوظائف وتحقيق أهداف المنظمة بالاعتماد على مجموعة من الإجراءات والقوانين التي رسمتها الإدارة العليا في المنظمة، وتتصف العلاقة بينه وبين مرؤوسيه بأنها رسمية جدًا، حيث تخلو من العاطفة والمشاعر نظرًا لإهمال العنصر البشري في المنظمة. كما أن المدير لا يهتم لإحداث تغييرات بل إنه يسعى لتحقيق ما رسمته المنظمة دون تقدم أو نمو ملحوظ في أداء المنظمة وبالتالي تبقى على شكلها الاعتيادي، وبالإضافة إلى ذلك فإن المدير يتصف بأنه ذو تخطيط قصير الأجل، لذلك لا يهتم للتغيير بل يركز كل تفكيره في الوقت الراهن للمنظمة ويهمل الوضع المستقبلي لها، ويشار إلى أن المدير بينه وبين مرؤوسيه فجوة واسعة بسبب الاهتمام بالمسميات الوظيفية. ويشير مفهوم القيادة الإدارية إلى ذلك (النشاط الذي يمارسه القائد الإداري في مجال اتخاذ وإصدار القرار، وإصدار الأوامر، والإشراف الإداري على الآخرين، باستخدام السلطة الرسمية، وعن طريق التأثير والاستمالة بقصد تحقيق هدف معين). وللقيادة الإدارية أسس ومقومات علمية ومهنية وإبداعية، اهتم علماء الإدارة بجمعها وحصرها، من أبرزها: الإلمام بالعلاقات الإنسانية، وعلاقات العمل، القوانين واللوائح المنظمة له، وامتلاك المهارات الفنية القادرة على رسم السياسات، والخطط، ووضع الإستراتيجيات، وتحديد الأهداف، وإنجاز الأولويات، والجرأة والشجاعة على اتخاذ القرار، وتحمّل تبعاته، وبث روح الفريق الواحد في بيئة العمل، وتنمية قدرات هذا الفريق الفنية والإبداعية، ودعمه وتشجيعه لمزيد من العمل والإنتاجية، وإشراكه في المناقشة وصنع القرار، وتقسيم العمل، وتوزيع المسؤوليات، حسب التخصص والخبرة والكفاءة، والتنسيق بين الوحدات الإدارية لضمان تحقيق أعلى مستوى من الكفاءة والفاعلية، ومعالجة المشكلات، وتذليل العقبات التي تواجه بيئة العمل والعاملين، إضافة إلى تمتع القائد الإداري بالأخلاق العالية في التعامل، وتجنب الأنانية وحب الذات، والمرونة، وسعة الأفق، وتقبل النقد البنّاء، وتوخي العدالة، فضلًا عن المواظبة والانتظام ليكون قدوة لمرؤوسيه. إنَّ القيادة الإدارية بهذه المواصفات والاشتراطات عنصر مهم من عناصر نجاح المؤسسة في توظيف كل أو معظم الموارد والإمكانات المتاحة لتنمية وتطوير قدراتها البشرية والمادية، وصولًا إلى أقصى إنتاجية ممكنة. تعتبر الإدارة administration من أكثر النشاطات الإنسانية أهمية في حياة الإنسان، إذ تعد متطلبًا أساسيًا لكل المجالات، فهي المنظم للأمور والمتحكم بها، وتُدرج الإدارة ضمن العلوم الاجتماعية. تعرف بأنها عبارة عن عملية تؤدي وظائف محددة تناط بها وهي بالترتيب التخطيط، والتنظيم، والتنسيق، والتوجيه، والرقابة، وتخضع لهذه الوظائف الخمسة جميع موجودات المنظمة من موارد مادية، وعناصر بشرية سعيًا لتحقيق التقدم بالمنشأة واستغلال وقت وجهد وتكاليف أقل لتحقيق أفضل النتائج. بشكل أدق يمكن تعريف الإدارة على أنها مجموعة من النشاطات والممارسات التي يقوم بها الإنسان من خلال التخطيط والاستعداد لتحقيق سلسلة من الأهداف، ثم تنظيم هذه المخططات والأهداف ليتم العمل على تنسيقها واتخاذ القرار المناسب في كيفية إنجازها، ثم إحكام الرقابة عليها لضمان تحقيق الأهداف المنشودة. أما القيادة Leadership فهي امتلاك القدرة على ترغيب الأفراد والأيدي العاملة على تحقيق الأهداف المنشودة من خلال التأثير بهم، وتركز القيادة على التأثير بالآخرين وإقناعهم بأسلوب غير مباشر، وللقيادة تأثير عميق عليهم في إنجاز الأهداف وتحقيقها، كما أن لها القدرة على توجيه سلوك الأفراد باتجاه يتماشى مع تحقيق الأهداف وإنجازها، وتتمحور مهارات القائد لأنه محور العملية الإدارية، فيجب أن يتصف بمجموعة من المهارات والصفات التي تحفزّه على تحقيق هدفه والتأثير بالآخرين، وهي: الحنكة والخبرة. القدرة على اكتشاف نقاط ضعف المنظمة وخلق حلول جذرية لها. اكتشاف مواطن القوة في المنظمة والعمل على تطويرها وتنميتها. الأخلاق الحسنة. مستمع جيد. قوة الشخصية. الانتماء للمنظمة والشعور بأهمية الرسالة التي يسعى لتحقيقها. الإخلاص. الجدية والحزم. النشاط والحيوية. التضحية والإيثار. امتلاك القدرات الإدارية. القدرة على الاتصال والتخاطب. قوة التعبير والفصاحة. و تلعب القيادة دورًا مهمًا في التواصل بين العاملين وإدارة المنظمة وخططها وتصوراتها المستقبلية. تسعى إلى توجيه جهود العاملين فيها وتوحيدها نحو أهداف المنظمة وتحقيقها بالشكل المطلوب. تعمل على تحفيز الأفراد لتحقيق الأهداف من خلال تنمية مهاراتهم وتدريبهم. تسيطر على ما يواجه المنظمة من مشكلات وتضع خططًا مستقبلية للتنبؤ بهذه المشكلات وإيجاد حلول لها، وهناك أدوار للقائد مثل : 1- دور القائد كمعلم باستمراره في تعليم مرؤوسيه أمور العمل وإعلامهم بما يستجد. 2- القائد مستشارًا: ويتطلب ذلك من المدير الاستماع لمشكلات المرؤوسين والإصغاء لهم ليرشدهم. 3- القائد قاضيًا: ويتمثل ذلك من خلال قيامه بمتابعة أداء المرؤوسين وتقييمه. 4- القائد متحدثًا، وفي هذا الدور يعتبر القائد حلقة وصل بين الإدارة العليا والمرؤوسين. وبنظرة تحليليّة نرى أن القطاع العام عمليًا تفتقر أغلب مؤسسات القطاع العام في معظم الدول العربية أو الدول النامية إلى مقومات القيادة الإدارية الفعالة، القادرة على امتطاء صهوة التطورات الإدارية المتسارعة في عالم اليوم، ما انعكس سلبًا على البنية التنظيمية لهذه المؤسسات، فظلت حبيسة لنظم إدارية، وبيئة عمل متخلفة، أسهمت في استمرار تدني مستويات الأداء والإنتاجية مقارنة بمثيلاتها في الدول والتجارب الأخرى المتقدمة. إذن ينبغي إعادة النظر في الأسس والقواعد التي بموجبها تتم عملية اختيار القيادات الإدارية، واعتماد معايير محددة تستند إلى أسس منهجية وفنية ومهنية، تؤخذ في الاعتبار عند عمليات الاختيار والتعيين، تضمن تحقق الشروط والمواصفات المطلوبة في القائد الإداري، وربط هذه المعايير بآلية للمتابعة والتقويم لقياس مهارته القيادية في مجال تحقيق الأهداف المحددة وتطوير بيئة العمل ورفع قدرات العاملين فنيًا ومهنيًا، وتعمل على إحلال قيادات إدارية جديدة عوضًا عن تلك التي يتضح عدم فعاليتها، بهدف معالجة أوجه الخلل والقصور، والدفع بالمؤسسة قدمًا نحو آفاق التنمية والتطوير.