ناس اتولدوا وفي فمهُم مِلعقة ذهب.. وناس اتولدوا وفي فمهُم مِلعقة صفيح! ناس اتولدوا في قصور أو أماكن جيدة.. وناس اتولدوا في الشوارع أو أماكن متواضعة أو حتى زرايب البهائم. هذه سُنة الحياة، لا فضل لهذا الإنسان، ولا لوم لهذا الإنسان! أمام الخالق لا فرق بين هذا أو ذاك.. ولكن أمام الناس هُناك فرق كبير!!! تسمعهُمْ يقولون البنت تزوجت واحد ابن ناس! أو ابننا اتوفق في واحدة بنت ناس! حاولت أن أعرف؛ ماذا يقصُدون بابن أو بنت الناس! وجدت أن المفهوم الاجتماعي لأولاد الناس، المقصود بهم الناس اللي عندهُم عِزوة، ومستوي اجتماعي مُرتفع، وأيضًا الناس المبسوطين ماديًا، وليس مُهمًا أن الأموال جاءت بالجهد والتعب أو بالسرقة والنصب والنهب! طبعا أنا لا أدين الناس الأغنياء فكثيرون من الأغنياء عندهم إنسانية بمعنى الإنسانية، أي الإنسان بالمواصفات التي يريدها الله والمجتمع في الإنسان. ُ استوقفتني نتائج الثانوية العامة لهذا العام، والشيء المُفرح أن بعض الذين تربعوا على القمة، ينتمون إلى أُسر بسيطة ماديًا، ولكنهم أسر تستحق أن تنحني لهُم الرءوس، على طريقة تربيتهُم لأولادهم، وكيف أنهم يُرضعون أولادهم من الصغر الإعتماد على النفس وزرع الثقة في نفوسهم. أعجبت جدًا بمريم فتح الباب، المُتفوقة الأولى على الثانوية العامة، أعجبت بإصرارها وتحديها لكل الأفكار والتقاليد البالية التي تُقيم الإنسان على أساس المال، أو المستوى الاجتماعي، أنها لم تحاول أن تتجمل كما تجمل أحمد زكي في فيلم "أنا لا أكذب.. ولكنني أتجمل" وحاول أن يُخفي مُستواه الاجتماعي، حيث إن والده كان يعمل "تُربيًا"، ووالدته كانت تخدم في البيوت. أحمد زكي كان يعلم، أنه لو صارح المجتمع بحقيقة حياته ومهنة والده، سوف يلفظه المجتمع مهما إن كان تفوقه وإمكانياته العلمية والفكرية، وهذا ما قالته والدة البنت التي أحبها في الفيلم "عايزين واحد ابن ناس مُش واحد أبوه تُربي وأمه خدامة"! طبعا هذه المهن البسيطة تعني الفقر، والفقر من وجهة نظر كثيرين في المجتمع، وصمة عار وجريمة، لا تجعل الشخص يتم تصنيفه على أنه ابن ناس! هل أصبح في هذا الزمن الإنسان يتم تقييمه بالمال؟! للأسف قد يحدُث! للأسف المجتمع يشترك في هذه الجريمة، فيُعثر من لهم ظروف مادية واجتماعية بسيطة، فتجد كثيرين في المجتمع يكذبون، لكي يتجملوا ويستطيعون مواصلة الحياة جنبًا إلى جنب مع أولاد الناس! للأسف بعض المؤسسات الاجتماعية أو الدينية تشترك في هذه الجريمة، فقد تقوم بالتفرقة في المعاملة بين الفقراء والأغنياء، فتجد مثلًا بعض الرُعاة بالكنائس، قد يعطون الاهتمام والأولوية للأغنياء دون الفقراء، فتكون النتيجة عثرة لهؤلاء البسطاء. للأسف بعض المسئولين بالدولة قد يشتركون في هذه الجريمة، فأتذكر في سنة 2015، أن المستشار محفوظ صابر وزير العدل آنذاك، رفض تعيين ابن عامل النظافة في القضاء، وعند مواجهته برد فعل الناس في الشارع المصري، أصر قائلا "مازلت عند كلامي.. ابن الزبال ما يدخلش القضاء"! حظُه عثر من ينتمي إلى أسرة بسيطة، سوف تلاحقه لعنة أنه "ليس من أولاد الناس"! ولكن تعالوا نكون إيجابيين ونشوف بعض الأمثلة للذين كانوا يُصنفونهم على أنهم "ليسوا من أولاد الناس" عملوا ايه، ووصلوا لإيه! (1) كثيرون من رؤساء دول العالم المعاصرين وعبر التاريخ، كانوا من عائلات بسيطة، ولكنهم حفروا أسماءهم على جُثة الفقر والحياة الصعبة ليقودوا بلادًا وشعوبًا. قد لا تكونون ممن عاصروا الرئيس السادس عشر للولايات المتحدةالأمريكية، إنه "أبراهام لينكولن" المشهور بمُحرر العبيد، فهو رمز للعدل، وواضع الدستور الحالي لأكبر دولة في العالم وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية. هل تعلمون أن لينكولن هذا العظيم، الذي منحوه لقب بطل الحرب والسلام، ومحرر العبيد، ولد في (12 فبراير 1801-15 أبريل 1865)، ولد في كوخ صغير بغرفة واحدة، على الحدود الغربية لولاية كنتاكي، لعائلة ريفية فقيرة جدا. الفقر والظروف العائلية الصعبة لم تؤثر على طموحات لينكولن، فقد كان يُعلم نفسُه بنفسُه، ونجح في عام 1861 في الحصول على مقعد في البرلمان، قبل أن يُصبح رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية، واستمر حتى تم اغتياله في عام 1865. أيضًا هل سَمِعتُم عن الرئيس الترزي؟ أنه "أندرو جونسون"، الرئيس السابع عشر للولايات المتحدةالأمريكية، وكان ينتمي لعائلة فقيرة، فعاش حياة ما تحت الفقر، والدته كانت تشتغل بالمنازل، تغسل ملابس الأغنياء لإعالة أولادها، ولذا لم يُكمل تعليمه فعمل كترزي لحياكة الملابس. جونسون لم يمنعه الفقر ولا المستوي الاجتماعي من أن يُصبح رئيسًا للولايات المتحدة لمدة أربعة أعوام من 1865 - 1869، ويُقال إن زوجته هي التي علمته القراءة والكتابة، عندما كان مُقبلًا على منصبًا سياسيًا باهرًا. (2) كثيرون من العُظماء والذين يتحاكى بهم التاريخ، كانوا في الأصل فقراء ويفتقرون إلى المستوى الاجتماعي، والبعض واجهوا تحديات جسمانية وصحية، وبالرغم من ذلك نبغوا وتفوقوا وأصبحوا شيئًا من لا شيء. أحد هؤلاء العظماء "ستيف بول جوبز" مؤسس شركة "أبل"، أشهر الشركات لصناعة الإلكترونيات في العالم في عصرنا الحالي، ولد في 24 فبراير 1955، في سان فرانسيسكو لأبوين غير متزوجين، والداه هُما عبد الفتاح الجندلي (سوري الأصل) وأمه جوان شيل، رفضت عائلة الأم زواج ابنتهم من شخص غير كاثوليكي، الوالدان عرضا الطفل للتبني، فتبناه زوجان من كاليفورنيا، هما بول وكلارا جوبز وهما من عائلة أرمنية بولندية، وأسمياه "ستيف بول جوبز"، والده بالتبني كان يعمل بمجال الإلكترونيات فشجعه على الابتكار. صدمة ستيف فيما فعلاه والداه الأصليان، كان من المُمكن أن تُدمر حياته، وخصوصًا أنه علم فيما بعد أنهما تزوجا بعد شهور من عرضه للتبني وأنجبا شقيقة له. ستيف استطاع تحويل فشل والديه، وجحود المجتمع، إلى انتصار وتفوق، فابتكر جهاز ماكينتوش (ماك)، وأخرج إلى النور ثلاثة من أجهزة المحمول التي أصبحت بالفعل ثورة رهيبة في عالم الألكترونيات وهم (أي بود) و(أي فون) و(أي باد). أيضا، أكيد معظم المصريين يعرفون أو على أقل سمعوا عن عميد الأدب العربي، عظيم من عظماء القرن العشرين، ولد في صعيد مصر سنة 1889، من أسرة فقيرة، والده كان يعول ثلاثة عشر ولدًا، بالرغم من وظيفته البسيطة في شركة السكر. طه حسين هو رقم سبعة في ترتيب الأولاد، فقد بصره بسبب مرض الجدري وهو في بداية حياته، ولكنه أصبح نجمًا مُضيئًا بالرغم من ظلام بصره بسبب إصراره على تحدي ظروفه القاسية. لقد أثرى طه حسين الأدب العربي كما لم يفعل غيره، وفي 13 يناير 1950 تولى منصب وزير المعارف، ورشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل. (3) كثيرون من الأغنياء الذين يتربعون على عرش التفوق المادي كانوا في الأصل فقراء ولكنهم بإصرارهم على أن يصبحوا شيئًا من لا شيء أصبحوا مليونيرات ومليارديرات. ربما تكونون قد شاهدتم برنامج للإعلامية "أوبرا وينفري"، أو سمعتم عن أول امرأة من أصول أفريقية، تم تصنيفها في عام 2004 ضمن ال50 امرأة الأقوى والأكثر عطاءًا في أمريكا، وقد ذكروا أنه حتى عام 2012 كانت أوبرا وينفري قد تبرعت بنحو 400 مليون دولار للمؤسسات الخيرية والمعاهد العلمية. أوبرا وينفري نزحت من قاع الفقر إلى قمة النجاح والشهرة والمجد والثراء، كان والدها حلاقًا ووالدتها كانت تخدم بالبيوت، عاشت أوبرا عند جدتها في حي فقير، بعد انفصال والديها إلى أن بلغت السادسة من عمرها. عانت أوبرا من الفقر واليُتم، حيث اعترفت أنها كانت تبحث عن الطعام في سلة المُهملات، وجِدتها كانت تصنع لها ملابسها من أجولة البطاطس. هذه أوبرا وينفري التي ذاقت الفقر بكل مرارته، وذاقت اليُتم بكل جبروته، حيث إن والدها لم يعترف بأبوته لها، أوبرا تحدت الفقر والخلل الاجتماعي، وصممت على التفوق والتمُيز لتصبح شيئًا من لا شيء. حصلت أوبرا على منحة في جامعة "تينيس" لتُصبح بعدها من أهم أقطاب الإعلام في العالم، بعد ذلك حصلت على وظيفة كمُذيعة نهارية، ونجحت في تحويل هذه الفرصة إلى برنامجها الشهير "أوبرا وينفري شو". أوبرا تَحدَتْ الظروف الصعبة والفقر وتَحدَتْ المجتمع بكل ثقافاته لتُصبح شيئًا من لا شيء. في النهاية أتحدى أن تكون هناك قصة نجاح أو تفوق بدون ألم أو معاناة! فكثير من العظماء والمشاهير كافحوا وتحدوا ونجحوا، ولكن أصبح لنجاحِهم طعمًا مُميزًا لأنهم لم يتركوا ظروفهم الصعبة تتغلب على طموحاتهم بل هُمْ الذين غَلبوا ونَبغوا. وأخيرًا كلمة في أذن كل من يتخذ من الفقر والظروف الصعبة شماعة للفشل وعدم النجاح؛ مُنتظر إيه؟! أنت لست أقل من هؤلاء العظماء الذين أصبحوا عظماء بتحديهم لظروفهم الصعبة!