أبو دومة متحدثًا في هاتفه المحمول عقب اطمئنانه على سلامة رجاله بعد اجتيازهم نقطة التفتيش التي اعتاد على رشوة مسئوليها: الخطة ماشية كويس يا معلم والعملية تمت بنجاح، المهم تبيت لنا على تصريفة للبضاعة بسرعة؛ عشان المخازن بتاعتنا بقت مشمومة، والنهاردة هانضطر نجرش العربيات عند الحاجة جمالات بس.. في أرضها الجديدة في أكتوبر من غير ما نقول لها حاجة كالمعتاد بحجة أن العربيات لازم تريح قبل ما تسافر لأسوان بعد المشوار الجامد اللي خدته من العريش، بس خلي بالك مش كل مرة تسلم الجرة؛ لأن ولاد الحرام ابتدوا يبُخوا في ودنها كلام عن الموضوع وإننا بنتاجر في الصنف والذي منه، وأنا خايف كلامهم يزقزق في نافوخها ونروح كلنا في أبو نكلة... المعلم أبو سمرة مطمئنا صبيه أبا دومة: ما يبقاش قلبك خفيف كده يا أبو دومة.. يعني هي أول مرة ؟! ثم صمت لبرهة وواصل حديثه قائلا: بس تصدق.. أنت برضه عندك حق.. ما هو إحنا مش هانفضل نستعبط جمالات كتير كده من غير ما تكشفنا، تبيت الليلة دي وتريح العربيات طول النهار في أكتوبر وبعد المغرب تاخد المدق الجبلي للمحاجر بتاعتنا هاتلاقي المعلمين مستنينك عشان كله ياخد نصيبه ويتصرف فيه بمعرفته.. أبو دومة مؤمنا على كلام معلمه: عين العقل يا معلم بس إيه الدوشة اللي عندك دي ؟!! المعلم أبو سمرة بعدم اكتراث: ده مخيون المجنون عامل الهليلة بتاعته اللي استجدت عليه بعد ما مخه لحس.. أبو دومة متصنعا الرثاء لحاله: مخيون أخوك الكبير ابن المعلمة عطيات، أنا مش عارف ما طلعش لوالدتك ليه ولا للحاج الله يرحمه، إلا والنبي يا معلم بما إن الطريق طويل لأكتوبر عشان ما انعسش بس وأنا سايق إيه حكاية "أولاد مين؟!!" دي اللي كل ما تيجيله النوبة يفضل يكررها عمال على بطال ويتشال ويترقع لحد ما يقع من طوله ويغمى عليه ؟!! المعلم أبو سمرة بحنق بالغ: بس ما تقولش أخوك... ده حيالله أخويا من أمي، وأبوه حتة مدرس كحيان والمعلمة اتطلقت منه من زمان وبعديها وقع عليه البيت ومات، والحاج هو اللي رباه بس ما تمرتش فيه الرباية زي ما انت شايف كده، وموضوع "أولاد مين؟!!" ده لبد في نافوخه بعد ما كان في فترة من الفترات قبل أنت ما تشتغل عندنا بكتير استشيخ وابتدى يصلي في الجامع يقوم يقابله واحد شيخ ويلعب في نافوخه بالحكاية المعروفة بتاعة أبونا آدم وولاده قابيل وهابيل؛ لما قابيل طمع في مرات هابيل اللي هي كانت أخته وما ينفعش يتجوزها فراح قاتل أخوه وخدها بالعافية ومن ساعتها البشرية اللي أنت شايفها دي كلها شرفت على وش الدنيا، السؤال بقى اللي لحس مخ صاحبنا.. العالم دي كلها تبقى أولاد مين؟! أكيد أولاد القاتل لأن المقتول يا عيني ما لحقش يخلف ولا حتى يعيش عشان يكون ليه ذرية على وجه الأرض؛ الموضوع ده كله بقى نط على البرج اللي كان فاضل في نافوخه وساواه بالأرض بعد ما في يوم شافنا أنا وإخواته بنخلص على المعلم بصبوص العفش هو ورجالته وبندفنهم في قلب الجبل بعد ما غدر بينا لما كان عايز يطلع شاهد ملك في القضية اللي اتقبض عليه فيها، وأنا بكره أن ما استرجلش وعقل وكمل شغل معانا هايكون لي تصرف تاني معاه.. تزيد الحالة على مخيون ويخيل إليه أنه بإبلاغه الحكومة عن عائلته يكون قد طهرها من كل ما اقترفته من آثام، ولكن أحد الصولات المرتشين يبلغ المعلم أبو سمرة، مطالبا إياه بالتصرف السريع قبل أن تقع الفاس في الراس، يستدرج أبو سمرة أخاه إلى أحد المحاجر التي يمتلكونها شاهرا سلاحه في وجهه وهو يقول: طول عمرك كنت عايز تعرف إحنا ولاد مين، أيوه إحنا أولاد القاتل -ثم مطلقا الرصاص بين عينيه ليسقط مدرجا في دمائه- ليستكمل أبو سمرة حديثه إليه وكأنه ما زال يسمعه، بس يا خسارة... عشت طول عمرك ومت كمان حمار؛ عشان عرفت بعد فوات الأوان إنك أنت لوحدك بس ابن المقتول.