في مجلة نصف الدنيا عام 2002 وفي حوار حول اختفاء الفكاهة والنكتة عند المصريين قال الدكتور علي فهمي الباحث الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: لا بد أولا من الإشارة إلى أن النكتة والفكاهة تحتاج إلى ذكاء وحضور بديهية، ورهافة في الذوق والشعور.. وكل ذلك لا ينقص الشعب المصري الذي لا يباريه أحد في اللعب بالألفاظ واستخراج ما فيها من معان ماكرة، فهو أحسن من يجيد التورية والطباق والجناس. أجلس على مقهى مثلا خاصة في الأحياء الشعبية.. ستجد أن النكتة والقافية تدور على كل لسان، وأنه عندما يبرع أحد في التفكه والنكتة نسميه «ابن نكتة». لكن المتأمل لأحوال الشعب في الفترة الأخيرة سوف يلحظ درجة من العبوس وعدم التفاؤل، والتوجس من المستقبل رغم كثرة الأعياد والمناسبات والاحتفالات. أصبحنا نفضل الاستغراق في الأحزان حتى إن أكثر أحاديثنا أصبحت عن الماضي الذي لن يعود، وعن حسنات الزمن الجميل. أصبحت أفضل مسلسلاتنا التليفزيونية هي مسلسلات النكد والهم والغم، وبرامج العجائز والمرض وتأبين الراحلين وكأننا نتسلى بأحزاننا ومشاكلنا، ولم نعد نواجهها بالصبر وروح النكتة المعروفة منا. والنكتة المصرية عموما تدور حول محوري الجنس والسياسة، وإن أسباب انكسار النكتة هو أن هذه المحاور من قبيل المحظورات التي لا يجوز تناولها بالنكتة. ولا يمكن الجزم بانحسار النكتة، لكن غاية ما في الأمر أن ملاحظاتنا الميدانية يتضح منها أن النكتة السياسية اختلفت في كل حقبة سياسية لكنها موجودة، لأن المصريين وعلى الأخص القاهريين لجأوا إلى النكتة والشائعات كسلاح ضد القهر السياسي والاقتصادي خاصة في العهدي العثماني والمملوكي للتشهير بالسلطة من جهة ولتعزية النفس من جهة أخرى. لكن الملاحظ أن النكتة لم تعد تستثير ضحكا دافئا عميقا.. أو ما يسمى ضحك من القلب، بل نلاحظ أن الضحك أصبح يأخذ شكلا هستيريا عصبيا، وله صوت مرتفع لأنه من الحلق والحنجرة وليس من القلب.. ولعل هذا راجع إلى ظروفنا الحياتية الصعبة.