مرة أخرى هجمة إخوانية غليظة على حرية التعبير، هجمة ثقيلة الظل، لا تتفهم النكتة ولا تدرك الفكاهة، وتعلن الحرب مباشرة على الضحك.. قبل يومين، أمر النائب العام بالتحقيق الفورى مع المذيع «باسم يوسف» بعد أن تقدم أحد المحامين ببلاغ يتهم فيه المذيع بازدراء الأديان وتعمُّد إهانة الرئيس، فى برنامجة التليفزيونى الساخر..!! بلاغ آخر للنائب العام ضد رسامة الكاريكاتير الشابة «دعاء العدل» يتهمها أيضاً بالإساءة إلى الأنبياء، وإهانة الرئيس، عبر رسوماتها الكاريكاتيرية الساخرة..!! بينما قامت ساقية الصاوى (فى مغازلة إخوانية صريحة) برفع كل رسوم الكاريكاتير، التى تنتقد الدستور، والإخوان المسلمين، والرئيس مرسى، من معرض (حصاد الكاريكاتير 2012) الذى أقامته هذا الأسبوع لشباب رسامى الكاريكاتير..!! الكاريكاتير يفزعهم ويخيفهم، ويهدد عروشهم، سبق للنظام السورى أن استهدف أصابع رسام الكاريكاتير «على فرزات» خرجوا عليه فجراً، فى طريق دمشق - المطار، قاموا بكسر يديه تحديداً ليمنعوه من الرسم والاحتجاج..!! كل الطغاة يخافون الضحك، الضحك يكشفهم ويعريهم، يسقط أقنعتهم، لتبدو وجوههم هزيلة ومرتعشة.. علَّق أحد النشطاء على صفحات «الفيس بوك»: «السخرية والنساء سوف تسقط الإخوان المسلمين»، وبالفعل السخرية والضحك والنساء، أيضاً، أسلحة فاعلة، صناعة مصرية ثقيلة لمقاومة الطغاة وإسقاطهم.. للضحك خصوصية مصرية على امتداد التاريخ، تضاعف الحياة، وتضاعف الاحتجاج، وهو أحد عناصر إحداث التغيير.. حضارة برعت فى السخرية، ففى أحد النصوص الفرعونية (يُهدَّد فلاحو مصر بالحرمان من الخلود فى الآخرة، إن أمعنوا فى التندر والتفكه والسخرية من الفرعون والنبلاء والكهنوت) هو الفهم العميق لقوة الضحك، وطاقته الاحتجاجية المتمردة (فالسخرية من العاهل، هى بداية الثورة عليه) هذا ما أدركه شكسبير، وأدركته كل الثورات على اختلاف شعوبها.. فى رواية «اسم الوردة» للإيطالى أمبرتو ايكو، أخفى رهبان أحد الأديرة بالقرون الوسطى الجزء الثانى من كتاب أرسطو «فن الشعر» وموضوعه «الملهاة» أو الكوميديا، لاعتقادهم بخطورة الضحك على العامة (الحقيقة التى حاولوا إخفاءها، هى خطورته على رجال الدين) لأن الضحك يسقط الأقنعة، ويزيل المسافة، ويحرر الإنسان من الخوف، يحرر أعماقه وروحه، يجعله قادراً على المواجهة والمكاشفة والنقد، يهز سكون الثابت، يخترق المحظور والممنوع، ويجترئ على كل سلطة، يفككها ويعيد صياغتها.. الضحك سلاح الأقوياء، أو هو قوة السلاح بما ينطوى عليه من قوة المعرفة، والحرية، ولهذا تخشاه السلطات جميعاً.. ومثلما كانت النكتة أحد إبداعات الخيال المصرى فى ثورة يناير (الثورة الضاحكة) كما أطلق عليها.. النكتة التى أسقطت مبارك، وأطلقت خيال المصريين، حررتهم من الخوف واللامبالاة والسكون والسلبية.. سوف تسقط السخرية أيضاً الإخوان المسلمين، تكشف غلظتهم وعبوسهم وتجهمهم.. جماعة لا يفهمون النكتة، ولا يدركون معنى السخرية، يسكنهم الخوف ويكبلهم، تفزعهم الضحكات، تفزعهم الحياة، ويرتعدون أمام مشهد الحرية.