الكذب خيانة للأمانة وضياع للحقوق وإثارة للفتن وإشعال للصراعات الطائفية والمذهبية، وإذا تفشى في قوم أو في مجتمع أفسده، وأدى إلى تدهوره وتفككه وانهياره.. ويحاول الشخص الكذوب أن يستخدم من الكلمات والعبارات، ومن أساليب التحايل والغش والخداع ما يمكنه من الوصول إلى أهدافه ومراميه.. وعلينا أن نتنبه، أفرادا وجماعات، إلى مثل هذه النوعية من البشر، وأن نتخذ من التدابير والإجراءات ما يقينا ويقى مجتمعاتنا منها.. وقد أثر عن عمر (رضى الله عنه)، قوله: "لست بالخب والخب لا يخدعنى"، أي لست غاشا مخادعا، وفى الوقت ذاته لا يستطيع الغاش المخادع أن يغشنى ويخدعنى.. والحقيقة أنه مهما كانت فاعلية وسائل الغش والخداع ودرجة إتقانها وتأثيرها، إلا أنها -في العادة- لا تصمد طويلا، ويأتى اليوم الذي تنكشف فيه أمام الجميع، فقط يحتاج الأمر من صاحب الحق أن يصبر ويحتسب، وعليه ألا يدخر وسعا في سبيل إظهار الحقيقة متى سنحت الفرصة لذلك.. في المحنة الخامسة ليوسف (عليه السلام)، رأينا كيف لعب الكذب والغش والخداع دورا في إيداعه السجن.. وقد استجاب الملك لطلبه، وقام باستحضار امرأة عزيز مصر والنسوة اللاتى كن موجودات معها، ولعبن دورا في مراودته عن نفسه وسجنه.. وبعد أن حضرن، سألهن الملك: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه؟)، أي ماذا كان حالكن وشأنكن عندما دعوتن يوسف إلى مقارفة الفاحشة؟ فكان الرد بكل وضوح وجلاء: (قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء)، أي معاذ الله أن يكون يوسف أراد السوء؛ وفى هذا الرد تنزيه له وتعجب من عفته.. هنا(قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق)، أي لم يعد هناك مفر من الاعتراف بالحقيقة، ولم يبق لدى ما أخفيه (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين)، لذا هو بريء مما أسندناه إليه زورا وبهتانا.. قول يوسف عندما وصلته هذه الشهادة، أنه لم يخن العزيز في زوجته في غيبته، بل تعفف عنها، ذلك لأن الله تعالى لا يوفق الخائنين، ولا يسدد خطاهم (وأن الله لا يهدى كيد الخائنين).. قال: (وما أبرئ نفسى أن النفس لأمارة بالسوء)، أي لا أزكى نفسى ولا أنزهها، فإن النفس البشرية تميل -بطبيعتها- إلى الشهوات.. (وللحديث بقية إن شاء الله، وكل عام وأنتم بخير).