لا يمكن تنزيه أحد من البشر أن يقع في الخطأ إلا من عصم الله من الأنبياء والمرسلين، وذلك فمن رحمة الله بالإنسان أن فتح له باب التوبة والمغفرة، وكما يقول العلماء "التوبة أول الطريق وآخر الطريق وتستمر طوال الطريق"، وهي أنواع : توبة من المعاصي، وتوبة من التقصير، وتوبة من عدم تحقق الإخلاص، وتوبة من رؤية العبد لأعماله وما وفق إليه من الخير والطاعات (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) ويمر على الإنسان فترات يسيطر عليه فيها الغرور والصلف ويتمادى في ذلك كثيراً، فلا يرى إلا نفسه فبالتالي لا يرى إلا ما تريده نفسه، ومن حكمة الله الرحمن الرحيم أنه جعل الدنيا ليست دار راحة وطمأنينة ولا يسكن فيها الإنسان على حال تجلب له السعادة الدائمة، فاليوم صحيح وغداً مريض، واليوم يشيع والده إلى قبره وغداً يشيع صديقاً أو من كان على دربه من ملك أو لهو أو غنى أو غير ذلك، وكثيراً ما يبتلى بتشييع الأصغر سناً من معارفه أو أصدقائه أو من ذريته وأهله، ومثل كل هذه الأحداث نعمة من الله للمؤمنين ليزدادوا أجر بالصبر والرضا، وللغافلين لعلهم يعودوا إلى رشدهم وتستقيم أحوالهم على طاعة الله ولكن هناك صنف يبقى على ضلاله لا يتأثر ولا يفقه ولا يعي كأنه قد ختم على قلبه - نسال الله العفو والعافية – وفي القرآن الكريم وسيرة الصحابة أمثلة لكل أصناف البشر، فهذه الغامدية – رضي الله عنها –ذهبت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تطلب أن يطهرها مما وقعت فيه بإقامة الحد عليها، مع أنه لم ترفع قضية عليها ولم يشهد عليها شهود، ولكن قلبها راقب علام الغيوب ووجدت أن أمر الدنيا أهون من أمر الآخرة. وهذه امرأة العزيز أخذها جهلها وغرورها وصلفها أن دعت غلامها إلى نفسها وادعت عليه كذباً أنه راودها، وكشف الله كذبها وسوء فعلها، ولكنها أصرت على سجنه، وبعد أن أظهر الله براءته، فاقت إلى رشدها وتركت غرورها وقالت كلمة الحق " قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ" بينما نرى امرأة كامرأة لوط رغم كل الخير الذي ينزل على زوجها من الحق وشواهد النور التي تحيط ببيتها إلا أن الصلف ظل معها إلى أن كانت من الهالكين. واليوم وأنا اذكر أن القضاء لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً، وأن المحامين يجب أن لا تكون مهمتهم السعي لبراءة مرتكبي الجريمة أياً كان من هو، بل مهمتهم إظهار الحق إن كانوا يعلمونه، وليعلم الجميع أن الدنيا ستمر مر السحاب وأن الآخرة خير وأبقى وأن خزيها هو الخزي الحقيقي، وأقول : أما من شجاع كامرأة العزيز يعترف بالحق لعل هذا الاعتراف يجلب له سعادة الآخرة بالتوبة وعفو الناس عنه وإن أبقى له عار في الدنيا، ولكن كثيرا من الناس سيمدحون شجاعته لأن الإنصاف من النفس صعب عليها.