قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أشعر بقدر عظيم من الأسى والحُزن وأنا أتحدث بعد مرور خمسين عامًا بالتمام على احتلال إسرائيل للأراضي العربية والفلسطينية في يونيو من عام 67. وأوضح خلال كمته أمام مجلس الأمن الدولي بند "الحالة في الشرق الأوسط وبخاصة القضية الفلسطينية" كنت دبلوماسيًا مصريًا يافعًا حينها وتقلدت منذ هذا التاريخ مناصب ومهام عديدة على مدار خمسين عامًا كاملة ولايزال الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية مستمرًا من دون أن تبدي القوة القائمة بالاحتلال أي بادرة حقيقية لتسوية مقبولة تنهي الصراع إلى غير رجعة. وأضاف: يتأمل الإنسان كم الأرواح التي أُزهقت والفُرص التي ضاعت والجراح التي تفاقمت خلال هذه السنوات الخمسين ولا يملك إلا أن يتساءل كيف أثر هذا الصراع المرير على معظم مجتمعاتنا العربية سلبًا، كيف أخذ من طاقاتنا وضاعف من اشكالاتنا، كيف أنهك قدرتنا على التنمية، وكيف ولَد لدى الكثير من شبابنا فلسطينيين وعرب براكين غضب هائلة نفَثت عن نفسها في صور عديدة بعضها من البشاعة بحيث أنه يكاد يسقط عن الإنسان انسانيته. وقال أبو الغيط «لقد مني الجانب العربي في يونيو من عام 1967 بهزيمة مباغتة نتجت عن العدوان الإسرائيلي على أراضيه.. ولا يزال يدفع ثمنها حتى الآن.. وعلي الرغم من أن حرب 1973 قد أدخلت وضعًا عسكريًا وميدانيًا جديدًا على معادلة الصراع إلا أن الاصرار الإسرائيلي على التمسك بالأراضي الفلسطينية تحت أي ذريعة – وهذه الأراضي تمثل جوهر الصراع فعليًا - يجعل من التوصل إلى تسوية عادلة ودائمة أمرًا شديد الصعوبة. ويجد الشعب الفلسطيني بشكل خاص نفسه في مأزق بالغ التعقيد.. إذ لم يعُد له - بعد احتلال ال22% المتبقية من أراضي فلسطين تحت الانتداب البريطاني - مكانًا يُمكن أن يدعوه دولته المستقلة.. وهو وضعٌ شاذ وليس له نظيرٌ تقريبًا في التاريخ الحديث ولكنه مستمر – وللعجب- منذ نصف قرن كامل، وهناك للأسف من الاسرائيليين من يرى أنه قابل للاستمرار لأعوامٍ بل وعقود قادمة. لقد اعتمد مجلسكم الموقر بعد عدة أشهر من انتهاء الأعمال العسكرية القرار 242 وهو القرار الذي رفض الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة كما ورد في ميثاق الأممالمتحدة.. كما وضع الأساس الحقيقي لأية تسوية مقبولة للنزاع وهي التي تقوم على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المُحتلة مُقابل إقامة علاقات سلام طبيعية معها.. وهذا المنهج يظل السبيل الوحيد لمُعالجة القضية الفلسطينية أيضًا.. بل إن هذا المنطق هو ذاته ما استندت اليه الدول العربية عندما اعتمدت في قمتها ببيروت عام 2002 مبادرة السلام العربية: انسحابٌ اسرائيليٌ كامل وإنهاء للقضايا العالقة مقابل علاقات سلام طبيعية كاملة.. معادلةُ تبدو سهلة ومقبولة وعادلة للجميع.. وأيدها المجتمع الدولي بأشكال عديدة.. الا إسرائيل.. التي لم نسمع عن سياسي أو مسئول واحد بها أعلن قبوله بها حتى الآن. ومن المؤسف أنه في المقابل لا تطرح إسرائيل سوي بديل واحد.. استمرار الاحتلال.. بل وتكريسه ليصير عمليًا نظامين للحياة يخضعان لسُلطة الدولة الإسرائيلية.. وفي هذا البديل لا توجد سيادة فلسطينية على الأرض.. أي أرض.. وفيه تتحول الحكومة الفلسطينية إلى مجرد سُلطة بلدية تدير شئون المواطنين تحت السيادة الإسرائيلية.. وللأسف الشديد فقد نجحت إسرائيل في وأد الأمل الذي ولده اتفاق أوسلو عام 93 بل ودفن هذا الاتفاق عمليًا.. من خلال تثبيت واقع الأبارتايد المرير في الضفة الغربية وواقع السجن الكبير في قطاع غزة. لقد ترسخ هذا الواقع المؤلم والمُخزي تحت سمع وبصر العالم عامًا بعد عام.. وبقدر ما يُمثله هذا الوضع من مُعاناةٍ وجُرحٍ نفسي ووجداني للفلسطينيين الذين تضيع أعمارُهم في نقاط التفتيش وخلف جُدران العزل، بقدرِ ما يُمثلُ إدانةً كاملة للمنظومة الدولية التي يُعد هذا المجلس أهم عنوان لها.. لابد أن نعترفَ جميعًا أن هذه المنظومة فشلت، وبعد خمسين عامًا من الاحتلال، في توفير الإطار الملزم لإنهائه أسوة بما جري مع العديد من الصراعات الإقليمية والدولية الأخري.. ولا أخفيكم أن شعورًا عميقًا بخيبة الأمل يجتاح الفلسطينيين إزاء قُدرة المنظومة الدولية على إسنادهم وتحويل تطلعاتهم إلى واقع. السيد الرئيس السيدات والسادة تمنحنا معاهدات السلام التي وُقعت بين إسرائيل من جانب وكلٍ من مصر والأردن من جانب آخر بصيص أمل في أن إقامة السلام ليست مستحيلة.. إن هذه الاتفاقيات تُمثل مصابيح قليلة في نفق طويل مُظلم من الصراعات والعُنف.. وما من شك في أن صمودها أمام اختبار الزمن، وتمسك أطرافها بها لا يعني سوى أنها قامت على أساس صحيح، وأنها انطلقت من نهج سليم.. واليوم، وبعد جولات لا حصر لها من التفاوض السري والعلني.. وبعد جهود مُخلصة ومضنية بذلها الكثيرون من أجل الوصول إلى التسوية العادلة.. وبعد اتفاقات مرحلية وتفصيلية عديدة جرى توقيعها في جولات مختلفة من التفاوض– كنت شخصيًا شاهدًا على أغلبها – أقول.. بعد هذا التاريخ الطويل من الإخفاق في إنهاء الصراع علينا أن نصارح أنفسنا بأمانة كاملة بأن كل هذه الخطط والمحاولات لم تحقق النجاح لأنها لم تعالج لُب الصراع وجوهره، وإنما انصبت على خلق أوضاع مرحلية وإقامة ترتيبات مؤقتة لا تُعالج الجوهر.. وقد ثبت عمليًا أن هذا النهج لا يفضي سوى لإطالة أمد الصراع. إن جوهر المسألة هو احتلال الأرض في عام 1967.. ولا حل سوى بمعالجة هذا الجوهر مُباشرة وبشكل حاسم، وعلى أساس مبدأ الأرض مقابل السلام.. وأي عملية تفاوضية لا تنطلق من هذه الفرضية البديهية محكوم عليها بالفشل. إن خبرتنا الطويلة في التعامل مع هذا النزاع المُركب هي التي تحملنا على الحديث بصراحةٍ عن الاخفاقات السابقة وضرورة عدم تكرارها، وذلك بالتوجه مُباشرة ودون إبطاء إلى مُعالجة قضايا الحل النهائي التي تمثل صلب النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على وجه الخصوص، وعلى رأسها الحدود والقدس والأمن واللاجئين.. من هنا فإنني أود أنني أطرح على المجلس الموقر النقاط التالية: أولًا: أن الأطراف المعنية لا تكون في العادة قادرة بمفُردها على مباشرة عملية تفاوضية ناجحة من دون دعم دولي قوي ومتواصل.. وإذا تُرك الطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي بالذات، من دون إسناد دولي فاعل، فأغلب الظن أنهما سيعجزان عن إنجاز أي اتفاق أو تسوية، خاصة في ضوء الخلل الفادح في ميزان القوى. وهنا أود أن أشيد بكل دولة حاولت على مدار تاريخ هذا النزاع أن تقرب بين الأطراف.. وأخص بالذكر الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لعبت حكوماتها المتعاقبة أدوارًا متعددة في أهميتها وتأثيرها والتي آمل شخصيًا أن يستمر انخراطها الإيجابي بشكل متوازن مع الأطراف للوصول إلى التسوية المنشودة. ثانيًا: أن أي تفاوض جاد لابد له من إطار مرجعي متفق عليه لا تستقيم المفاوضات بدونه.. هذا الإطار يتمثل في مُقررات الشرعية الدولية: قرارات هذا المجلس وقرارات الجمعية العامة.. مبدأ الأرض مقابل السلام.. مبادرة السلام العربية. هذا الإطار المرجعي هو الذي يجب أن يحكم أي عملية تفاوضية جادة بحيث لا تكون الأمور عبثية وتدور المباحثات في دوائر مفرغة ثم تنتهي إلى لا شيء. ثالثًا: إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتبنى إستراتيجية من شأنها أن يتحول حل الدولتين إلى بديل مُستحيل من خلال تنفيذ خطة ممنهجة في بناء المستوطنات واختيار مواضعها بصورة تجعل قيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف في المُستقبل شبه مستحيل من الناحية الجغرافية.. وربما سمع البعض منكم ما صدر من تصريحات عن وزير الدفاع الإسرائيلي منذ أيام يتباهي فيها بأن عدد تصاريح البناء التي تمت المُصادقة عليها منذ بداية هذا العام في المُستوطنات اليهودية في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية المُحتلتين هو الأكبر منذ عام 92.. وأن الحكومة صادقت خلال هذا العام وحده على 8354 وحدة سكنية جديدة، منها 3066 للبناء الفوري، وهو عدد غير مسبوق..لقد كان عدد المستوطنين عام 1996 نحو 150 ألفًا، وبلغ اليوم نحو 400 ألفًا، بخلاف 200 ألف آخرين في القدسالشرقية. هذه المُعطيات لا تدع أمامنا أي شكٍ في أن المشروع الذي تتبناه القيادة الإسرائيلية الحالية هو مشروع استيطان لا مشروع سلام.. وقد كان قرار مجلس الأمن 2334، بما توفر له من إجماع غير مسبوق وبعد طول ابتعاد عن تناول النزاع، خطوةً في الاتجاه الصحيح على طريق نزع الشرعية عن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وتكثيف الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية للتراجع عنه.. ولابد أن تعقبه خطوات في الاتجاه نفسه، خاصة وأن القرار يتضمن طلبًا إلى سكرتير عام الأممالمتحدة بوضع تقرير أمام المجلس كل ثلاثة أشهر لمُتابعة تنفيذه. رابعًا: إن مبادرة السلام العربية تُقدم لإسرائيل فُرصة تاريخية بإقامة علاقات طبيعية ليس فقط مع جيرانها من العرب بل مع دول العالم الإسلامي أيضًا.. وقد أعادت قمة عمان في مارس الماضي التأكيد على هذه المبادرة كخيار عربي إستراتيجي.. غير أنني أجدني هنا مضطرًا للتأكيد على موقف القمة، وهو أن إسرائيل ليس بمقدورها أن تجنى ثمار السلام قبل تحقيق هذا السلام. خامسًا: تلاحظ دول الجامعة العربية مؤخرًا جهودًا متواصلة تبذلها إسرائيل – وهي لازالت بكافة معايير القانون الدولي دولةً قائمة بالاحتلال – لتطبيع وضعيتها في الأممالمتحدة بأجهزتها ووكالاتها المتخصصة.. وأبرزها بالطبع مساعيها للترشح لعضوية مجلس الأمن لعامي 2019 و2020.. إن إسرائيل في حالة انتهاك دائم لأحكام ميثاق الأممالمتحدة ومبادئ القانون الدولي وبالتالي تفتقد أدنى شروط الانضمام إلى مجلس الأمن.. ويعد القبول بها عضوًا في هذا المجلس ضربًا لشرعيته في الصميم، كما يعطي دفعة قوية لمُعسكر التشدد وجماعات الاستيطان الإسرائيلية فإذا كان فإذا كان تطبيع الوضعية الدولية أمرًا سهلًا بدون مقابل، فما الذي يحملها على التفاوض الجاد من أجل إنهاء الصراع؟ إنه مما يُثير العجب حقًا أن تجد إسرائيل في نفسها الجرأة الكافية لكي تترشح لهذا الموقع، وهي لا تفوت فُرصة للنيل من مصداقية الأممالمتحدة وإظهار الاستخفاف بها وبما تمثله.. ولعلنا سمعنا ما دعا إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرًا من حل وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) مُتهما إياها بالتحريض ضد إسرائيل.. ولا غرابة، إذ أن هذه الوكالة تُمثل عنوان الالتزام الدولي تجاه قضية اللاجئين والحكومة الإسرائيلية ترمي في الأساس إلى تصفية هذه القضية ومحوها من الأجندة الدولية. سادسًا: إن مُعالجة قضايا الحدود والأمن والقدس واللاجئين هي أساس التوصل إلى حل مقبول ومستدام.. لكن الحكومة الحالية في إسرائيل لا تزال تتفنن في طرح أصعب القضايا قبل أي تفاوض وكأنها تسعى إلى وضع العصا في عجلة التسوية السلمية.. وعلى سبيل المثال، فلا يُعقل أن يجري إلزام الطرف الفلسطيني بالاعتراف بما يُسمى بيهودية الدولة الإسرائيلية ابتداءً، وقبل أن تنطلق عملية تفاوضية ذات معالم، ويتوفر لها الحد الأدنى من الضمانات.. إن من العبث حقًا أن تُطالب حكومة لا يعترف أغلب أعضائها بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة بأن يُقر الفلسطينيون بمبدأ غائم ومُلتبس وحافل بالثغرات الحقوقية، كيهودية الدولة، كشرط لإطلاق التفاوض. السيد الرئيس إن مرور خمسين عامًا على احتلال الأراضي العربية هو ذكرى أليمة على نفس كل عربي.. لقد آن أوان إنهاء كابوس الاحتلال الجاثم على الصدور، والذي كان سببًا جوهريًا في تنامي العُنف والراديكالية والإرهاب في كافة أرجاء المنطقة.. إن العالم يحتاج إلى تسوية هذا الملف بشكل نهائي وعادل حتى تعود الحقوق إلى أصحابها وينفتح الطريق أمام السلام والاستقرار والتنمية في هذا الإقليم المثخن بالجراح. على مجلس الأمن أن يضطلع بدوره الهام في هذا الصدد.. عليكم أن تعيدوا الأمل والثقة للفلسطينيين على وجه الخصوص بأن العالم لن يتخلى عنهم، وأنهم لن يصيروا مجرد أرقام منسية أو مشكلة مؤجلة.. والجامعة العربية على استعداد كامل للعمل معكم من أجل تحقيق السلام المنشود ».