رافقه سنوات طويلة، وكان شاهدا على معاركه الفكرية، قبل أن يخلفه في رئاسة جمعية التنوير بضاحية مصر الجديدة، إنه رفيق الدرب "إسحق حنا" الذي زامل وعاصر واقترب من فرج فودة، ويكشف في هذا الحوار جانبا من الأسرار.. بداية.. متى بدأت صداقتك بفرج فودة، وهل شهدت تأسيس الجمعية؟ تعرفت على فرج فودة عام 1983، وتأسست الجمعية بالفعل 1989 بشكل رسمي، إلا أن بوادر إنشاء الجمعية وفكرتها كانت تدور في رأس فودة منذ السبعينيات وبدأ آنذاك باتخاذ الخطوات والإجراءات نحو إنشائها، لذلك لم أحضر معه المحاولات الأولية لإشهار الجمعية واجتماعاتها الأولى، وعلى الرغم من تأسيس الجمعية في حياة فودة، إلا أنها لم تبدأ في العمل على أرض الواقع إلا بعد استشهاده، رغم رسميتها، ربما لأن اسم فرج فودة كان أكبر من الجمعية، فلم تكن بحاجة للعمل في ظل نشاطه، لذلك تم تفعيلها بعد وفاته. مقر الجمعية هو المكتب الشخصي لفرج فودة خلال حياته، فكيف كانت ممارساته اليومية بمكتبه؟ بالفعل، هنا مقر مكتبه وعمله الفكري، حيث كتب هنا معظم مؤلفاته الفكرية ومقالاته.. وكان يقضي معظم اليوم بين الكتابة والقراءة، حيث يبدأ اليوم بإرسال الساعي لجلب جميع الصحف اليومية، ثم يجلس لتصفحها جميعها، ومن ثم يبدأ في تجميع معلوماته ذاتيًا ليبدأ في الكتابة، وعلى المستوي الشخصي، لمست في فودة خفة الظل، ورجاحة العقل، وهو مايستطيع أي قارئ لمقالاته أن يدركه بسرعة كبيرة، حيث اتسمت معظم مقالات بخفة الظل المطعمة بالسخرية، وهو ماكان يجعل مجلة أكتوبر التي كان ينشر فيها الراحل تنفد بعد عدة ساعات من طرحها.. في حين تتسم كتبه بالعقلانية والجدية الفكرية. عقب إشهار الجمعية.. من كان أبرز أعضائها؟ عدد كبير من المشاهير في الفن والسياسة والأدب، ومنهم المخرج كرم مطاوع، والفنان عادل إمام وسمير الإسكندراني، وعدد من الكتاب من ضمنهم سيد القمني، وسيم السيسي، المستشار سعيد العشماوي. ما الخطوات الأولى التي اتخذتها الجمعية عقب وفاة فودة، وطبيعة عملها؟ بعد استشهاده كان لابد من تحويل مقر الجمعية من كونها مكتبا شخصيا، لمكان يتسع للاجتماعات والأعضاء، لذلك قمنا ببعض التوسعات.. ثم بدأنا في إعادة الصيغة الإدارية للجمعية، وهيكلة مجلس الإدارة والجمعية ككل. برأيك ما الذي ميز فودة عن جميع مفكري جيله؟ الشجاعة والجرأة والعقلانية والوضوح. كثيرا ما تنبأ فرج بمستقبل العالم العربي سياسًيا، فكيف كان يستشرف تلك التحليلات؟ صحيح.. ولكنه لم يكن يتنبأ بناء على وهم، وإنما كان يستشرف المستقبل بناء على تحليلات منطقية وعقلانية ناتجة عن قراءته للمشهد السياسي والجماعات الإسلامية، وصدقت توقعاته لأنه لم يكن يكذب على نفسه في تحليلاته، ولا يتوسع في الخيال، وإنما كان يرى حدود الحقيقة كاملا بلا زيادة أو نقصان، فتنبأ بتقسيم العراق، وسقوط صدام حسين، وإفلاس الريان. كتاب "الملعوب"، كشف ألاعيب الجماعات الاقتصادية، فهل كان سببا رئيسيا في اغتياله؟ بالطبع، فاغتيال فرج فودة لم يكن فقط بسبب مقالاته ومهاجمته للجماعة، وإنما أيضًا لأنه فضح مصادر تمويلهم وشركات التوظيف التي كانوا ينشئونها لبيع الوهم إلى الناس. فودة كان يؤكد أن توغل الجماعات في فترة السادات جاءت بمساندة أمن الدولة، فهل جنت الأجهزة الأمنية حاليًا نتيجة ماغرسته؟ أعتقد أن الأجهزة الأمنية في معظم الدول هي أجهزة تتلقى التعليمات وتنفذها، وتلك التعليمات تصدر من رئيس الدولة نفسه، لذلك فالمسئول الحقيقي عن استشراس الجماعة هو السادات نفسه وليس جهاز أمن الدولة وحده. إذن السادات هو من أراد خروج جماعة الإخوان إلى النور؟ بالطبع، التاريخ يؤكد ذلك، وفى الدول التي تشبه مصر، لا يحدث شيء بعيدا عن علم الحاكم. عودة لفرج فودة.. لماذا قلت أنشطة الجمعية خلال السنوات الماضية؟ صحيح أنها قلت، ولكن نحن ننظم بشكل دوري عدة ندوات حوارية خارج المقر الرئيسي للجمعية نظرًا لصغره، وسنقيم ندوة تتزامن مع ذكرى استشهاده الخامسة والعشرين في حزب المصريين الأحرار. الجمعية كانت تحتوي على قامات كبيرة في عضويتها.. فأين ذهب نشاطهم؟ هناك أعضاء كثر توفاهم الله، وهناك من يعاند كبر سنه ويحاول حضور الأنشطة، ولكن مازالت تستقبل الجمعية أعضاء جددا، وحاليًا أغلبهم من الشباب. أخيرًا.. هناك من يشبه المفكر إسلام البحيري بفرج فوده.. فهل يصح التشبيه؟ فودة كان صاحب نظرة أكثر شمولية وكان مثقفا واعيا ومفكرا كبيرا، أما البحيري فمتخصص في "البخاري" فقط!!