توفي الأكاديمي التونسي محمد الطالبي، أحد الباحثين في القرآن والإسلام، عن سن ناهز 96 عاما، وهو أول عميد في تاريخ كلية الآداب بجامعة تونس، كما درّس مادة التاريخ الوسيط، وأصدر مجموعة من الكتب تدعو إلى اجتهاد أكبر في الإسلام. وبحسب صحيفة "رأي اليوم"، عرف محمد الطالبي ميله الصريح نحو التفسير المباشر للقرآن بعيدا عن تفاسير واجتهادات علماء الإسلام المعروفين، كما اشتهر برفضه اعتماد الشريعة، واصفا إياها بأنها افتراء على الله بما أنه لم توضع إلّا في القرن السادس الهجري، كما اشتهر بعدة آراء مثيرة للجدل جرّت عليه انتقادات كبيرة من مشايخ داخل تونس وخارجها. فقد قال محمد الطالبي حسب تقرير ل"سي إن إن"، في أكثر من لقاء إعلامي، إن البغاء حلال في الإسلام، شأنه شأن شرب الخمر، كما قال إن عدم ارتداء المرأة للحجاب، حتى ولو خرجت عارية، لا اتتوّلد عنه أيّ عقوبة في الإسلام، متحدثا كذلك عن أن حكم الرجم (في حق ممارسي الخيانة الزوجية) غير موجود في القرآن، والأمر ذاته ينطبق على حد الردة (الخروج عن الإسلام). وكان أول عميد لكلية الآداب بتونس العام 1955، وكتب ثلاثين مؤلفا ومئات المقالات بالعربية والفرنسية، وحاز العديد من الجوائز. وعبر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن بالغ التأثّر وعميق الأسى لرحيل الطالبي الذي وصفه بأنه "المفكّر الحر والمجتهد المجدّد والمصلح الجريء والمناضل الوطني الصلب من أجل الحريّة والإنسانيّة"، الذي تتلمذت على يديه أجيال تلو أجيال، والذي لم تثنه في الدفاع عن دينه وعلمه وشعبه وأفكاره، لومة لائم ولا شوكة حاكم. وواجه الطالبي المسلم المؤمن لأكثر من نصف قرن الشروحات المتشددة للإسلام، داعيا بقوة إلى رؤية متجددة للفكر الإسلامي. وأكد في مقال نشر في صحيفة "لوموند" الفرنسية عام 2006 أن الشريعة نتاج بشري، معتبرا أن الدين، أي دين، لا يجب أن يكون قيدا وإكراها. وشدد في مقابلة اجراها مؤخرا مع مجلة "جون افريك"، أن القرآن هو الوحيد الذي يتضمن تلك العبارة البالغة الوضوح والعلمانية: لا إكراه في الدين. وفي حين حرص أثناء فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (1957-1987) على الابتعاد عن السياسة، فقد عارض محمد الطالبي نظام الرئيس زين العابدين بن على (1987-2011)، وانضم في 1995 إلى "المجلس الوطني للحريات"، المنظمة غير الحكومية للدفاع عن حقوق الإنسان. وكان الطالبي يدافع عن مواءمة الإسلام مع الديموقراطية، واتخذ موقفا معارضا لحزب النهضة الإسلامي، بعد سقوط زين العابدين بن على، واتهم النهضة بمحاولة تنفيذ انقلاب ثيوقراطي. ونال المفكر الراحل أرفع الأوسمة الثقافيّة والفخرية من دول عديدة بينها تونس وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا والسويد. وتولى رئاسة بيت الحكمة بقرطاج (المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون) عام 2011 وأسس الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين عام 2012. من آخر مؤلفاته عيال الله (1992)، أمة الوسط (1996)، مرافعة من أجل إسلام معاصر (1998)، الإسلام: حرية وحوار (1999)، كونية القرآن (2002)، ليطمئن قلبي (2010)، ديني الحريّة (2011).