تتمنى نشر أفكار أبيها للتحذير من مرتزقة «الإسلام السياسي».. وإطلاق اسمه على الميدان الذي شهد اغتياله أعربت "سمر"، ابنة المفكر العلمانى الراحل "فرج فودة"، عن سعادتها بتصفية الجهادى "أبو العلا عبد ربه" في سوريا، منوهة إلى أنه نال جزاءه العادل، جراء اشتراكه في عملية اغتيال صاحب كتاب "الحقيقة الغائبة"، قبل ربع قرن. ابنة الكاتب المثير للجدل، أوضحت أن القاتل لم يقتل والدها بيده، بل قدم السلاح وراقب الجريمة التي شارك فيها أكثر من 20 إرهابيا، مشيرة إلى أن المتهمين الرئيسيين تم إعدامهما بعد ثبوت إدانتهما عام 1992. ولفتت "سمر" إلى أن الرئيس المعزول "محمد مرسي"، كان قد أفرج عن "أبو العلا عبد ربه"، بعفو رئاسي، الذي ظهر يومئذ في برنامج تليفزيونى منتشيا، ومؤكدا أنه لو عاد به الزمن مجددا لاغتال "فودة". وكشفت «سمر» أن 3 من قتلة والدها تواصلوا معها، واعتذروا لها عن مشاركتهم في اغتياله، وأبدوا ندمهم على تورطهم في الجريمة، وأكدوا لها أنهم قرأوا كتب المفكر الراحل، وأدركوا أنهم كانوا يسيرون في "الطريق الخاطئ"، وأنهم عادوا إلى رشدهم بعيدا عن التنظيمات الإرهابية. وبينت "سمر" أن ما يسعدها ليس القتل، وإنما نشر فكر «فرج فودة» الذي مات من أجل أن يصل لكل مصري، وتمنت أن يُكرّم والدها معنويا وأدبيا بإطلاق اسمه على الميدان الذي قتل فيه، كما وجهت رسالة للرئيس عبد الفتاح السيسي قالت فيها: «سيدى الرئيس من أجل أجيال قادمة ومستقبل وطن.. كرّم عميد شهداء الوطن العربى الدكتور فرج فودة وانشر فكره.. فتكريم فرج فودة ليس في قتل قاتله.. بل تكريمه في نشر فكره وكتبه في كل مؤسسات الدولة وإطلاق اسمه على الميدان الذي قتل فيه». وترجع قصة اغتيال فرج فودة إلى عام 1992 عند خروجه من مكتبه برفقة ابنه بشارع أسماء فهمى بمصر الجديدة كى يستقل سيارته عائدا لمنزله، اعترضه كل من: «أشرف سعيد إبراهيم» و«عبد الشافى أحمد رمضان»، حيث كانا يستقلان دراجة بخارية، وأطلقا عليه الرصاص الذي اخترق كبده وأمعاءه بينما أصيب ابنه بإصابات طفيفة، معتمدين على فتاوى بإهدار دمه، إحداها كانت صادرة عن الشيخ الراحل "عمر عبد الرحمن". سائق سيارة «فودة» ترك المفكر الراحل وطارد الجناة بالسيارة، وتمكن من اللحاق ب«عبد الشافى رمضان» الذي سقط خلال المطارة من الدراجة البخارية على الأرض ليرتطم بالرصيف ويصاب بإغماء، مكنت السائق والمارة من ضبطه والإمساك به وتسليمه للشرطة. «عبد الشافي» اعترف في تحقيقات النيابة بأنه تلقى أوامر بقتل «فودة» من صفوت عبد الغنى القيادى بالجماعة الإسلامية، الذي كان محبوسًا وقتها بتهمة اغتيال رئيس مجلس الشعب الأسبق رفعت المحجوب، وأن «أبو العلا عبد ربه» زوده بالسلاح والأدوات المستخدمة وحدد له طريقة التنفيذ والموعد، واختار الموعد قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، نكاية في أهل فودة ولكى يطفئ فرحتهم بالعيد. وفى التحقيقات قال «عبد الشافي» إنه قتل «فودة» بناء على فتوى للدكتور عمر عبد الرحمن مفتى الجماعة الإسلامية الراحل بقتل المرتد، وعندما سأله المحقق عما قاله في التحقيقات بأنه " أميّ لا يقرأ ويبيع السمك "، فعقّب الأخير: «لم اقرأ ولكنهم قالوا لي». وقضت المحكمة بإعدام المتهمين الأول والثانى والحكم بالسجن المؤبد 25 عاما على المتهم الثالث «أبو العلا عبد ربه»؛ وأفرج عنه «مرسي» بعفو رئاسى في 2012 ؛ لكنه قتل مؤخرا في غارة جوية على سوريا بعد 25 عاما من الواقعة. ويعتبر "فرج فودة"، واحدا من أبرز المفكرين الذين تصدوا مبكرا لجماعات الإسلام السياسي، وكشف عوارهم، وحذر من خطرهم الداهم، عبر حزمة من الكتب والمؤلفات التي لا تزال المكتبة العربية تذخر بها، وأثبتت الأيام والسنون، صدق نبوءته، وأنه لم يكن متحاملا عليهم، أو محرضا ضدهم، ففى كتابه: «حوار حول العلمانية».. وبدا أن الصدام الأكبر بين «فودة» والتيارات الإسلامية لم يكمن في المجاهرة بعلمانيته فقط، وإنما دأبه على فضح شعارات التيارات الدينية، مثل: «الإسلام هو الحل» أو «تطبيق الشريعة يستدعى حلًا فوريًا لمشكلات الدولة»، ففى كتابه: «الحقيقة الغائبة»، أوضح "فودة" أن «الخلافة لم تحمل من الإسلام إلا الاسم، وأن الإسلام دين وليس دولة»، واعتبر الخلافة حدثا في التاريخ لا قداسة له، يمكن نقدها وإدانتها، وذكر في كتابه «زواج المتعة» أن «الإسلام أضحى في مفترق طرق.. طريق نخوضه في حمامات الدم نتيجة الجهل وضيق الأفق، وطريق آخر يعتمد الاجتهاد المستنير والقياس الشجاع والأفق المتنور». نقل «فودة» ميدان الحرب على "الإسلام السياسي" إلى الشارع، وهو ملعب التيارات المتشددة الذي سيطرت فيه على عقول العامة والدهماء، خاصة الإخوان وتنظيمها الدولي، والسلفية بمنابرها المكشوفة، وتنظيماتها السرية، ووجّه خطابه بالأساس للجماهير وليس النخبة، وعقد العديد من الندوات وشرح أفكاره بشكل مبسط، ما جعله في مرمى نيران تلك الجماعات. لماذا غصصصير «فودة» واجهته؟ فالمفكر الراحل حاصل على ماجستير العلوم الزراعية وعلى الدكتوراه في الفلسفة في الاقتصاد الزراعى من جامعة عين شمس، وكان من المفترض أن يظل محصورا بين التدريس داخل الجامعة وتأليف بعض الكتب في تخصصه العلمي، هذه الإشكالية رد عليها "فودة" قائلا: «دراستى الأولية للحصول على الدكتوراه أضافت إلىّ المنطق والحجة، لا أستطيع أن أخون عقلي، كما أن دراسة العلوم الزراعية هي دراسة لعلوم الحياة، وما أكتبه هو دفاع عن حق الحياة الكريمة والإنسانية والحضارية». أثرى "فودة" العقل العربى بحزمة من الكتابات الاستشرافية المهمة، أبرزها: «قبل السقوط»، «النذير»، و«الإرهاب»، «حتى لا يكون كلاما في الهواء»، «حوار حول العلمانية»، «نكون أو لا نكون»، «الملعوب »، «الحقيقة العائبة»، «الأقليات»، «زواج المتعة».