سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نحو ثقافة مضادة للفساد..إنها "قضية الساعة مصريا وعالميا".."مارجريت" استعارت كلمة "ماعت" من التاريخ الفرعونى كمفهوم يعنى عند المصريين القدماء العدل والفضيلة.. "مرسى": سأدعو إلى ثورة ثانية إذا لزم الأمر
باتت الثقافة المضادة للفساد قضية ملحة بعد أن اتفقت القيادة السياسية والشارع المصرى معا على أن الفساد يهدد ثورة "25 يناير" فيما تبدو القضية ذاتها مطروحة على الصعيد العالمى، وكأنها "قضية الساعة مصريا وعالميا". وكان الرئيس محمد مرسى أكد مؤخرًا على أن هناك "محاولات مستميتة لعودة بعض رموز الفساد للساحة"، فيما شدد بالمقابل على أنه "من المستحيل عودة من عملوا على امتصاص دماء الوطن". وفى سياق زيارته الأخيرة للسودان ولقائه مع الجالية المصرية، قال الرئيس محمد مرسى: "سأدعو إلى ثورة ثانية إذا لزم الأمر"، موضحًا أن هؤلاء الفاسدين "الذين ينخرون مثل السوس لن يفلحوا". وواقع الحال أن قضية تطوير ثقافة مضادة للفساد مطروحة عالميا فيما يعكف باحثون على بحث الجوانب المتعددة لهذه القضية. وفى دورية هارفارد للقانون- تناول البروفيسور روبرت باير ظاهرة تعددية أنواع الفساد وألوانه فى سياق اهتمام أمريكى واضح بهذه الإشكالية وسبل مواجهتها عبر الرقابة واستحداث لوائح جديدة إلى جانب عناية ملحوظة بمسألة التعريفات للفساد ومرادفاته ومظاهره. غير أن أهم ما يركز عليه باير وغيره من أساطين القانون فى السياق الأمريكى قضية كشف الفساد وسط اتفاق عام على أن الفساد يتخذ أشكالا بالغة التعقيد وقد يتخفى حتى فى أنبل الصور وبما لا يمكن أن تصل إليه يد القانون مهما تعددت اللوائح والأنظمة الرقابية. وتتجلى هذه المعضلة فى قضايا شهدتها الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول بما فيها مصر حيث يكاد القاضى يجزم بأن المتهم الماثل أمامه فاسد غير أنه قد يحكم ببراءته للافتقار للأدلة الكافية وهى معضلة يعكف البروفيسور آدم سماحة على محاولة حلها فى سياق الثقافة القانونية الأمريكية ومن منظور يقر بأن معضلة كهذه تشكل نقطة ضعف فى الفقه القانونى للولايات المتحدة. فالمطلوب أن تظهر وقائع الفساد مجسدة بوضوح فى ظاهر الأوراق أمام القاضى فى قضايا الفساد المتنوعة والتى باتت تشمل مجالات متعددة حقا بما فيها مسألة مثل تمويل الحملات الانتخابية وبما لا يبدد ثقة المواطن فى العملية السياسية ببلاده. وفى المشهد المصرى الراهن استنكر الكاتب والباحث البارز الدكتور وحيد عبدالمجيد الاتجاه لفرض ضرائب على أصول أو أنشطة أو أرباح غير مشروعة موضحا أن مثل هذا الاتجاه يضفى مشروعية على ما يعتبر نوعا من السرقة. ودعا لمراجعة ما ينص عليه مشروع تعديل قانون الضريبة على الدخل الذى بدأت لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى فى مناقشته قبل أيام فيما يتعلق بفرض ضريبة على التصرف فى الأراضى سواء مشهرة أو غير مشهرة. وذهب وحيد عبد المجيد إلى أن مشروع القانون بهذه الصيغة يساعد واضعى اليد على أراضى مملوكة للشعب ويتطوع بتقنين سيطرتهم عليها "عندما يساوى بين الأرض المشهرة وتلك التى لم تشهر لعدم وجود ما يثبت ملكيتها". وكانت الروائية والشاعرة والناقدة الكندية مارجريت أتوود قد تبنت هذا المفهوم المصرى القديم كسبيل للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة فى كتاب يعبر عن العلاقة الوثيقة بين الثقافة والاقتصاد والجذور الثقافية للمشاكل الاقتصادية وخاصة إشكالية الديون. وفى كتابها: "تسديد الديون وظلال الثروة والذى وصف بأنه من أهم الكتب التى سبرت أغوار الأزمة المالية العالمية الأخيرة والتى تضرب تداعياتها عدة دول حتى الآن، توغلت مارجريت أتوود التى يتردد اسمها كمرشحة لجائزة نوبل فى الأدب عبر التاريخ واستعارت كلمة "ماعت" من التاريخ الفرعونى كمفهوم يعنى عند الفراعنة أو المصريين القدماء العدل والفضيلة والتوازن والصدق كمبادئ حاكمة للطبيعة والكون. وفى نقد الخطاب الاقتصادى السائد يؤكد عالم السياسة الأمريكى الشهير فرانسيس فوكوياما وصاحب كتاب نهاية التاريخ على أهمية الدور الذى تلعبه الثقافة فى الاقتصاد سواء على مستوى التنمية الاقتصادية فى الداخل أو الدور الذى تنهض به دولة ما فى الاقتصاد العالمى.. ويركز فوكوياما على ما يمكن تسميته ب"رصيد الثقة، أو رأس المال الحضارى" وهو القواعد والقيم الأخلاقية غير المكتوبة التى تتيح لأفراد جماعة ما أن يثقوا فى بعضهم البعض. بل إن فوكوياما يجعل من "رأس المال الحضارى" مقياسا يعيد من خلاله رسم خارطة الاقتصاد العالمى، موضحا أن الدول التى تتمتع برصيد كبير من الثقة بمقدورها تأسيس كيانات اقتصادية عملاقة وذات ثقل كبير فى الاقتصاد العالمى..هكذا توقف فوكوياما عند الالتزام الأخلاقى طويلا باعتباره الطريق لشيوع الثقة بين أفراد الجماعة الإنسانية وكأن الرجل يتحدث عن مفهوم "الصدق والبر" بالتعبير الحضارى الإسلامى. وفى مقاربة مغايرة للعلاقة بين الثقافة والسياسة والاقتصاد- رأى سمير أمين المفكر الاقتصادى المصرى والعالمى البارز والذى أصدر كتابا بعنوان "ثورة مصر" أن ثورة يناير تشكل انطلاقة موجة مد جديدة فى التاريخ المصرى معتبرا أن حركة التاريخ كأمواج المد والجزر ما بين ارتفاع المد الوطنى للمطالبة بالاستقلال والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وموجات الجزر التى تتراجع فيها هذه التوجهات. واعتبر سمير أمين أن الثورة الشعبية المصرية لم تكن بعيدة عن أزمة الرأسمالية العالمية وتداعياتها مؤكدا على أهمية صياغة برنامج اقتصادى جديد كبديل لما كان سائدًا من فساد واندماج سلبى فى المنظومة العالمية كما ينوه بأهمية انفتاح مصر على التجارب التنموية فى بعض دول آسيا وأمريكا اللاتينية فيما خصص فى كتابه الجديد حيزا وافيا لدراسة تجارب الدول الصاعدة والبلدان البازغة. وتبدو عملية تقصى الحقائق جوهرية فى أى نظام ديمقراطى كما تجلى فى الأزمة المالية الأمريكية الأخيرة التى تحولت لأزمة مالية واقتصادية عالمية فيما صدر مؤخرا "التقرير النهائى للجنة الوطنية حول أسباب الأزمة المالية والاقتصادية فى الولاياتالمتحدة" فى صورة كتاب جاء فى 545 صفحة. وشارك فى وضع هذا التقرير الذى جاء فى صورة كتاب هنرى باولسون الوزير السابق للخزانة وبين بيرنيك رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى وتيموثى جيثنر الوزير الحالى للخزانة فيما وصف هذا التقرير فى الصحافة الأمريكية بأنه "أشمل وأعمق وثيقة حول أسباب الأزمة المالية الأمريكية". ورأى سيون أسيدون عضو مجلس منظمة الشفافية الدولية أن "مصر فى ظل النظام السابق كانت مختطفة من جانب عصابة ونظام ظل يمارس الفساد الممنهج" على مدى نحو ثلاثة عقود. ولأنها إشكالية عالمية فقد بات الفساد الآن حديث رجل الشارع الفرنسى وبعد أقل من عام من وجود الرئيس الاشتراكى فرانسوا هولاند فى السلطة. وفيما حظت رئاسة فرانسوا هولاند الاشتراكية لفرنسا بالترحيب كترياق للإدارات اليمينية التى سبقتها بفضائح تزكم الأنوف-هاهى تلك الرئاسة ذاتها قد انطفأ بريقها ولطخت صورتها الوضيئة بادعاءات حول تورطها فى ممارسات آثمة وأقاويل تومئ لخطايا شرور.. وهاهم الفرنسيون الذين رحبوا بهولاند ووزرائه-الذين يتوجهون لمكاتبهم لمباشرة أعمالهم راكبين الدراجات لا السيارات الحكومية، قد أصيبوا بخيبة أمل مرة أخرى كما ذكرت صحيفة لوموند.