العمدة عبد الستار يطالع باهتمام بالغ جريدته المفضلة «الكفر اليوم» وعيناه تتقافزان بين السطور بسرعة فائقة، بينما كانت أوداجه تنتفخ رويدا.. رويدا... ويحمر وجهه من شدة الغضب؛ ليلقي بعدها بالجريدة على طول ذراعه وهو يصرخ بشدة قائلا: يا شيخ الغفر... يا أبو سريع... يا شيخ الغفر... إنت يا زفت الطين... ليهرول شيخ الغفر أبو سريع إليه على عجل متعثرا في جلبابه وسلاحه وهو يقول: خير يا حضرة جناب العمدة.. فيه إيه بس ؟ كفى الله الشر !! العمدة وهو في غاية الغضب: بقى الواد المعفن أبو هرجة يبقى مليونير، وأبوه الملواني أبو هرجة كان حتة تملي في أرض جدي الكبير عبد الجبار المفتري الكبير، يفلح ويعزق ويحرت زي البهايم طول النهار بقرشين صاغ ؟!! إمتى حصل الكلام ده وإزاي يا شيخ الغفر ؟! وانت والبقر بتوعك كنتم نايمين على ودانكم في أنهي داهية تاخدكم ؟! جاتكم البلاوي !! شيخ الغفر وقد أسقط في يده: يا حضرة جناب العمدة الواد أبو هرجة ليه أخ كان زمان تلفان ومش نافع، وسافر بلاد بره ييجي كده من نحو عشرين سنة وربنا كرمه، وهو اللي بعت له الفلوس اللي اشترى بيها الخمسين فدانا اللي حيلته وزرعهم بفلوس أخوه برضه، هو وولاده بالمجهود، وأخوه بالفلوس لحد ما بقى صاحب أكبر مزرعة بطيخ في الناحية كلها وبقى بيصدر للعالم كله واستحدث كمان أنواع جديدة بطيخ أصفر وبطيخ أسود وبطيخ أزرق كمان.. وشهرته بقت عالمية سبحان مغير الأحوال يا عمدة!! العمدة باندهاش كبير: بطيخ أصفر.. وبطيخ أسود.. وبطيخ أزرق كمان ؟!! وأنا اللي كل ما أعدي على أي فكهاني في الكفر افتكره انخبط في نافوخه وبيبيع مع الفاكهة كور للعيال الصغيرة ؟!! يا وقعة طين ؟!! وأنتم يا بهايم إزاي ساكتين ومطرمخين عليه الوقت ده كله. أبو سريع محتجا: إزاي بس يا حضرة جناب العمدة ؟! مش.. مش معاليك برضه اللي كل ما تطلع في التليفزيون والراديوم وجميع أنواع الجرانين وكمان في أي خطبة عامة للفلاحين.. بتأكد حرية الاستثمار وتشجيع معاليك الخاص جدا ليه ؟!! وبعدين الواد أبو هرجة بيسدد كل الضرايب اللي عليه، وفاتح بيوت ناس كتير قوي.. العمدة وقد جن جنونه: انت بتدعي له كمان يا شيخ البقر ؟َ!! الكلام اللي أنا باقوله في كل الحاجات اللي انت رصيتها دي؛ بقرطس بيه الفلاحين الغلابة وأديهم بيه أمل في بكرة عشان يفضلوا مدورين الساقية اللي هم بيلفوا فيها يوماتي على الله، ومصالحنا تفضل ماشية.. فهمت دلوقت يا بجم ؟! من بكرة تصادر أرض التملي ده وفلوسه، وترميه في الكراكون بتهمة التمويل الخارجي، وتصدر بقية البطيخ لحسابي، وتزرعوا بطيخ جديد تسموه بطيخ العمدة وربنا هايكرمنا آخر كرم. يقوم شيخ الغفر بإنفاذ كل أوامر العمدة؛ ليسخر جميع الفلاحين من بطيخ العمدة بعد جني المحصول ويصفونه بالأقرع، ليستدعي العمدة أبا سريع بعد أن بلغته كل تلك الأمور ليعنفه مرة أخرى قائلا: زمان كانوا بيقولوا على بطيخ مولانا أقرع، ودلوقت بيقولوا على بطيخ العمدة أقرع.. يعني مولانا والعمدة كمان قُرع، انت فاهم يا شيخ الغفر ؟! زمان كان مولانا بيطير رقابيهم ويدفنهم صاحيين، بس إحنا قلبنا حنين، من بكرة تعتقل كل اللي بيقول كده وترميه في الكراكون.