لم تعد أيام «النغنغة» في الأسواق كما كانت، فبعد أن كانت كل أسرة تشتري ما يكفيها لأسبوع وأكثر تحولت أسواق البسطاء ومستورى الحال إلى «النظام الأوروبي»، حيث الشراء بالجرام وهي أزمة طالت جميع المستويات والأسواق. «فيتو» تجولت داخل بعض الأسواق المختلفة، سواء التي يتردد عليها فئات الطبقات العليا والمتوسطة أو ما تسمى "الأسواق الشعبية "التي تعتبر المنقذ الوحيد لمن طحنتهم الأسعار المرتفعة وثبات الدخل، لتكتشف ظواهر جديدة تنتشر بالأسواق المصرية وهي الكميات على قدر الحاجة. ثقافة جديدة تسيطر على الأسر المصرية، تطول كل السلع «اللحوم والخضراوات والبقوليات» وحتى الملابس، حيث أصبح طبيعيًا الآن أن ترى أحدهم يقف أمام بائع البقوليات أو الخضراوات ويشتري 100 جرام عدس أو ليمونتين وثلاث حبات من طماطم. داخل إحدى الأسواق الشعبية بمنطقة شبرا الخيمة، اعتلت نظرات الحيرة الوجوه ووقفت قلة الحيلة حاجزا أمام السيدات عند شراء حاجتهن في ظل ارتفاع الأسعار ما جعل الذهاب إلى السوق بمثابة كابوس يتكرر كل يوم. إحدى بائعات الخضار قالت إن «أقل حاجة في الخضار نص كيلو لكن بحاول انزل في جنيه أو اتنين عشان الناس تشترى ولو عارفة أن الزبون مش معاه بديله ربع كيلو». ومن أمام محل الدواجن، قال أحد الباعة: «بعد ما الفراخ البلدى غليت بقت الناس تجيب الفراخ البيضة ولما غليت هي كمان بقوا بيشتروا أوراكً أو أجزاءً أو البانيه وبيطلبوا ربع كيلو». ولم يختلف الوضع كثيرًا أمام محال الجزارة، حيث ذكر أحد الباعة: «الناس قبل كده كانت بشترى اللحمة الكبيرة لأن سعرها أقل من اللحمة الصغيرة لكن دلوقتى الإقبال قل على الاتنين أو بيشتروا ربع كيلو». فيما استكملت سيدة أخرى الحديث، قائلة: «حسبى الله ونعم الوكيل في غلاء الأسعار.. كنت بانزل ب10 جنيه أجيب ربع أي حاجة وجمبها مكرونة أو أجيب خضار واطبخ دلوقتى ال20 جنيه ما بتكفيش حاجة خالص». وفى سوق 6 أكتوبر.. أوضح التجار أن تردد المستهلك العادى على السوق لا يعد كبيرا بالمقارنة بعمليات البيع للتجار القطاعى الذين ينتشرون في المناطق المختلفة من الجمهورية. وقال محمود سعد محمود، تاجر جملة بسوق 6 أكتوبر، إن بعض المواطنين في الأماكن القريبة من سوق أكتوبر يقومون بشراء احتياجاتهم من الخضراوات والفاكهة من داخل السوق بدلا من لجوئهم لتاجر القطّاعى. وأضاف "سعد" أن المستهلك العادى الذي يشترى احتياجاته من داخل سوق الجملة يحصل عليها بسعر مساوى للسعر الموجود في القطاعى نظرا لأنه يتحمل بعض التكاليف على السلعة يطلق عليها "البياعة والمشال" والتي تصل على القفص الواحد 5 جنيهات، بخلاف مصاريف الميزان الموجود عند البوابات الرئيسية للسوق والتي تبلغ 10 جنيهات على الأقل للطن. وأشار إلى أن المستهلك الذي يذهب لسوق الجملة يكون هدفه الحصول على سلعة غير متوفرة بشكل كبير في الأسواق المنتشرة في المناطق الأخرى، في الوقت نفسه أكد محمود أبو السعود، تاجر جملة بسوق 6 أكتوبر، أن الفرق بين الحصول على السلعة من تاجر القطاعى وتاجر الجملة أن السلعة في سوق الجملة تكون طازجة، والمواطن يحصل على الأسعار من داخل السوق بنفس الأسعار تقريبا. وأشار إلى أن المستهلك من حقه أن يحصل على السلع سواء قفصا واحدا أو جوالا من الخضراوات، لكن تاجر الجملة يفضل البيع لتاجر القطاعى لأنه يحصل على كميات كبيرة أكثر من المستهلك الذي ينزل لسوق الجملة من أجل الحصول على كميات محدودة من الخضراوات والفاكهة. في كارفور المعادي، تتوافر كل المنتجات من أصغرها لأكبرها والماركات العالمية، لكن لمواجهة حالة الركود لجأ القائمون عليه إلى البيع بالجرامات، صحيح أن هذا بدأ منذ فترة طويلة لكن ازداد الأمر حاليًا بسبب ارتفاع الأسعار. «في الساحة المخصصة بالمول لبيع الأغذية، يتم عرض البقوليات والأرز بكتابة اسم المنتج وسعر ال100 جرام منه، فالكثيرون يأتون لشراء بضع جرامات من الفول أو العدس أو الفاصوليا، ولا يمنعهم الباعة من ذلك، فلكل الحق في شراء ولو حبة فول واحدة. «أحمد - مشرف على ركن البقوليات بكارفور» شرح نظام البيع المتبع قائلا: «أنا ببيع للزبون على قد ما هو عايز لو عايز حباية فول هديها له، والبيع بالجرام ده شغال من فترة كبيرة فيه ستات بييجوا يعبوا هما بنفسهم الكمية اللى عاوزينها وأنا أوزنها لهم.. تطلع كيلو أو 50 جرامًا زى ما هم عايزين، أما عن موضوع إننا بنحط الأسعار على العدس أو الفول أو الرز بالجرام يعنى مثلًا 100 جم أرز ب120 قرشًا فده علشان الناس ما تتخضش منها». من جانبه..قال يحيى قرطام، عضو شعبة القصابين بغرفة القاهرة التجارية، إن ارتفاع الأسعار سيجبر المواطنين خلال الفترات القادمة على شراء احتياجاتهم بالجرام وليس بالكيلو كما هو معتاد، مشيرًا إلى أن معظم الهايبرات والسلاسل التجارية الكبيرة أصبحت تبيع منتجاتها بالجرام نظرًا لارتفاع الأسعار. وأشار "قرطام" إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم البلدية والمجمدة سيجعل المواطنين يشترون بكميات أقل، مضيفًا أن التاجر والجزار لا يضره البيع بالجرام أو بيع كميات قليلة على قدر احتياجات المواطنين، لافتا إلى أن بيع كميات قليلة للمستهلك أفضل من عدم البيع. وأكد أن الارتفاع الكبير في الأسعار سيغير الثقافة الاستهلاكية للمواطنين ويجعلهم يشترون السلع بأسلوب جديد مثل الشراء بالقطعة في الخضراوات والفاكهة أو الشراء بالجرام في اللحوم والمعلبات وغيرها، لافتًا إلى أن البيع بالجرام وبالقطعة موجود في مصر منذ فترة لكن يحتاج إلى زيادة في التوعية أكثر للمواطنين حتى تتغير الثقافة الاستهلاكية للمصريين. بدورها أكدت الدكتورة سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك، أن الثقافة الاستهلاكية للمصريين تحتاج لفترة طويلة حتى تتغير من الكم للكيف، قائلة إن المواطن المصرى اعتاد الشراء بالكيلو وليس بالجرام أو القطعة. وأوضحت "الديب" أن ذلك يرجع إلى الثقافة التي ترسخت لدى المواطنين وتغييرها سيحتاج وقتا طويلا، مشيرة إلى أن المواطن يشترى كمية من السلع سواء خضراوات أو فاكهة دون النظر لجودتها فيحصل على مجموعة من الكيلوجرامات من السلع دون النظر إلى التالف أو المعطوب بها بينما في الخارج المواطن يشترى سلعا قليلة ذات جودة مرتفعة. ومن الطعام إلى الملابس كانت محطة «وكالة البلح»، المعروفة منذ تأسيسها بأنها الحاضن الأساسى لكل من أراد أن يشترى ملابس جديدة له أو لأفراد أسرته دون أن يكلفه الأمر دفع راتبه كاملًا، فقديمًا كان السير في تلك المنطقة صعبًا من شدة الزحام وأصوات الباعة لا تهدأ عن دعوة الزبائن لشراء قطعة الملابس ذات الخمسة أو العشرة جنيهات. أما الآن فالوضع يختلف كليًا فوكالة البلح لم تعد المكان الممتلئ بالزبائن ويحمل كل منهم كيسا بلاستيكيا عملاقا به عشرات القطع من الملابس له ولأسرته ولمعارفه، فقط يتراص الباعة ببضاعتهم على جنبات الوكالة بطولها من أول منطقة خلف مبنى الإذاعة والتليفزيون وحتى نهايتها عند منطقة الإسعاف، بالكاد يدخل زبون أحد المحال لشراء قطعة أو قطعتين من الملابس. «محمد - أحد الباعة بوكالة البلح» قال إن «السوق نايم.. والله العظيم بقالنا فوق الساعتين مفيش زبون، إحنا منزلين الأسعار وبنبيع بأسعار التصفيات.. بيع الجملة ده كان زمان، كان الواحد ياخد كوم الهدوم من الوكالة ويمشى وما يدفعش أكتر من 100 جنيه دلوقتى الزبون كأنه في شارع قصر النيل ييجى ياخد حتة ولو عايز حتة تانية ما بيبقاش معاه تمنها بيدفع 10 جنيهات ربون وييجى تانى يوم ياخدها». وأضاف: «التجزئة بتاعة زمان ما بقتش موجودة وإن الواحد يروح الوكالة يشترى لعياله وعيال عياله، كمان الأول كانت الست تيجى تشترى الهدوم من غير ما تقيس واللى ييجى واسع أو ضيق تسلفه لغيرها، ما هي الأسعار كانت برخص التراب، لكن بعد ارتفاع الأسعار والسوق النايم الزبون بيشوف الحتة المظبوطة عليه بالظبط ياخدها ويمشي». وتحدث آخر عن تلك المعاناة، قائلا: «السوق مريح خالص، ما عدش فيه بيع بالكميات كل حد كل فين وفين لما حد ييجى ياخد حتتين أو حتة ويمشي، ما حدش بياخد بالجملة إلا البياعين بس اللى بيسرحوا، وأعرف ناس كانوا بينزلوا يوميًا الوكالة يشتروا ليهم ولولادهم لبس الأيام دى مبقتش أشوفهم لا بيشتروا جملة ولا تجزئة أو ياخدوا حتتين تلاتة ووقت الحساب يشوفوا الأسعار يرجعولى الحاجة تانى ويمشوا». من جانبه بركات صفا، نائب رئيس شعبة الأدوات المكتبية ولعب الأطفال بغرفة القاهرة التجارية، أكد أن لعب الأطفال التي تترواح بين 5 و20 جنيها لم يعد لها وجود في الأسواق المصرية، وأن أقل لعبة للأطفال تبدأ من 50 إلى 70 جنيهًا فيما فوق. وأضاف "صفا" ل"فيتو" أنه يعمل حاليًا على تصنيع ألعاب الأطفال في مصر بعد القرارات المقيدة للاستيراد، مشددًا على ضرورة قيام الدولة بدعم المصنعين المصريين وتشجيعهم على الإنتاج. وأكد أن الكثير من البضائع اختفت من الأسواق نظرا لارتفاع الأسعار وغلق الاستيراد، حيث اختفى أكثر من 1600 صنف من الألعاب واقتصرت عمليات البيع على 400 صنف فقط بسبب القرارات العشوائية التي تتخذها وزارة الصناعة والتجارة. وأوضح أن الحاوية التي كانت تكلف 200 ألف جنيه أصبحت تتعدى المليون جنيه في الوقت الحالى وهى تكلفة مرتفعة جدا. وأوضح فتحى الطحاوى، عضو شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية أن هناك العديد من السلع اختفت تمامًا من الأسواق المصرية موخرًا مثل الاستانلس والأركوبال والأركوبيركس وبعض الأجهزة الكهربائية اختفت تمامًا من الأسواق. وأضاف "الطحاوى" ل"فيتو" أن نسبة العجز في هذه السلع تتجاوز 80% في السوق والبديل المحلى لا يغطى 20% من العجز. وأوضح أن أسعار تلك المنتجات ارتفعت 4 أضعاف خلال السنة الماضية، مما أدى إلى ضعف الإقبال عليها، مشيرًا إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى ارتفاع سعر الدولار والأسعار الاسترشادية للجمارك والتي تقوم بتسعير المنتجات المصرية ب40% زيادة على أسعارها الحقيقية.