قال الباحث الآثري أحمد عامر، إن الفترة التي مرت بها مصر من أحداث ثورة 25 يناير 2011 قد تتشابه بشكل كبير جملةً وموضوعًا مع الأحداث التي حدث في مصر القديمة في فترة سُميت وقتها بعصر الثورة الاجتماعية الأولى وهي تعتبر من أهم فتراتها التاريخية لما ساد فيها من روح جديدة لم يعرفها الإنسان المصري القديم من قبل والتي نتجت عنها انقلاب الأوضاع السياسية والاقتصادية والتي تناولتها بردية "ليدن" وغيرها من الوثائق، وتناولت الأعمال الأدبية التي خلفتها تلك الفترة كل مشاعر الدهشة والألم الذي أصاب مصر في تلك الفترة. وأكد عامر، أنه على الرغم من اتفاق المؤرخين من غموض الأسباب التي أدت إلى انهيار حكومة الدولة القديمة بانتهاء حكم الأسرة السادسة، إلا أن هذه هي النهاية المنطقية للتطور في التداعي الذي بدأ من منتصف الأسرة الخامسة حيث أصبحت الوظائف المهمة في الدولة مقصورة على عائلات معينة ثم أصبحت بعد ذلك الوظائف وراثة. وأشار "عامر" إلى أن الثورة الاجتماعية الأولى عندما كان لها أسبابًا أدت إلى قيامها من ضمنها الأسباب الاقتصادية بتشييد مبان تهدد الأمن القومي وتشييد مبان وأهرام دينية عدة لكل ملك أرهقت الاقتصاد القومي، كما أن العبء الناتج من تخصيص هبات دائمة للصرف منها على مقابر الملوك والملكات والأمراء هذا بالإضافة إلى انقطاع الموارد التي كانت تأتي من التجارة الخارجية حيث أنه في نهاية الدولة القديمة كان هناك اضطرابات مع تلك البلاد الأجنبية. ونجد أن الأسباب الاجتماعية كانت ربما نتيجة تسلط طبقة خاصة على كل الوظائف المهمة في البلاد، ومن ناحية الأسباب السياسية وُجد أنها كانت نتيجة ضعف الملكية وتخاذلها أما حكام الأقاليم قد استمر الحكام في فرض الضرائب الفادحة وامتنعوا عن توريدها إلى بيت المال مما جعل الحكومة في "منف" شبه عاجزة عن تنفيذ أوامرها وممارسة حقوقها، كما نجد أن هناك أسباب نفسية كان من بينها فقدان الشعب ثقته في حاكمية وكان ذلك في نهاية عصر الأسرة السادسة فقد أصبحت الملكية ضعيفة والكهان مستغلة والإقطاع ينافس الجميع في استغلاله، كما أنه كان هناك أسباب خارجية منها أن الانهيار الداخلي للبلاد كان قد أدي إلى التسلل الأجنبي للبلاد منها فترة من الزمن، كل هذا أدي إلى قيام ثورة في البلاد ليخلع عن رقابه ظلم الملكية وفساد الكهنة وسوء استغلال الحكام. وتابع "عامر" أن الملك في تلك الفترة كان عاجزًا في قصره فلم يستطع أن يفعل شيئًا كما أننا نجد أن الحكام المحليين أصبحوا سادة شبه مستقلين فقد خلعوا عباءة الطاعة للحاكم، بينما كان علية القوم يعيشون في بؤس ولا يجدون ما يسد بائسهم فكان الأثرياء الجدد يستعرضون بذخًا إستفزازيًا واضطرت نساء الحريم النبيلات أن يعملن في أشق الأعمال كما انتشرت المجاعة والأوبئة ومعها اختفى الأمن والآمان وقطع اللصوص الطرق وأخذت البلاد تخلو من سكانها، فالرُضع يتركون بلا مأوى وقلت الولادات الجديدة شيئًا فشيئًا كما توقفت التجارة تمامًا مع البلاد الأجنبية. والأخطر من ذلك اختلال الأسس ذاتها التي قام عليها النظام القديم فالإجراءات القضائية التي ظلت سرية قد أفشى سرها، كما تبعثرت القوانين والسجلات في الشوارع وداسها الناس بأقدامهم وضاعت حجج الملكية ونُهبت المقابر الملكية وتعطلت الشعائر الدينية، كما طُرد الموظفون من منصابهم وانقض سواد الناس على الثروات وقد حدثت أعمال عنف من كل نوع بل ووقعت إغتيالات دون أن تبدي الملكية أي استجابة، ومن الطبيعي ألا يصلنا عن مثل هذا العصر الشديد القليل من الوثائق، وهكذا فإننا نظل غير قادرين على التكهن بما جرى خلال الأسرتين السابعه والثامنه.