لدى من المبررات الشخصية والموضوعية ما يدفعنى للتفرغ لذم دولة قطر والإساءة إليها بكل الطرق الممكنة كما يفعل العشرات من الإعلاميين، لكننى رغم ذلك سأحاول السير فى طريق الموضوعية لتفسير سبب الصورة السيئة لقطر فى الإعلام المصرى، وذلك انطلاقا من منهج «السياسات الإعلامية» وبعيداً عن تبرير ذلك من منطلق ما يعتبره الكثيرون مساع قطرية للهيمنة على مصر ودورها، وفى المقابل مسعى الإعلام للوقوف فى وجه هذه الهيمنة. وفى اعتقادى أن السفارة القطرية، باعتبارها الممثل الرسمى للدولة فى مصر، قد تكون غير مدركة لقاعدة أساسية فى السياسات الإعلامية وهى أنه «إذا لم تتحدث أنت للإعلام بما تراه، سيتحدث عنك الإعلام بما يراه وما يرى الآخرون فيك»، فالسفارة القطرية لا ترسل أى بيانات صحفية للإعلاميين، ووفقا لتأكيدات العاملين بها من المصريين والقطريين على حد سواء، فإنها ترفض أيضا الرد على أسئلة الصحفيين أو طلباتهم بإجراء حوارات صحفية مع السفير سيف بن مقدم البواعينين، وهو السفير الوحيد بمصر الذى جمعنى به موقف سخيف فى أحد حفلات الاستقبال والذى أقامته السفارة الكويتية بالقاهرة؛ حيث تطاول علىَّ لفظياً لمجرد معرفته أننى صحفى بجريدة تنتقد السياسة القطرية. وفضلاً عن مقاطعة السفارة للإعلام المصرى، فإنها تقوم بين الحين والآخر بمنع العديد من الصحفيين من السفر إلى العاصمة القطرية الدوحة لمتابعة مؤتمرات عربية ودولية هامة تعقد هناك، وكان آخرها منعى وعدد آخر من الزملاء من تغطية القمة العربية الأخيرة. يضاف إلى صمت السفارة وغموضها، غموض مماثل يحيط بزيارات المسئولين القطريين للقاهرة، لا سيما ما انتشر بكل وسائل الإعلام عن زيارة مدير المخابرات القطرية لمصر سراً خلال الانتخابات الرئاسية، وهى الزيارات التى كان آخرها وصول على بن فهد مساعد وزير الخارجية القطرى إلى القاهرة السبت الماضى فى زيارة رسمية، لا يعلم أحد حتى الآن مضمونها أو المسئولين الذين ألتقى بهم. وفى تفسير هذا الصمت يمكن القول إن السفارة تتجنب الدخول فى مواجهات مباشرة مع الإعلاميين الذين تعتقد أنهم لديهم نية مسبقة للهجوم على قطر ومن ثم لا سبيل لتعديل آرائهم عبر تعميق التواصل معهم، وتقوم قطر بالرد على هؤلاء بالوكالة، وليس عن طريق سفارتها، وهى تمتلك فى ذلك العديد من الوسائل، غير الفعالة من وجهة نظرى، وهى بعض الكتاب والصحفيين المؤيدين للإخوان، فضلا عن قناة الجزيرة، والعشرات من العاملين ب«لجان إلكترونية» متخصصين فى الرد على كل ما يُنشر ضد قطر بالصحافة المصرية، ولكى يكون كلامى موثقًا راجع هذه الحسابات على «فيس بوك» لتتأكد مما أقول: «Taher Said» و«Osama Ali» و«Ali Elafify» و«إسلام المصرى»، ومجموعة من الحسابات الوهمية التى تخصصت فى الرد على الأخبار التى تنتقد السياسة القطرية، من خلال ذم الجرائد المستقلة واتهامها بالعمالة والكذب، وتوجيه انتقادات لاذعة لدولتى الإمارات والكويت، والمعارضة المصرية، ومدح أمير قطر وسياسته فى المنطقة وخاصة إزاء مصر. هذا التعامل مع الإعلاميين المصريين يسبب لهم مشاكل كثيرة، على رأسها منعهم من ممارسة عملهم بصورة فعالة، وبالتالى يلجئون لمصادر أقل موضوعية ومصداقية تعطيهم آراء أكثر منها معلومات، فضلاً عن بعض الوثائق المفبركة غالباً أو الصحيحة أحياناً التى تستخدم فى تصفية الحسابات، مثل الوثيقة التى تحدثت عن سعى قطر لشراء «مثلث ماسبيرو» وكذا تمويلها لخلية تابعة لحماس من أجل حماية شرعية الرئيس محمد مرسى بكل وسيلة ممكنة! ثم إن شعور بعض الصحفيين باستعلاء المصادر القطرية عليهم ربما يجعلهم يأخذون الأمر بمحمل شخصى، ويعتبرون أنهم فى عداء شخصى مع قطر، فيتخصصون فى هذا النوع من الأخبار، لا سيما عندما يجدون أن مساحة صفحات الجرائد المصرية تتسع لكل ما فيه انتقاد لقطر، ليس كرهاً فى قطر أيضا إنما لتصفية حسابات مع الإخوان المدعومين قطرياً. خلاصة القول، السياسة الإعلامية لقطر فى مصر تحتاج لمزيد من الحكمة من أجل تصحيح صورتها لدى الإعلام المصرى، وأول خطوات تحقيق هذا الهدف هو انفتاح السفارة القطرية على الإعلام، لا سيما أنها تعد فى نظرى أكثر سفارة لا تتعامل مع الإعلاميين بعد السفارة الإسرائيلية المُقاطعة إعلامياً وشعبياً.