"جريمة العصر".. قصة قصيرة جديدة للقاص"أشرف فرج" ضمن مجموعته القصصية الأخيرة، التى تحمل عنوان "خدعنى الفيس بوك" التى صدرت عن مكتبة ودار نشر جزيرة الورد فى 2012، وفى تلك القصة يقول: "فى منطقة الحسين، التى يوجد بها أبهى وأعظم ما سجلته وأنتجته يد المعماريين المصريين فى العصر الفاطمى، "القاهرة الفاطمية"، تدور أحداث هذه القصة، حيث اتصل بى صديقى "حاتم" المحامى ذات يوم، وقال لى: أنا عندى لك موضوع فى غاية الأهمية، استغربت له بشدة، وقلت له: ياترى إيه الموضوع ده، رد قائلا: لما تيجى المكتب هحكيلك كل حاجة. أكملت عملى، وفى نهاية اليوم، ذهبت إلى "حاتم" بمكتبه بمنطقة الحسين، حوالى الساعة التاسعة مساءً، وعندما شاهدت "حاتم" وجدت على وجهه ملامح ابتسامة جميلة تسحبها أبعاد غريبة، لحدث ما قوى بداخله، جلست فى مكتبه، وطلب منى أن أشرب شيئاً، وبعد أن أحضر لى المشروب، قلت له: خيرا.. إيه الموضوع المهم اللى إنت قلت لى عليه؟، رد "حاتم" وقال سأروى عليك حكاية غريبة وعجيبة، ثم قال: عندما كنت أطل كل يوم من نافذة منزلى فى الصباح أو فى المساء كنت أشاهد أطفالاً تجلس على رصيف الشارع، وكنت عندما أخرج من منزلى أقف معهم وأعطف عليهم بالمأكولات والمال، وكان عددهم يتجاوز العشرين طفلاً تقريباً، وظلت صورتهم أمام عينى لعدة سنوات، وكنت أشاهدهم أيضاً فى بعض الميادين الرئيسية، وأمام مسجد الحسين، ولكن فجأة وجدت عددهم يقل، إلى أن وصل إلى أربعة أطفال تقريباً، وعندما حاولت أن أسأل عن باقى المجموعة أجاب أحدهم: إن هناك شخصاً يأتى إليهم على فترات قصيرة، وكان يأخذ مجموعة من الأطفال معه بحجة أنهم سوف يعملون فى أحد المحال أو فى بعض الأعمال اليومية، وسوف يعطى لكل واحد منهم خمسة جنيهات فى اليوم غير الأكل والشرب، واستقطب بالفعل عدداً كبيراً من الأطفال، الأمر زادنى دهشة غريبة، وبدأت أتجول فى الميادين لأعرف إذا كان هؤلاء الأطفال مازالوا متواجدين أم لا؟! فوجدت أن عددهم يتناقص عكس ما كنت أراهم دائماً عليه، وأنه لا أثر لبقيتهم، فاندهشت غياب الأطفال المفاجئ، فأين يا ترى ذهب أطفال الشوارع دون إنذار؟!، فقد اختفى عدد كبير منهم ولا أحد يعلم شيئاً عنهم. ثم قرأت فى إحدى الصحف بعد فترة زمنية أنه تم العثور على مقبرة جماعية للأطفال على الطريق الصحراوى، قرب التجمع الخامس، ومن ثم بدأ الشك يدور فى ذهنى بأن هؤلاء الأطفال تم خطفهم بمعرفة "إحدى العصابات المتخصصة فى سرقة الأعضاء البشرية" وقامت ببيع أعضائهم للدول الغربية، وربطت تلك الأحداث ببعضها البعض عندما علمت بعدها أنه تم العثور على أجساد هؤلاء الأطفال بدون بعض أعضائهم البشرية، ومن هنا تأكدت أن هؤلاء الأطفال تم اختطافهم من الشوارع وتم بيع أعضائهم خارج البلاد، وذلك لأن هؤلاء الأطفال ليس لهم أحد، ولا يوجد من يسأل عنهم أو يهتم بشئونهم، وكل ذلك كان يحدث تحت مظلة الحكومة السابقة، التى أعطت الفرصة لتجار الأعضاء البشرية من أصحاب المستشفيات الاستثمارية أن يستولوا على أطفال الشوارع، ويتاجروا بهم، وزاد تأكدى عندما جاء أحد أقاربى، والذى يعمل فى المطار ذات يوم يحكى لى :إنه شاهد صندوقاً صغير الحجم يتم نقله عبر الطائرات يومياً، وعندما حاول أن يستفسر عن الذى بداخل الصندوق علم أن الذى بداخله"قرنيات"، وعندما شرح قريبى حجم الصندوق الذى يسمى "آيس بوكس" وأن حجمه لا يتجاوز أربعين سنتيمتراً استغربت لحجم الصندوق، وقلت له: إن حجم صندوق قرنيات العين لا يحتاج لتلك المساحة الكبيرة، ويبدو أن هناك شيئاً غامضاً يُهرب فى هذه الصناديق، وبعد أن روى لى قريبى هذه المعلومات، فوجئت بأنه يتصل بى بعد مرور أسبوع، وقال لى: إنه تم نقله إلى مكان بعيد، ويبدو أنهم علموا أنه سوف يكون مصدر قلق عليهم من كثرة تدخله فى نظام عملهم وأسئلته الكثيرة عما بداخل الصناديق، وبدأت أبحث أكثر عن "مافيا الأعضاء البشرية"، ثم علمت بعد ذلك أن هناك بحيرة شهيرة يتم التخلص فيها من أجزاء الأطفال المتبقية بعد سرقة الأعضاء وبيعها لتكون طعاماً للتماسيح، كما علمت أيضاً أن الطفل الواحد يبلغ ثمن أعضائه مليون جنيه تقريباً، وأن هناك رجال أعمال تخصصوا فى هذا النوع من الاستثمار، الذى ينافى كل عرف وخلق ودين، فهم ليسوا بشراً ،وإنما وحوش أكلوا أجساد أطفالنا، وملأوا بطونهم بدمائهم، ثم توجهت بعد ذلك إلى النائب العام وقدمت بلاغاً، ولكن للأسف لم يتم التحقيق فيه، وذهب دم هؤلاء الأطفال هدرا، ولا أعلم أين سيكون مصير الأطفال المتبقيين فى الشوارع الآن، هل سيواجهون نفس المصير الذى سبقهم إليه أقرانهم؟، أم سوف يكون لهم مصير آخر ينتظرهم؟. وأنهى صديقى "حازم" حديثه المؤلم لى، وكانت حالته سيئة للغاية، نتيجة عدم التحقيق والاهتمام بالبلاغ الذى قدمه للنائب العام. فكان علىّ ألا أصمت عن هذه الجريمة التى ربما يصل الأمر فيها أن تٌسرق أولادنا وهم داخل منازلنا، وفى أحضاننا لا فى الشوارع أو الميادين، ما دام يحيا فى مجتمعنا مثل هؤلاء التجار الذين نُزِعت من قلوبهم الرحمة والآدمية ولم يختلفوا كثيراً عن الوحوش المفترسة، فهل ننتظر أن يحدث هذا؟. فسارعت فى عمل موضوع صحفى ونشرته فى إحدى الجرائد التى أعمل بها، عله يحرك ساكناً للرأى العام لمحاربة هؤلاء التجار فى أوكارهم وعدم السماح لهم بالحياة على دماء أطفالنا، لأن الجهات المعنية تحتاج إلى الأدلة المادية حتى تتحرك وهذه الأدلة ربما لا تتوافر لدينا.