بالرغم من اختلاف أعمارهم وطبقاتهم والبيئات التي نشأوا بها إلا أن الظروف وحدتهم جميعا بل وجعلت البعض منهم أصدقاء ينتظرون تلك الأوقات التي تجمعهم وكأن هذا التجمع يجدد من عزمهم فيتسامرون ويلعبون ويمضون لحظات، وإن كانت قصيرة لكنها تنسيهم ما يعانون منه في ظل مجتمع ينظر إليهم عادةً وكأنهم أشخاصًا غير فاعلين. مستخدمو الكراسي المتحركة أو الأشخاص الذين يعانون من بعض المشكلات في أطرافهم أو أجهزتهم العصبية، مما أفقدهم القدرة على الحركة وبات "الكرسي المتحرك" هو الطرف البديل عن أقدامهم، اجتمعوا صباح اليوم الخميس، بمركز شباب الجزيرة بالزمالك في أكبر تجمع لمستخدمي الكراسي المتحركة ليثبتوا أنهم باستطاعتهم الحركة والركض ومشاركة الجميع أنشطتهم، فهم استطاعوا وبجدارة محو كلمة "العجز" من قاموس حياتهم اليومية، منهم الكثير ممن شاركوا في "بارالمبيات" ريو دي جانيرو لهذا العام. وفي السطور التالية تستعرض «فيتو» بعض النماذج لأشخاص لم يستسلموا للبقاء تحت قيد الكرسي المتحرك وما فعله بهم القدر، جعلهم يفعلون ما لم يفعله كثيرون يمشون على أقدامهم. تسنيم محمد شابة عشرينية، حديثة التخرج من كلية الصيدلة جامعة 6 أكتوبر منذ ولادتها وهي تعاني من نقص نسبة الأكسجين في جسدها مما تسبب في عدم قدرتها على المشي على قدميها وأضعف أطرافها، تقول: "أنا قضيت عمري كله على الكرسي المتحرك"، تسنيم التي لا تفارق الابتسامة شفتيها ولا يترك الأمل عينيها الخضراوتين لحظة فينعكس ذلك على كلماتها وتصرفاتها، لم تخضع أمام المرض الذي ولدت به وفُرض عليها تقبله، فاشتركت في مسابقات السباحة وحصلت على المركز الثاني في بطولة العالم للسباحة وحصلت على الميدالية. لم تكتف بهذا فقط بل قامت أيضًا بالتقديم في إحدى القنوات الفضائية لتعمل كمراسلة فاستحقت أن تكون أول مراسلة تباشر عملها فوق الكرسي المتحرك. الطفل كريم صوته يملأ أرجاء الممر الذي يجتمع فيه بعض المشاركين في فعاليات اليوم، ضحكاته مميزة ولديه قدرة غريبة على تكوين صداقات مع الأطفال المشاركين في المؤتمر، نظم مسابقات معهم في الركض بالكرسي لمسافات طويلة، فيضحك قائلا "أنا اللي سبقت"، الطفل كريم الذي يبلغ من العمر أحد عشر عامًا يجلس بجسده الصغير على كرسي متحرك كبير يجهده في التحرك لكن ذلك لم يمنعه من التحرك بشكل ملحوظ في الساحات. وتابع: "أنا جيت النهاردة علشان أقدم على كرة السلة هنا في النادي وأشترك في الحفل اللي عملوه لينا النهاردة"، حداثة سنه لا تستطيع أن تحد من عنفوانه ورغبته المُلحة في اللعب أكثر الأوقات، "أنا دايمًا بلعب مع أصحابي في المدرسة كل الألعاب في الفسحة". ملك حسين أشهر المشاركين في فعاليات اليوم العالمي لأكبر تجمع لمستخدمي الكراسي المتحركة، فقد شاركت في ثلاث بطولات بمنتخب مصر للسباحة وحصلت على الميدالية الفضية لأكثر من مرة. تحافظ على ابتسامتها وقبولها للحياة أينما كانت الظروف والتحديات، فهي منذ أن كان عمرها لا يتعدى العشرة أشهر وتعرضت لحادثة تسببت في إحداث إصابة بقدميها سترافقها مدى حياتها، فقررت أن تتحدى هذه الإعاقة بنظرة أمل وتفاؤل لكل ماهو قادم، فاستحقت أن تحقق كل هذه الشهرة وتمثل مصر في أكثر من مسابقة، متناسية تمامًا أنها يمكن ألا تقف على قدميها ثانيةً. الطفل أحمد عصام من حين لآخر ينظر إلى قدميه الصغيرتين اللتين اتخذتا شكلا مقوسا وبقيتا ساكنتين، والكرسي الكبير الذي يجلس عليه ثم يلقي نظرة أخرى على والدته الجالسة بجواره ليطمئن أنها لم تتحرك من جانبه، ثم يعود مرة أخرى لمداعبة رفيق تعرف عليه منذ دقائق قليلة ووجد فيه ما يشبهه فاطمئن له وصارا صديقين. أحمد عمره لا يتعدى العامين، وُلد بمرض في النخاع الشوكي أفقده القدرة على تحريك قدميه، تقول والدته التي يبدو أن الحزن قد أنهكها تمامًا "عنده دمور في الأعصاب مخليه مابيقدرش يمشي على رجله، لفيت على دكاتره كتير ماحدش بيديني أمل هو هيمشي ولا لا". حداثة سنه تجعله لا يأبه بما هو فيه كأي طفل عادي، لا يدرك أن من هم في مثل سنه استطاعوا السير على أقدامهم وهو مازالت والدته تعاونه على الخروج والذهاب إلى "الحضانة" وفي كافة شئونه اليومية، وقالت والدته "أنا تقريبًا بعمله كل حاجة لما يخرج يناديني ماما تعالي دخليني، بوديه الحضانة لكن اضطريت فترة أبطل بعد ما تضرر المدرسين من قعدته على الأرض". السبب الذي دعا أم أحمد إلى السفر من الأقصر إلى القاهرة لحضور هذه الفعاليات، هو رغبتها في دمج ابنها منذ البداية في هذه البيئة حتى يتأقلم معها ولا يُصاب بأي صدمات أو نفور من مجتمعه حينما يكبر، قائلة: "أنا جيت النهاردة علشان أشوف إزاي هنا بيتعاملوا وأدمج ابني وسطهم، وعندي أمل كمان إني ألاقي حد يساعدني في علاج أحمد بتكاليف قليلة".